الأخبار ـ نعمه نعمه
استعادت المدارس الخاصة، في السنوات الأخيرة، قيمة الأرباح غير المشروعة التي كانت تجنيها قبل الأزمة الاقتصادية وضاعفتها في بعض الأحيان، مستفيدة من الأزمة وتدنّي قيمة الأجور وغياب الرقابة في مصلحة التعليم الخاص وهشاشة قرارات الوزارة وتعاميمها.
أعلنت كثير من المدارس الخاصة غير المجانية، أخيراً، تقديراتها لأقساط العام الدراسي المقبل 2024-2025، تضمّنت القسط القانوني بالليرة اللبنانية، ودفعات إلزامية غير قانونية بالعملة الأجنبية لـ«صندوق تضامني»، ومداخيل أخرى. التجاوزات في ما تفعله المدارس الخاصة كثيرة، بدءاً من «الصندوق» الملزم وغير القانوني نفسه، مروراً بتقاضي العملة الأجنبية، والأهم تجاوز موافقة لجان الأهل على القسط قبل إقراره في الهيئة المالية، وتجاوز صلاحية الهيئة في درس وإقرار إيرادات الصندوق التضامني وتوزيع إنفاقه كونه ملزماً، ما يجعله (بحسب المادة الأولى من قانون تنظيم الموازنة المدرسية الرقم 515/96) قسطاً ينبغي إقراره في الهيئة المالية.غالبية المدارس، لا سيما تلك المنضوية في اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، تعتمد المنهجية نفسها، وتتجاوز القانون والتعاميم الشكلية لوزارة التربية بإعادة انتظام الموازنة المدرسية. وفي تدقيق أولي لما يُعدّ «أرباحاً غير مشروعة للمدارس الخاصة»، نلاحظ تضاعف أرباحها عما كانت عليه قبل الأزمة، إذ استفادت من تدنّي قيمة الأجور وغياب الرقابة في مصلحة التعليم الخاص وهشاشة قرارات الوزارة وتعاميمها، إضافة إلى قدرة «الكارتيل» على تعطيل إقرار تعديل بعض أحكام القوانين المتعلقة بتنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة وبتنظيم الموازنة المدرسية.
لتوضيح ذلك، سندرس نموذجين من أقساط العام المقبل لمدرستين تنتميان إلى اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، هما كلية خالد بن الوليد - المقاصد، ومدرسة سيدة لورد الثانوية للإخوة المريميين في جبيل التابعة للأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية.
في كلية خالد بن الوليد، وزّعت إدارة المدرسة في 5 حزيران الجاري إشعاراً بالأقساط المتوقّعة، وبلغ القسط للمرحلتين المتوسطة والثانوية 145 مليون ليرة (1600 دولار)، فيما راوح الدعم بالدولار بين 4150 و 5250 دولاراً، على أن يدفع ذوو الصعوبات التعلمية قسطاً إضافياً بالليرة هو 145 مليون ليرة وقسطاً آخر إضافياً بالدولار بقيمة 2400 دولار، ليصبح مجموع أقساط ذوي الصعوبات نحو 10500 دولار. وأضاف الإشعار رسماً غير قانوني هو «فتح ملف» للتلامذة الجدد بقيمة 2000 دولار، ورسماً إضافياً لمن يتبع المنهاج الأجنبي (هاي سكول) 500 دولار.
وبحسب دليل المدارس لعام 2021، تضم كلية خالد بن الوليد في المرحلتين المتوسطة والثانوية نحو 400 تلميذ و73 معلماً وإدارياً (تضم المدرسة كل المراحل ويصل عدد الملتحقين بها إلى 1000 تلميذ). ويبلغ مجموع أقساط المرحلتين المتوسطة والثانوية 58 مليار ليرة (650 ألف دولار) إضافة إلى مليوني دولار لصندوق الدعم، من دون احتساب أقساط ذوي الصعوبات التعلّمية والمتابعين للمنهاج الأجنبي وفتح الملف. وإذا كان كل معلم وإداري يحصل على متوسط أجر شهري 1000 دولار لمدة سنة كاملة (متضمّناً النقل والاشتراكات)، فإن قيمة الأجور والرواتب لا تتعدى 875 ألف دولار، بينما يتجاوز مجموع الأقساط، ما يضع أكثر من 1.7 مليون دولار في مصاف الأرباح غير المشروعة، وإذا أضفنا الأقساط من ذوي الصعوبات التعلّمية والملف والمنهاج الأجنبي فإن الأرباح الصافية تتجاوز مليوني دولار. ومهما كانت الكلفة السنوية لتشغيل وتأهيل وترميم المبنى المدرسي فهي لا تتجاوز بضع عشرات الآلاف من الدولارات. هذا يعني أن ما تجنيه المدرسة من أرباح يمثّل على الأقل 3 أضعاف ما تدفعه من رواتب وأجور، في حين أن احتساب الأرباح على مجمل مراحل التعليم قد يرفع الأرباح غير المشروعة إلى 4 ملايين دولار سنوياً. وبحسابات بسيطة، فإن قسط تلميذين (12 ألف دولار) يكفي لتغطية رواتب معلم وملحقاتها لسنة كاملة.
