موقع العهد ـ مصطفى عواضة
تشير بعض الأبحاث إلى أنَّ التأثيرات التي تنجم عن الطلاق خاصةً إذا كان مصحوبًا بصراع بين الوالدين له تأثير سلبي كبير في الزوجين أو الطليقين، وتأثير أكبر في الأولاد والأسرة. وفي حال وجود الطلاق أو عدم وجوده وبمجرد وجود صراع زوجي تكون بيئة الأسرة مضطربة، ما يؤدي إلى حالة ارتباك وخوف خاصةً عند الأطفال الذين يشعرون بتهديد مستمر وعدم أمان داخل الأسرة التي يعيشون في كنفها.
الباحثة في علوم الأنثروبولوجيا والإعلام الدكتورة ليلى شمس الدين أكَّدت في حديث لموقع العهد الإخباري أنَّ قدرة الأطفال على التعامل مع الطلاق تختلف وفقًا لدراسات بحسب أعمارهم إذ بيَّنت هذه الأبحاث أن انفصال الوالديْن أكثر صعوبة بالنسبة للأطفال الذين هم في بداية مسيرتهم المدرسية حيث إنهم لا يفهمون معنى الانفصال بين ذويهم ما يشعرهم بعقدة الذنب.
وأضافت أنَّ هذه الانعكاسات موجودة بالنسبة للأبناء داخل الأسر ولكن التحديات تواجه كلًّا من الزوج والزوجة لأن الأسرة تعيش دائمًا بحالة اضطراب ومشاكل على الصعيد الفردي مما يوصل الأمور بينهم إلى حد الانتقام سواء بعنف لفظي أو معنوي أو حتى جسدي، ما يشكل انفعالات سلبية غير محسوبة العواقب وغير منضبطة تؤثر على شخصيتهم وعلى توازنهم النفسي في حياتهم الشخصية و العائلية والمجتمعية.
وشدَّدت الدكتورة شمس الدين على أنَّ آثار عدم التماسك الأسري والرضا عن الحياة من النتائج الداخلية في ظل وجود اضطرابات داخل الأسرة تزيد من حجم الاكتئاب وتقلل من احترام الذات، وتؤدي لانحراف كبير بين الأولاد خاصة في مرحلة النمو ومرحلة المراهقة لأن التماسك الأسري والرضا عن الحياة يعطيان نتائج إيجابية جداً لحياة العائلة، نتيجة العلاقة السوية داخل الأسرة.
وأشارت الدكتورة شمس الدين إلى أن الدراسات التي أُجريت حول آثار الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية في الصحة النفسية وفي الصحة السليمة داخل الأسرة أظهرت أن النتائج التي تؤدي لمزاج مكتئب واضطراب عاطفي تسبب مزيدًا من التفاعلات السلبية بين الزوجين وتتفاقم أكثر فأكثر بسبب التوترات والخلافات حول القضايا المالية، بينما إذا حكمت الزوجين علاقة منسجمة فإن الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية لا تؤدي إلى نفس التأثيرات في موضوع العلاقة أو جودتها بين الطرفين في ظل الآثار السلبية التي تختلف عندما يجمع العلاقة بين الزوجين انسجام أو اضطراب.
وبيَّنت في حديثها لـ "العهد" أنَّ بعض الأبحاث دلت على أن الكفاءة الذاتية الفردية والوعي لوضع إستراتيجية مواجهة إضافة لخصائص النظام الأسري القائم، مثل القدرة على التكيف والتماسك وحل المشكلات بشكل يجمع بين رأيين أو آراء الأسرة تكون هناك نسبة أقل من الآثار السلبية للضغط الاقتصادي على الأسر، فالدعم الأسري يخفف من التأثيرات السلبية للضغوط الاقتصادية في الحال المزاجية وفي الدعم الممكن أن يتلقاه الزوجان أو يقدمانه لبعضهما في أوقات الصعوبات الاقتصادية ليكونوا أقل عرضة للإصابة بآثاره السلبية وتبعاتها.
وتابعت حديثها بالقول:"عندما نتحدث عن التواصل يجب الإشارة إلى التواصل الفعال والواضح الذي يُشعر كل فرد من أفراد الأسرة بأنه في راحة وفي أمان بالتعبير عن أفكاره ومشاعره بشكل علني وأن الآخرين يشعرون بالاحتضان والعناية وأن واحدًا منهم هو جزء من هذه الأسرة ما يشكل فرصة لحل النزاعات القائمة بشكل أسهل وهنا يجب القول، إن تبادل الأدوار بين أفراد الأسرة بشكل يشعر كل فرد أنه مسؤول اتجاه نجاح أي مسؤولية موجودة على أي فرد من أفراد الأسرة ما يخلق روحاً من التعاون لتحقيق هذه الغاية من الأدوار والتواصل الفعال والواضح والمساند والداعم، ما يخلق أجواء سليمة وصحية تنعكس بشكل أو بآخر على كل فرد من أفراد الأسرة".
ولفتت إلى أنَّه "يمكن تجربة بعض الاستراتيجيات لنساعد في خلق الوضع الأكثر إيجابية لدى كل أسرة من خلال الاستماع الفعال الذي يشكل جزءًا مهمًا من أنماط الاتصال الصحية التي على أساسها نستطيع توطيد العلاقات بكل أنواعها خاصة في أوقات النزاعات، والأهم أن يكون لدينا مبادرات تبين عمليًا وفعليًا الاهتمام بحياة أفراد الأسرة، ونسمع لآرائهم واحتياجاتهم، حتى لو لم نتوافق معهم، وهو شكل من الأشكال الأساسية التي تُعتمد لتصويب العلاقة دخل الأسرة".
وأردفت: "الأمر الأشد أهمية في تلك الاستراتجيات هي أن نتسامح ولا نقارن ونتعامل مع أفراد أسرنا على أساس التفرد من أجل التكامل الأسري وعدم السماح لأي شخص بالتدخل في علاقتنا الأسرية ونمط التعامل معها".
واعتبرت شمس الدين أن دور المؤسسات التعليمية والتربوية والإعلامية يكمن في تعزيز التواصل الفعال والاستماع الجيد و التسامح و ربط أوصال العلاقات وحل النزاعات واحترام التفرد لكل شخص في الأسرة من خلال تثقيف المجتمع حول كيفية اختيار الزوج أو الزوجة والتعامل بينهما وخصوصية كل فرد منهم من أجل بناء أسرة سليمة".
وتقدمت الباحثة في علوم الأنثروبولوجيا والإعلام في ختام حديثها مع موقعنا بنصيحة وسؤال للآباء والأمهات والمقبلين على الزواج لتأسيس أسرة: "هل الزواج مجرد نمط سائد بالمجتمع أم هو هدف أساسي من أجل تحقيق الاستقرار؟ إن معرفة حدود التعامل بين الأشخاص من احترام ومودة وبناء عائلة تسهم في بناء المجتمع وبالتالي تسهم في بناء الوطن وما بعد الوطن، ولبناء أسرة متماسكة:
- عليك معرفة اختيار الشريك.
- تعلم كيفية التعامل مع الأنماط الشخصية المختلفة بين الأشخاص أنفسهم، وأيضاً خصوصية تفكير الرجل، وخصوصية تفكير الذكر والأنثى، وكيفية التعامل بين الأشخاص واحترام الحدود الخاصة لكل منهما، ووضع إستراتيجية وآلية للتعامل بينهم.
- معرفة كيفية حل النزاعات في حال حصولها.
- معرفة كيفية تربية الأولاد.