بعد أشهر من اندلاع المواجهات جنوباً واستجابة لضغوط محلية ودولية، وضعت وزارة التربية خطة طوارئ ورقية لابتزاز الجهات المانحة ونيل المساندة المالية من أجل تأمين مستلزمات الدراسة للتلامذة المهجّرين قسراً، وإن كانت الطموحات المالية للوزارة أكبر بكثير مما حصلت عليه.اجتماع يتيم عُقد، في نهاية تشرين الأول، اطّلع خلاله وزير التربية عباس الحلبي من رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء هيام إسحق، وفريق العمل التربوي والإداري والتكنولوجي والرقمي في المركز، على الخطة الموضوعة لكيفية تأمين التعليم في حال اشتداد الأزمة ميدانياً، وجرى عرض مفصل لمنصة «مواردي» (تحتوي مواردَ وموادَّ للتحضير للدروس الرقمية)، والمنهاج المختصر في حال الحرب!
لاحقاً، تابع الحلبي مع مديري المدارس الرسمية في مناطق المواجهة من خلال اجتماع تنسيقي للمباشرة بالتعليم أونلاين، بدءاً من الفصل الثاني من العام الدراسي، أي بعد أكثر من شهرين ونصف شهر من التهجير، وجرى توزيع نحو 3200 كمبيوتر و3000 «تابليت». وتحدّث المديرون عن صعوبة التواصل مع 10800 تلميذ أُقفلت مدارسهم في قرى الجنوب.
إلا أن الوزارة لم تعتمد أياً من المبادئ الرئيسية للتخطيط للطوارئ التي وضعتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، ومنها أن تكون خطة الطوارئ بسيطة وسهلة التنفيذ ومحددة وليست عامةً، على أن تكون مرتبطة بتحليل ومراقبة الخطر لصياغة الخطة على أساس المعلومات المحددة.
كذلك يجب أن تستخدم خطة الطوارئ، بفعالية وبشكل منصف، لتلبية الاحتياجات الإنسانية بالطريقة المناسبة. وبحسب المفوضية، فإن الخطط المكتوبة مهمة، إلا أنه في غياب عملية سليمة للتخطيط للطوارئ، يمكن أن تصبح هذه الخطط غير فعّالة أو مهملة. «ويجب أن يكون التخطيط للطوارئ واقعياً، إذ يمكن أن تعطي خطط الطوارئ انطباعاً بأن الأزمة يمكن معالجتها في حين من المرجّح أن تفوق بكثير القدرة المتوافرة على الاستجابة».
وما سمّته الوزارة «خطة طوارئ في حال الحرب» ليس خطة ولا شبيهاً بها، فكل عناصر الخطة غير متوفرة فيها، بدءاً من التأخر في الاجتماع الأول إلى النتائج والفوضى في اختيار مراكز الامتحانات الرسمية، مروراً بما اكتسبه التلامذة خلال هذه المرحلة والتحاقهم بمدارس بديلة أو بالتعليم «أونلاين».
لم يتمكن نحو 10 آلاف تلميذ من الوصول إلى التعليم
وبدل أن تحصر الوزارة خطة الطوارئ بالحدود الجغرافية للمناطق المتأثرة وسعتها، جعلتها أكثر إبهاماً بإضافة «حالة الحرب» إلى العنوان. فأركان الوزارة لا يملكون الخبرات الكافية والأهلية لوضع خطة طوارئ ووضع خطة تنفيذية للاستجابة، كما لم تقم الوزارة بجمع الداتا ووضع خارطة بأماكن توزع التلامذة، مبررة ذلك بوجود صعوبات في التواصل، علماً أن الداتا وأرقام الهواتف متوفرة في نظام SIMS الإداري في كل مدرسة. كما لم تستخدم الوزارة الموارد بفعالية. فمنصة «مواردي» غير فعّالة في الأصل ويشوبها الكثير من الثغر، كما أن المقوّمات اللوجستية للتعليم «أونلاين» غير متوفرة، من إنترنت وكهرباء وأجهزة كافية، وليست هناك آلية عملية للاستجابة ولا خط ساخن لهذه الحالة ولا إرشاد عبر وسائل الإعلام والتواصل، كما لم تول الوزارة اهتماماً كافياً للتخفيف من آثار الأزمة تربوياً ونفسياً واجتماعياً، فكانت النتيجة صدور قرارات عشوائية بالسماح للطلاب بالالتحاق بأي مركز امتحان كما في الامتحانات المهنية وغيرها. ويضاف إلى ذلك عدم تخصيص الوزارة موارد مالية ولوجستية وبشرية كافية، وغياب الواقعية في تحديد الحاجات والخطة التنفيذية لتصبح الاستجابة أقل بكثير من القدرات المقدّمة من الوزارة.
لم يلتحق معظم تلامذة قرى المواجهة والمحيط بمدارس بديلة. فالوزارة قدّمت دعماً مجتزَأً بتوفير «تابليت» لبعض التلامذة واختصار وتكثيف المنهاج، فيما العوائق أمام تأمين الحد الأدنى من التعليم عديدة، من بينها فكر عقيم وتمييزي أدار «خطة الطوارئ» التي تعمّدت إهمال تلامذة المناطق الحدودية، ولا سيما الملتحقين بالمدارس الرسمية عبر شمولهم بخطة في حال الحرب الشاملة على لبنان، فيما التحدي منذ أكثر من ثمانية أشهر هو الجنوب، فماذا عن العائق الأمني الناتج عن التنقل بين القرى الآمنة نسبياً للالتحاق بمدرسة أو لإجراء الامتحانات، والوضع النفسي والقلق والخوف، المترافق كل ذلك مع تحليق المُسيّرات والطائرات الصهيونية فوق رؤوسهم، وأصوات القصف وجدار الصوت وأخبار فقدان تلامذة ومدنيين ودمار قراهم وبيوتهم، فضلاً عن القدرة على التعلّم في ظل هذه الظروف، ما يستدعي أن تضع الخطة إمكانات مضاعفة لمواكبة هؤلاء.
بحسب الأرقام، فإن تلامذة الجنوب والنبطية كانوا من بين الأقل تأثراً بالإضرابات والاضطرابات التي حصلت منذ 2019 والأقل فقداناً للتعلّم مقارنة مع تلامذة لبنان، واليوم ينضم نحو 10 آلاف تلميذ إلى قافلة الفقدان التعليمي الأعلى، حيث لم تتوفر لهم الشروط الدنيا للتعلم ولا الوسائل أو الدعم اللوجستي والنفسي والاجتماعي.