أما مدرسة سيدة لورد فلم تضاعف القسط بالليرة اللبنانية بل ضاعفت «صندوق الدعم» بالعملة الأجنبية، فأبقت على متوسط 13 مليون ليرة (146 دولاراً)، فيما بلغ متوسط الدعم 2700 دولار مع رسم للقرطاسية يراوح بين 100 و120 دولاراً.
ووفق الدليل أيضاً، تضم المدرسة 2052 تلميذاً لكل المراحل، فيما يبلغ عدد أعضاء الهيئتين الإدارية والتعليمية 172 شخصاً. ويساوي متوسط مجموع الأقساط بالليرة 27 مليار ليرة (300 ألف دولار)، أما إيرادات «صندوق الدعم» والقرطاسية فتبلغ 5.7 ملايين دولار، ويصل المجموع العام للواردات من الأقساط بالليرة والدعم إلى نحو 6 ملايين دولار. وإذا اعتبرنا أن متوسط ما تدفعه المدرسة للمعلمين والإداريين هو 1000 دولار شهرياً لمدة 12 شهراً (ضمنه النقل والاشتراكات) تكون قيمة الرواتب المدفوعة مليوني دولار، ويبقى للمدرسة نحو 4 ملايين دولار تذهب منها بضع مئات آلاف الدولارات للمصاريف التشغيلية وتعويض أصحاب الرخصة وغيرها، ليبقى ما يقارب 3.5 ملايين دولار أرباحاً سنوية صافية غير مشروعة.
تجدر الإشارة إلى أن كل ما هو وارد في الموازنة بالعملة الأجنبية هو خارج الموازنة القانونية وخارج موافقة الهيئة المالية ولجنة الأهل ووزارة التربية ولا سيما القرطاسية ورسم فتح الملف وغيرهما. في المقابل، تشكل الأقساط بالليرة اللبنانية الموازنة المدرسية القانونية بعد إقرارها من الهيئة المالية، وهي تشمل الرواتب القانونية بالليرة للهيئتين التعليمية والإدارية وتتضمّن بدلات النقل القانونية أي 450 ألف ليرة عن كل يوم عمل، واشتراكات صندوق التعاضد للمعلمين والضمان ما نسبته 65% من القيمة الإجمالية للموازنة بالليرة وبعض النفقات الإدارية والمفترض أن تمثل 35% من مجموع الواردات من الأقساط.
ما تجنيه المدرسة من أرباح يمثّل 3 أضعاف ما تدفعه من رواتب وأجور
وإذا كان ارتفاع معدلات التضخم دفع المدارس إلى إنشاء صناديق بالعملة الأجنبية لدعم رواتب العاملين التربويين والمصاريف التشغيلية، فإن الأرباح غير المشروعة التي تحققها من «صندوق الدعم» خارج أي رقابة أو تدقيق من لجنة الأهل أو الوزارة خيالية. وللتذكير فإن بدل النقل واشتراكات صندوق المعلمين وغيرهما من الرسوم القانونية محتسبة في الموازنة القانونية بالليرة وتُدفع على أساس الراتب الأساسي بالليرة الذي يبلغ متوسطه 20 مليون ليرة.
في دراسة سابقة (راجع «الأخبار» الإثنين 1 أيار 2017) قبل الأزمة، كان تقدير الأرباح غير المشروعة من الأقساط لمدرسة خاصة تضم 1000 تلميذ نحو مليون دولار سنوياً، وقد استطاعت المدارس الخاصة اليوم في ظل الأزمة الاقتصادية استعادة قيمة الأرباح وحتى مضاعفتها في بعض الأحيان. فيما لا تزال وزارة التربية غائبة عن ضبط الموازنات أو التدقيق فيها أو حتى حماية لجان الأهل عند القيام بواجباتها، وهذا الغياب متعمّد. بل تعمد الوزارة إلى الالتفاف على القوانين بالشراكة مع اتحاد المؤسسات التربوية وبعض النواب لتمرير بروتوكولات واتفاقات تتجاوز القانون، في حين أن المدارس الخاصة هي مؤسسات تربوية للمنفعة العامة معفاة من الضرائب والرسوم، وهي، مع ذلك، وبتواطؤ مع العديد من لجان الأهل الخاضعة، تجني أرباحاً طائلة من جيوب الأهالي الذين لا يجدون لهم معيناً أو ضامناً لحقوقهم في القضاء أو الدولة.