فؤاد بزي
باشر، أمس، مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عقد جلسات مخصّصة لمناقشة موازنة الصندوق. الموازنة التي أعدّتها الإدارة «برّاقة» من الخارج فيها نفقات أقل من الواردات وفوائض مالية، لكن رأي اللجنة الفنية وأمين السرّ الأول في المجلس غسان غصن مختلف، إذ يرون فيها إعداداً غير محترف وتنقصها بيانات تفصيلية تفسّر أرقامها، وهي لا تنطلق من أي رؤية واضحة أو أهداف محدّدة، ولا يمكن البناء عليها لأن الفجوة كبيرة بين التقديرات والتحصيلات الفعلية، ما يجعلها تمريناً مدرسياً لتلامذة فرع الاقتصاد والاجتماع في المرحلة الثانوية، لا موازنة الصندوق الضامن لربع الشعب اللبناني.
قدّرت إدارة الضمان واردات فرع المرض والأمومة لعام 2024 بـ 167 مليون دولار، توزعت بين 149 مليون دولار اشتراكات و19 مليون دولار مساهمة الدولة. فيما بلغ إجمالي نفقات الفرع 156 مليون دولار، توزعت بنسبة 45% لتقديمات العناية الطبية و55% للتقديمات الاستشفائية، فضلاً عن 6 ملايين دولار نفقات إدارية، ما جعل الصندوق يحقق فائضاً اسمياً قدّر بـ 5 ملايين دولار من فارق الإيرادات والنفقات، يضاف إليها، بحسب تقديرات الإدارة 2.6 مليون دولار ناتجة من «فوائد توظيف أموال الفرع»، فيصبح الفائض 7.6 ملايين دولار.
لكن هذه الأرقام «تعوزها الدقة». بهذه العبارة وصفت اللجنة الفنية في الضمان تقديرات الإدارة لواردات فرع المرض والأمومة، مشيرة إلى أن الإدارة حدّدت تحصيلات الفصل الأول من عام 2024 أساساً للقياس، ثمّ ضاعفت الناتج مرتين، واحتسبت هذه القيمة موازية لتحصيلات كلّ فصل من الفصول الثلاثة الأخيرة من عام 2024. وما يجعل من هذه الأرقام «خبط عشواء»، أنّ إدارة الضمان لم تعر أهميّة حين قدّمت موازنتها إلى التفريق بين الواردات المحصّلة، وتلك المقدّر تحصيلها، أو المقدّر تحققها، حين وضعت الأرقام. كما لم تفرّق بين واردات محصّلة تعود للعام الجاري، وأخرى متراكمة تعود لسنوات مالية سابقة، ما يوجب وضع هذه الأخيرة في حساب الديون المتوجبة لمصلحة الصندوق، بحسب رأي اللجنة الفنية في الضمان.
لذا طلبت اللجنة من إدارة الضمان الإجابة عن عدد غير قليل من الأسئلة في مشروع الموازنة، أهمها: ما قيمة الديون المستحقة لمصلحة الصندوق؟ ما هي السنوات التي تعود لها؟ كيف تتوزع مخاطر التحصيل؟ كما طلبت اللجنة تفصيلاً لقيمة الواردات ومصادرها، وأسس تقدير الاشتراكات.
من جهته، لم يستخدم رئيس الاتحاد العمالي العام السابق غسان غصن «العبارات الديبلوماسية» التي استخدمتها اللجنة الفنية لتوصيف الموازنة. فأشار إلى أن الفائض الموصوف في الموازنة التي أعدّتها الإدارة هو «وفر تقصيري ناتج من التراكم المزمن لمئات الآلاف من المعاملات غير المصفاة، والتي تشكل ديوناً متوجبةً على الضمان». وأعاد غصن المقارنة بين الواردات المقدرة والتحصيلات المحققة بناءً على نتائج عام 2023، فوجد أنّ نسبة التحصيل لا تتعدى 55% من تقديرات الواردات الإجمالية، والمبالغ المحققة من الاشتراكات لا تزيد على 47% «رغم التدافع والزحمة والضجيح والضغط على المستخدمين»، بحسب غصن، فضلاً عن أنّ مساهمة الدولة المرصودة لعام 2023 دُفع 61% منها فقط.
ما يريد قوله غصن اختصره بعبارة «موازنة نقدية خاملة» لوصف تقديرات الإدارة، إذ ابتكرت طريقة حسابية غير مسبوقة في إعداد الموازنات «متجاوزةً نتائج الإحصاء وتنظيم أساليب العمل، وتحديد متوسط الأجور، وقيمة الاشتراكات بعد تعديل الحد الأدنى للأجور. فالنفقات كما الواردات في فرع ضمان المرض والأمومة بُنيت من دون أسس محاسبية؛ إدارة الضمان حدّدتها بـ 156 مليون دولار، ما يجعلها موازية تقريباً للواردات، ولكنّها في المقابل أسقطت تحديد تواريخ استحقاق نفقات فرع المرض والأمومة، والدراسات الاكتوارية حول زيادات على التغطية الاستشفائية والطبية للمضمون، ما حدا بغصن إلى اعتبار أن إدارة الضمان تعتمد سياسية «شو بتحطّ بالدّست بتاخد بالمغرفة»، متخوفاً من «تحوّل الضمان من مؤسسة اجتماعية قائمة على التكافل إلى شركة تأمين تقدّم خدمات محدّدة».
وبشأن النفقات أيضاً، لفتت اللجنة الفنية إلى ضرورة فصل النفقات المدفوعة في عام 2024 عن النفقات المستحقة وغير المدفوعة عن الأعوام السابقة. وبناءً عليه، طلبت اللجنة إضافة بند الديون المستحقة على الضمان، وتحديد الجهة الدائنة، سواء كانوا المضمونين أو أي جهة أخرى. كما لفتت اللجنة إلى سياسة رفع التعرفات التدريجي الذي تعتمده الإدارة، مشيرةً إلى «إمكانية الوقوع في مشكلة عدم توازي قيمة التقديمات مع الواردات، مذكرةً بـ«أنّ الإنفاق الصحي يُبنى استناداً إلى الواردات المحقّقة في السنة المالية»، وطلبت اللجنة هنا من الإدارة «التوقف عن اعتماد تعرفات غير عادلة، أو غير واقعيّة، والاعتراف بالأسعار الحقيقية الرائجة».