الأخبار ـ ندى أيوب
لم يُغادر مدير المعلوماتية في وزارة التربية والتعليم العالي توفيق كرم الطبقة السابعة من مبنى الوزارة، حيث مكتبه، رغم انتهاء عقد عمله منذ أيلول. ثمانية أشهرٍ مرّت من دون اتضاح الصيغة القانونية الحاكمة لبقاء كرم. وما يعزّز الشعور بأنّ تجاوزاً ما يحصل، إضافة إلى الملف الملتبس المحيط بعمل كرم نفسه، هو استحالة الحصول على إجابةٍ رسمية من وزارة التربية حول الملف. فالوزير عباس الحلبي في الخارج أغلب الوقت، ومديره العام عماد الأشقر لا يُجيب على الاتصالات ولا على الرسائل المكتوبة التي وصلته منذ أكثر من أسبوعين، ومستشار الوزير ماهر حسنية يقول إنّ عمله ينحصر مع الوزير، وكل ذلك لأن توفيق كرم هو، ببساطة، «إمبراطور الوزارة» (راجع «الأخبار» الإثنين 20 حزيران 2011) والحاكم بأمره فيها.
إذ إن المعلوماتية باتت كلمة السرّ القابضة على الوزارات من خارج ملاكاتها. فتحت ستار الانتقال إلى عصر التكنولوجيا والشفافية وسرعة العمل ودقته، تتحكّم مشاريع الأمم المتحدة والبنك الدولي والمنظمات غير الحكومية بمفاصل المؤسسات والإدارات العامة وقراراتها. ويُصبح لمن تُعيّنهم الجهات المانحة على رأس مشاريعها المنفّذة داخل الوزارات سلطة كبيرة، فيطلب الجميع رضاهم، بما أنّ اقتراح المشاريع والشركاء المحليين فيها، من داخل الوزارة وخارجها، وتقسيم الجُبنة بيدهم.
كرم هو أحد هؤلاء. فقد دخل إلى الوزارة منذ 15 عاماً، بعقد عملٍ مع إحدى الجهات المانحة، أي من خارج ملاك الوزارة التي تعود هيكليتها إلى عام 1959 عندما كان مستحيلاً لحظ مديرية للمعلوماتية في حينها. وكان العقد معه يُجدّد كل ثلاث سنوات، إلى أن انتهى عقده في 23 أيلول 2023. فقد قرّرت «اليونيسف»، بصفتها الجهة التي ستتكفّل باستمرار عمل مديرية المعلوماتية، الإعلان عن رغبتها بتوظيف مدير جديد، ونشرت الإعلان بتاريخ 23 شباط الفائت. وفي 8 نيسان أجرت مقابلات شفهية مع المتقدّمين إلى الوظيفة، ومن بينهم... توفيق كرم نفسه. إلا أن «اليونيسف»، وفق مصادر مُتابعة، «اختارت التعاقد مع الدكتور ريان حلاوة، وهو دكتور في تكنولوجيا التربية ومتعاقد مع جامعة البلمند». رغم ذلك، تؤكد المصادر أنّ «العمل جار داخل أروقة الوزارة على إيجاد فتوى للإبقاء على كرم، إلى جانب توظيف اليونيسف لحلاوة».
الخطير في الأمر أنّ كرم، بصفته مدير المعلوماتية منذ 15 عاماً، بمثابة «خزنة الوزارة»، وبين يديه «الداتا» الخاصة بالتعليم، والتي تُعدّ الأضخم، بما تتضمّنه من معلومات حول طلاب لبنان في القطاعين الرسمي والخاص وعن ذويهم وأوضاعهم الاجتماعية وأماكن سكنهم وأرقام هواتفهم. وهي «داتا» وصلت حكماً إلى الجهات المانحة المموّلة لمشاريع الوزارة، سيّما المرتبطة بالمنصات، وما شابه من المشاريع ذات الطابع التكنولوجي. وفي ظلّ الانتهاكات الدائمة من قبل المؤسسات والإدارات الرسمية لاستراتيجيات التحوّل الرقمي والأمن السيبراني، يرتفع مستوى القلق تجاه أمن تلك البيانات، وإلى من وصلت وكيف تُستغل.
ومن المهم الإشارة، إلى أنّ السنوات الـ15 السابقة لم تمر بسلاسة، فقد خضع كرم أكثر من مرةٍ للتحقيق، وهناك أكثر من طلبٍ تقدّمت به «شبكة التحوّل الرقمي في لبنان» للحصول على معلومات حول المشاريع والـ«الداتا»، مستفيدة من قانون حق الوصول إلى المعلومات، إلا أنّ استفساراتها بقيت من دون إجابات، على زمن الوزير السابق طارق المجذوب ومن ثم المدير العام فادي يرق، وحالياً مع الوزير الحلبي.
واللافت أنّ «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» لم تحرّك ساكناً تجاه هذا التجاهل، رغم أنّ الأرقام الرسمية تفيد بأنّ الحاصل التعليمي يبلغ 11%، في المدارس الرسمية، أي إنّنا أمام فاقد تعليمي بنسبة 89%، ما يعكس فشلاً ذريعاً في هذا القطاع، رغم ملايين الدولارات التي خُصّصت لمشاريع التحوّل الرقمي وغيرها من المشاريع التربوية. من بين هذه المشاريع التي أدارها كرم، الهبة الألمانية المؤلّفة من 10 آلاف «Tablet»، والتي لا تزال محجوزة منذ عامين في المستودعات، فيما وُزّع بعضها بطرقٍ استنسابية بموافقة الحلبي، وملف «كلاسيرا»، وهو مشروع مع شركة سعودية وكيلة لـ«مايكروسوفرت»، وافقت عليه الوزارة، ويتضمن تقديم منصة ليتبادل عليها الأساتذة والتلاميذ الدروس، على أن تكون السنة الأولى مجانية، علماً أنّ لدى المركز التربوي للبحوث ثلاث منصات مشابهة، ما يطرح السؤال حول ما إذا كانت الموافقة مرتبطة بحاجة فعلية إلى المنصة أم أن هناك تنفيعة ما من وراء المشروع.