الأخبار ـ فؤاد بزي
بإمكان لبنان أن يصل إلى الاكتفاء الذاتي من إنتاج البطاطا، لكن يحصل العكس، إذ يتم تشجيع الاستيراد من مصر في ذروة الإنتاج المحلي في سهل عكار، وهو ما يكبّد مزارعي لبنان خسائر ناجمة من منافسة المنتج المصري.بحسب أرقام وزارة الزراعة، ينتج لبنان سنوياً نحو 532 ألف طن بطاطا تُزرع ضمن مساحة 22 ألف هكتار، أي 9% من مجمل المساحة المزروعة، و16.5% من مساحة الأراضي الزراعية الموسمية المقدّرة بنحو 135 ألف هكتار. ويُعدّ سهل البقاع سلّة لبنان من البطاطا في المساحة المزروعة والكمية المنتجة، إذ ينتج فيه نحو 400 ألف طن سنوياً، تُزرع ضمن مساحة 15.4 ألف هكتار، ثم تأتي عكار ثانياً بمساحة 6.6 آلاف هكتار وإنتاج نحو 130 ألف طن سنوياً. ومن مجمل هذه الكميات، تستهلك السوق المحليّة نحو 200 ألف طن (150 ألفاً للأسواق، و50 ألفاً لمصانع البطاطا)، ويُصدّر الباقي.
200 مليون دولار هي قيمة البطاطا المستوردة خلال الأعوام الستة الماضية في مقابل تصدير بقيمة 93.4 مليون دولار. وبلغ متوسط سعر استيراد الطن الواحد 450 دولاراً في مقابل 262 دولاراً لمتوسط سعر التصدير رغم كثافة الإنتاج المحلّي، فإن لبنان ارتبط بروزنامة زراعية تسمح بالاستيراد من الخارج في ذروة إنتاج عكار وقبل بدء القلع من البقاع، أي من مطلع شباط حتى نهاية آذار، ما يجعل مزارع البطاطا في حالة سباق غير عادل مع المنتج المصري الذي يغرق السوق خلال شباط وآذار من كلّ سنة، وبكميّات أكبر من التي يسمح بها القانون الرقم 48 الصادر عام 1999، والذي ينظّم العلاقة التجارية بين لبنان ومصر. فمن المفترض، بحسب الروزنامة ألا يُسمح بإدخال أكثر من 50 ألف طن بطاطا مصرية إلى لبنان، إلا أن الكميات المستوردة تفوق المحدّدة قانوناً بسبب «تمريقات الجمارك» كما يقول رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويّك. ووفقاً لأرقام الجمارك، فإنه في عام 2022 استورد لبنان 55 ألف طن بطاطا مصرية، وفي عام 2022 استورد 65 ألف طن.
هذه المخالفة ثمنها بخس للغاية على المعابر الحدودية، إذ «لا يتجاوز البرطيل 25 دولاراً لكل طن مخالف يدفعها التاجر لإدخال كميات إضافية بلا حسيب أو رقيب»، يقول الحويّك. أما المزارع اللبناني فيدفع ثمناً باهظاً كونه الأكثر تأثراً بالتقلبات الاقتصادية. يأتي انعدام التوازن لأن الدولة لا تتعامل مع موسم البطاطا باعتباره «أمناً قومياً» كما يراه الحويك، أي إنه موسم لا يباع ولا يُشترى. لكن الواقع، أن «الإدارة الزراعية تدار على الهوارة بلا خطط واضحة، والمفاوض اللبناني لا يفرض حماية المزارع الذي يُعدّ العنصر الأساسي في حماية الأمن القومي، فيما التاجر يرى الاستيراد حلوينة». في المحصّلة، يُضرب كلّ سنة موسم عكار من البطاطا من فائض البضاعة المصرية التي تغرق السوق بكلفةٍ أقل من اللبنانية. لذا، يطالب الحويّك بـ«التوقف عن لعب البوكر الزراعية كلّ سنة، وخلق توازن بين الإنتاج والاستهلاك ووقف استيراد البطاطا تماماً من مصر، إذ لن تتأثر بقية الحركة التجارية معها، فالميزان التجاري يميل للكفة المصرية دائماً ونسبة استيراد البطاطا متدنية مقارنةً ببقية السلع».
