الأخبار ـ فراس الشوفي
منذ 10 تشرين الأول الماضي، تاريخ انتهاء حفر البئر الأولى في البلوك الرقم 9، لم تقدّم شركة «توتال - إنرجيز» تقريرها الفنّي حول نتائج الحفر. وبذلك، تكون الشركة الأبرز في كونسورتيوم الشركات التي تعمل في البلوك 9، إلى جانب «إيني» الإيطالية و«قطر للطاقة»، قد تجاوزت المهلة الطبيعية المفترضة لتقديم التقرير الفني، أي ستّة أشهر (تنتهي في 10 نيسان 2024)، على ما تحدّده المادة 101 من المرسوم الرقم 10289. كما تجاوزت الشركة حتى الآن نصف المهلة الجزائية المحدّدة بثلاثة أشهر (حتى 10 تموز المقبل)، والتي ترتّب عليها ضريبة 10 آلاف دولار عن كل يوم تأخير.بالطبع، لا مشكلة لدى «توتال» في قيمة ضريبة التأخير، وهي اعتادت أصلاً على المماطلة في الوفاء بالتزاماتها لوزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع النفط حتى قبل يوم أو يومين من نهاية المهل القانونية. إلّا أن التأخير الحالي، ومع مرور الأشهر الثلاثة، يسمح لوزير الطاقة وليد فياض بأن يسحب رخصة الحفر تلقائياً من تجمّع الشركات، وإعادة البلوك إلى دورة التراخيص المقبلة. وإذا لم تقم الشركة بحلول آذار المقبل، وفقاً لجدول المواقيت الطبيعي، بحفر بئرٍ ثانية وتقديم تقرير فني حول هذا الحفر خلال المهلة القانونية، يحق للوزير أيضاً سحب الرخصة منها تلقائيّاً.
لكن، نظراً إلى اعتبارات لبنانية عدة تجاه «توتال» والعلاقة مع فرنسا وظروف الحقول الجنوبية، فإن اتخاذ خطوة من هذا النوّع لن يكون على عاتق وزارة الطاقة وحدها، بل على عاتق مجلس الوزراء، الذي لا يرجّح، من الآن وحتى تغيّر الظروف الحالية، أن يتخذ خطوات تصعيدية من هذا النوع، خصوصاً أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي نقل أجواء «إيجابية» عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ما يتعلق بالتنقيب عن الغاز في البلوك 9 ونشاط «توتال»، ضمن أجواء «دعم لبنان» التي يعمّمها الفرنسيون، من دون أن يعني ذلك حصول أي تقدّم في الملفّ مع استمرار الحرب في غزّة وجنوب لبنان.
ويأتي التأخير المستمر و«غير المبرّر» تقنياً في تسليم الشركة التقرير الفنّي، رغم مراجعات متكررة من فياض والهيئة للشركة التي لا تقدّم تبريرات مقنعة. وهذه الضبابية تدفع إلى الاعتقاد بأن «توتال» تؤخّر تسليم التقرير لأسباب سياسية، كما أوقفت استكمال الـ 50 ساعة حفر المتبقّية مع بدء المعركة في غزة بعد 7 تشرين الأول الماضي، إذ إن تقديم التقرير الفني تليه مرحلة تقديم استراتيجية واضحة للدولة حول التعامل مع الحقل، ولا سيّما في ما يتعلق بتحديد الوجهة، سواء بحفر بئرٍ ثانية أو إعلان نتائج نهائية سلبية من الحفر في البلوك. وبالتالي، ليس من مصلحة الشركة، ومعها فرنسا، أن تتّخذ مثل هذه الخطوات في وقت لا تزال الحرب مستمرة، بينما من مصلحة لبنان أن يكون مستعداً للخطوة التالية في البلوك 9 وملفّ التنقيب في حال انتهاء العمليات العسكرية في المنطقة.
وتأتي هذه المماطلة، في وقت لم تقدّم «توتال» تعديلاتٍ جديدة على العقد في البلوكين 8 و10، بعد صدور قرار مجلس الوزراء بالتعديلات الأخيرة. علماً أن دورة التراخيص الثالثة تنتهي في 2 تموز المقبل، وحتى الآن لم تتقدّم أي شركة في أيّ من البلوكات المعروضة.
كما أبلغت «توتال» وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول، قبل فترة، بتجميد كل مشاريع الطاقة المتجدّدة في لبنان، منها مشروع للطاقة الهوائية ومشروع للطاقة الشمسية كجزء من خطة رفع إنتاج الكهرباء، علماً أن المشاريع المجمّدة كانت قد حازت على تراخيص من وزارة الطاقة وتتوفّر للشركة كل الظروف المناسبة للبدء بالتنفيذ مع شركاء لبنانيين، غير أن قرار التجميد يتناسب مع السلوك العام للشركة في أكثر من ملفّ.
ويحاول وزير الطاقة كسر الجمود، عبر تقديم مشروع مرسوم في مجلس الوزراء لخفض قيمة الأصول المطلوبة من الشركات ضمن شروط الاشتراك في المناقصات من 10 مليارات دولار إلى مليار دولار، إفساحاً في المجال أمام شركات صغيرة من جنسيات مختلفة، للمشاركة في دورات التراخيص. إلا أن هذا المرسوم حتى لو أُقّر، قد يصطدم بعوائق عديدة، سياسية واقتصادية، إذ إن التعويل على اشتراك شركات أميركية وأوروبية لا يمكن أن يحصل من دون قرار سياسي غربي تجاه لبنان، بما يعني العودة إلى الدوامة نفسها التي يدور فيها الملفّ مع «توتال». بينما من غير المضمون أن تتحفّز الشركات الآسيوية، خصوصاً الإندونيسية والماليزية التي يعوّل عليها فياض للاشتراك في دورات التراخيص، لأسباب اقتصادية بحت، إذ إن التنقيب في لبنان ليس جذاباً كبقاع أخرى في العالم، لأسباب أمنية، وأخرى سياسية حيث مسارات التطبيع مفتوحة بين كل من إندونيسا وماليزيا وإسرائيل، لذلك قد تفضّل الدول الآسيوية الانتظار والوضوح على الضبابية قبل اتخاذ خطوات كبيرة.
وكشف أكثر من تقرير حول «توتال إنرجيز» أخيراً، أن نسبة المساهمين الأميركيين في الشركة ارتفعت إلى أكثر من 50%، وأنها تفكّر في نقل عملياتها ونشاطها البارز إلى الولايات المتحدة كما أعلن المدير التنفيذي للشركة باتريك بويان الشهر الماضي، ما يعني أن الشركة أصبحت أكثر تأثّراً بالسياسات الأميركية التي تتعارض أحياناً كثيرة مع السياسات الفرنسية، في ملفات عديدة من المحيط الهادئ إلى الشرق الأوسط.
يبقى، أنّ أحداً لم يعد مستعجلاً في العالم للبحث عن المزيد من الوقود الأحفوري المكلف في المرحلة الانتقالية نحو الطاقة البديلة والمتجدّدة، يينما تهبط أسعار النفط والغاز إلى أدنى مستوياتها وتنطلق اكتشافات طاقوية جديدة من التجارب إلى الإنتاج، فيما لبنان ينتظر الآمال التي يقتلها الوقت وانتفاء الحاجة.