الأخبار ـ فؤاد بزي
تستعدّ الحكومة والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في لبنان (العدد الإجمالي لكل المنظمات يبلغ 151) لتسوّل مبلغ قيمته 2.72 مليار دولار من الجهات المانحة لتمويل «خطة الاستجابة اللبنانية» لعام 2024، أو ما يُعرف بـ«LRP» بهدف «تلبية حاجات المقيمين الأكثر حاجةً لمدة سنتين، بمن فيهم النازحون من قرى المواجهة بسبب الاشتباكات على الحدود الجنوبية»، وفقاً لما جاء في مقدّمة مسوّدة التقرير الذي يعدّه مكتب الأمم المتحدة في لبنان والحكومة.
سيجمع معدّو التقرير، غداً الثلاثاء، الملاحظات الواردة من المنظمات على مسوّدة «تقرير خطة الاستجابة اللبنانية» لعام 2024، تمهيداً لعقد اجتماع يوم الجمعة المقبل بحضور الوزراء المعنيين بتنفيذ الخطة، وممثلين عن المنظمات، لمناقشة هذه الملاحظات. وهذا التقرير يهدف إلى «تغطية الحاجات الأساسية لـ3.1 ملايين مقيم على الأراضي اللبنانية، 42% منهم سوريون، و48% لبنانيون، فيما البقية من اللاجئين الفلسطينيين وحملة جنسيات أخرى». وتشمل هذه الحاجات، الطعام والمساعدات الحياتية والصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والسكن، فضلاً عن تأمين مصادر مياه صالحة للشرب ومعالجة الصرف الصحي.
وبحسب مسوّدة التقرير الذي حصلت عليه «الأخبار»، قدّرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عدد المقيمين في لبنان بـ5.6 ملايين نسمة، 3.7 ملايين منهم بحاجة إلى المساعدة، يتوزّعون على النحو الآتي: 2.05 مليون لبناني، 1.36 مليون نازح سوري، 149 ألف لاجئ فلسطيني، وُلدوا ويعيشون في لبنان، 23 ألف لاجئ فلسطيني نازح من سوريا، و100 ألف «مهاجر» من جنسيات أخرى. إلا أنه من دون تبرير واضح، يشير التقرير إلى أن البرنامج سيستهدف فقط 3.1 ملايين من أولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة بكلفة إجمالية تبلغ 2.72 مليار دولار مقارنة مع استهداف 3.2 ملايين مقيم بكلفة 3.59 مليارات دولار في عام 2023.
في الواقع، فشلت الحكومة وسائر المنظمات الدولية وغير الحكومية في تحقيق أهداف 2023، فلم تجمع سوى 29% من المبلغ المطلوب بحسب المعلومات الرسمية الواردة على موقع «Humanitarion action». ويعود ضعف التغطية المالية لـ«تمنّع الجهات المانحة عن دفع الأموال في لبنان، ما دفع المنظمات الدولية لتغطية خططها في لبنان من موازناتها الإقليمية» وفقاً لمصدر وزاري. هذا الفشل دفع الحكومة والمنظمات إلى خفض سقف توقّعاتها ومعها خُفضت الأموال التي تُنفق على الحاجات، فانخفضت حصة الغذاء من المساعدات الإجمالية إلى 780 مليون دولار في عام 2024 (جرى تأمين 11% منها حتى الآن) مقارنة مع موازنة تقديرية بقيمة 1.3 مليار دولار في عام 2023. كما انخفضت القيمة التقديرية للمساعدات المخصّصة للتعليم من 363 مليون دولار عام 2023 إلى 284 مليوناً لعام 2024 (حالياً 35% منها مؤمّنة فقط).
وتقرّ الأمم المتحدة بأنّ 35% من اللبنانيين، أي ما يوازي 1.35 مليون نسمة، لديهم إمكانات اقتصادية متدنية لا تسمح لهم باستهلاك أي سلع غير ضرورية للبقاء على قيد الحياة، أو ما يُعرف بـ«الحد الأدنى من الإنفاق للبقاء على قيد الحياة». وما زاد التدهور أن الناتج المحلي الإجمالي سجّل تراجعاً لست سنوات متتالية، وانخفض من 55 مليار دولار عام 2018 إلى 23 ملياراً عام 2022. كما يقول التقرير إنه رغم الاستقرار الاقتصادي النسبي منذ نيسان 2023، إلا أنّ الأسعار لا تزال على ارتفاع مستمر بسبب «الدولرة الشاملة». فالسلة الغذائية الأساسية للفرد وصل سعرها إلى 35 دولاراً شهرياً، وهذا الرقم أعلى مما كان عليه قبل الأزمة، وفقاً للتقرير. ولكنّ الفقر لدى النازحين السوريين كان أكبر، «85% منهم، ما يوازي 1.28 مليون نازح، لا يمكنهم شراء الحاجات الغذائية الأساسية». كم أشارت الأمم المتحدة صراحةً في تقريرها إلى أنّ لبنان «أكثر دولة مستضيفة للنازحين لجهة المساحة والناتج القومي، السوريون النازحون يعيشون في 97% من البلديات في لبنان».
ومن وجوه هذه الأزمة عدم قدرة الفقراء المقيمين في لبنان على الوصول إلى الخدمات الصحية نظراً إلى زيادة «التكاليف المدفوعة من الجيب» في المراكز الطبية، ما انعكس على صحة الأطفال بشكل خاص، إذ زادت نسبة الوفيات لدى هذه الفئة، وانخفض وزنهم عند الولادة، كما لفت التقرير إلى احتمال زيادة انتشار بؤر الأوبئة والأمراض. وفي سياق متصل، لفتت منظمة الصحة العالمية إلى أنّ 26% فقط من مياه الصرف الصحي في لبنان تعالج قبل التخلص منها، وتكلفة شراء المياه الصالحة للشرب تضاعفت بنسبة 297% من عام 2021 حتى عام 2023، ما جعلها أكبر من كل المعدلات العالمية، وهو ما يؤدي أيضاً إلى زيادة في الأمراض المتصلة بالمياه.
وأظهرت أرقام وزارة التربية التي شاركتها مع فريق خطة الاستجابة أنّ 24.8% من الأطفال في لبنان خارج المدرسة. وهنا أشار التقرير إلى وجود 1.2 مليون طفل لبناني، 90 ألف منهم خارج المدرسة، ومن بين 720 ألف طفل سوري، 396 ألفاً خارج أي مسار تعليمي أيضاً، ما يشير بشكل واضح إلى عمق أثر انتشار الفقر في لبنان، وأعادت اليونيسف في التقرير السبب في ارتفاع عدد الأطفال السوريين خارج المدارس إلى الزواج المبكر من بين الفتيات، إذ وصلت النسبة إلى 13%، وإلى إدخال الصبية منهم سوق العمل باكراً.