كلام حويّك تؤكده أرقام الجمارك، فالميزان التجاري يميل إلى مصر دائماً. في عام 2023 صدّر لبنان سلعاً إلى مصر بقيمة 164 مليون دولار، واستورد منها بقيمة 585 مليون دولار، 19 مليوناً منها بطاطا. و75% من البطاطا المستوردة إلى لبنان هي مصرية، ولديها قدرة مرتفعة على منافسة المنتج المحلي، إذ لا يزيد سعر الطن منها على المرفأ، على 338 دولاراً، بينما يبلغ سعر البطاطا الهولندية المستوردة التي تأتي ثانياً بعد المصرية لناحية الكميات، 775 دولاراً لكل طن.
من جهة ثانية، دخلت البطاطا في التجاذبات السياسية اللبنانية التي جعلتها أقل استقراراً. فهي باتت تعتمد على العمالة السورية في كل مراحلها من زراعة وعناية وقلع في مقابل خروج العمالة اللبنانية بشكل شبه تام، بحسب رئيس نقابة مزارعي البطاطا في البقاع جورج صقر. وفي الآونة الأخيرة، ظهرت تأثيرات عدم وجود عمال زراعيين لبنانيين بعد اشتداد الحملة الأمنية على العمال السوريين، إذ «ارتفع سعر كيلو البطاطا في سوق الجملة بنسبة 30%، من 35 ألفاً إلى 50 ألف ليرة»، يقول الحويّك، مشيراً إلى «عدم وجود كثافة عمال فتباطأت عملية الإنتاج وزاد أجر العامل السوري اليومي في قلع البطاطا من 10 دولارات يومياً إلى 15 دولاراً». وبحسب صقر، فإن «كلفة قلع كل دونم بطاطا وصلت إلى 100 دولار، وفي حال رحيل العمال بشكل تام يُحتمل أن ترتفع إلى 300 دولار، ما يعني مضاعفة سعر البطاطا 3 مرات».
900 دولار متوسط كلفة الدونم
تُقسم زراعة البطاطا في لبنان إلى 3 مواسم؛ «الموسم البكّيري» ويُزرع في منتصف شباط ويُقلع في تموز. و«موسم المحيّر» الذي يُزرع في نصف نيسان ويُقلع في أواخر شهر آب. و«موسم اللقيسي أو المتأخر» الذي يُزرع في نصف تموز ويُقلع في أوائل كانون الأول. وتراوح كلفة زراعة كلّ دونم بطاطا، بين 800 دولار و1000 دولار، وهي تشمل كلّ الأعمال الزراعية التحضيرية من حراثة الأرض وتسميدها وشراء البذور، وصولاً إلى رش المبيدات والقلع، بحسب رئيس نقابة مزارعي البطاطا في البقاع جورج صقر. ويبلغ معدّل إنتاج كل دونم، 3 أطنان بطاطا، أي إنه لا يجب أن يتدنّى سعر طن البطاطا عن 334 دولاراً لاستعادة رأس المال. وتُقدّر كمية البذور المطلوبة لكل دونم بين 240 كيلوغراماً للدرنات الأجنبية، و320 كيلوغراماً للدرنات المحلية. وبحسب وقت زراعة البطاطا يحتاج كل دونم من المياه إلى نحو 450 متراً مكعباً من المياه.
لبنان يخسر سوقه الخارجية
خلال السنوات الماضية أُقفلت طرق التصدير البرية أمام لبنان وارتفعت كلفة النقل في البحر ووصلت إلى 7 آلاف دولار لكلّ مستوعب بسعة 30 طناً، ما أخرج البطاطا اللبنانية من المنافسة في أسواقها الأساسية في الكويت والإمارات وعُمان وقطر. وفي المقابل، سيطرت البطاطا السورية والأردنية على الأسواق العربية، إذ لا تتجاوز كلفة شحن المستوعب الواحد ألفي دولار، بحسب رئيس نقابة مزارعي البطاطا في البقاع جورج صقر. بالتالي تباع الكميات المتبقية في السوق المحليّة في آخر الموسم بأسعار متهاودة.