ترأس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي حفل تخريج طلّاب الكلّيّة الشرقيّة الباسيلية في زحلة، بحضور راعي ابرشية الفرزل وزحلة المطران ابراهيم ابراهيم ووزراء ونواب ومديرين عامين وقضاة وامنيين وفاعليات اقتصادية واجتماعية وتربوية ، اضافة الى المعلمات والمعلمين واهل الطلاب الخريجين .
واشار العبسي في كلمة القاها للمناسبة الى دور الشباب في بناء الاوطان ودور المدارس في التربية والتنشئة الوطنية والاخلاقية الى جانب الاهل الذين يشكلون المدرسة الاولى في حياة كل منا وقال : 'يسعدني جدًّا أن نجتمع في هذا المساء لنحتفل بانتقال أبنائنا الأحبّاء طلّاب المرحلة الثانويّة في الكلّيّة الشرقيّة من صفّ إلى صفّ ومن مرحلة إلى مرحلة. يسعدنا جدًّا أيضًا أن نشارك أحبّاءنا الشعور الجميل القويّ الذي يحسّون به في هذه اللحظات والذي يصعب علينا نحن أن نصفه من الخارج، إنّما هو بالتأكيد شعور مزيج من رضًى وراحة وانشراح وفرح وبداية لرسم تصوّر لمستقبل يحلمون ببنائه".
اضاف:"حضور المدرسة والأهل والمجتمع المتنوّع الوجوه في هذا المساء من حول أبنائنا الأحبّاء يرسم صورة جميلة عن التربية التي توفّرها لهم هذه الكلّيّة الشرقيّة منذ أن أنشئت منذ 126: إنّها التربية الشاملة l'éducation intégrale، انطلاقًا من رؤية كلّيّة vision holistique للإنسان، للطالب" ، مشيرا الى ان ".تكوين الطالب في المدرسة يقوم بلا شكّ على أن نزوّده بالعلوم والمعلومات ليكسب رزقه في المستقبل ويسهم في تطوير العلوم والاكتشافات العلميّة وما إلى ذلك. إنّما تكوين الطالب في المدرسة يقوم أيضًا على تزويده بتربية أخلاقيّة ومجتمعيّة ووطنيّة، على تربيته الإنسانيّة ككلّ. المدرسة لا تعلّم فقط بل تربّي أيضًا. العلم والتربية لا ينفصلان".
وتابع:" المدرسة لا تربّي أفرادًا سوف يعيشون وحيدين أو جنبًا إلى جنب في المستقبل بل أشخاصًا سوف يعيشون في عائلة، في مجتمع، في وطن. التربية الشاملة تأخذ بعين الاعتبار كلّ هذه، وإلّا تكون تكتفي ببناء ربوتات وذكاءات اصطناعيّة. التربية الشاملة لا تكوّن روبوتات علميّة. إنّها تكوّن الإنسان في كلّ أبعاده، العلميّة والعاطفيّة والمجتمعيّة والفيزيائيّة والروحيّة. في وسع الذكاء الاصطناعيّ من اليومَ فصاعدًا، من الناحية العلميّة، أن يكون خزّانًا من العلوم والمعلومات العلميّة التي نرغب في أن نحصل عليها، خزّانًا نضعه في جيبنا الصغيرة. من هذه الناحية يستطيع الذكاء الاصطناعيّ أن يحلّ محلّ الإنسان وأن يعمل أفضل منه وأن يعطي نتيجة أفضل. بالرغم من ذلك ما زالت المدرسة، في نظرنا، ما زالت التربية ضروريّة في حياتنا لأنّنا لا نعطي معلومات وعلومًا فقط بل نكوّن إنسانًا. هذا يعني أنّ للأبعاد التي ذكرناها قيمةً ومكانةً كبيرةً في حياتنا. الطلّاب ليسوا أرقامًا بل أشخاص، والطالب لا يقاس بعلاماته فقط بل بشخصيّته كلّها: كيف يفكّر وكيف يشعر وكيف يتعاطى مع الآخرين وما هي مقدرته على العمل الجماعيّ، إلخ... وإلّا ما الفرق بينه وبين الروبوت أو الذكاء الاصطناعيّ؟ وفي هذا المعنى يقول القدّيس بولس، ولو على طريقته وفي سياق غير السياق الذي نحن فيه الآن، يقول: "لو كنتُ أعلم جميع الأسرار والعلمَ كلّه ولم تكن فيّ المحبّة فلستُ بشيء" (1كور 13: 2).
ورأى العبسي أن "الفرديّة التي نعيشها في لبنان، أن يتدبّر كلُّ واحد منّا أموره بنفسه، أكان على مستوى الفرد أم على مستوى الجماعة، هي نتيجة حتميّة لانعدام الرؤية الكلّيّة والتربية الشاملة عند المسؤولين. كذلك القول عن انعدام النظام وتعاظم الفوضى وإهمال المصلحة العامّة في كلّ المجالات، ومنها مع الأسف الطائفيّة نفسها التي تستولي على تفكيرنا والتي ليست في الواقع سوى فرديّة جماعيّة individualisme collectif ، ليست سوى فرديّة منقولة إلى مجموعة لا يُعتدّ بها لبناء وطن".
اضاف:"الرؤية الكلّيّة والتربية الشاملة اللتان الكلامُ عليهما تقعان على ثلاثة: أوّلًا الأسرة التي هي المدرسة الأولى لتعلّم الطفل، حيث يتعلّم الطفل أمثولات الحياة الأولى ويعيش الحبّ والانضباط والمسؤوليّة والقيم التي يؤمن بها الأهل. وثانيًا المدرسة التي هي أكثر من مكان للتعلّم، التي هي بيئة منتظمة حيث يتمكّن الطلّاب من أن ينموا شخصيًّا ومجتمعيًّا، بالتعاون بين المدرّسين والأهل وبتطوير الكفاءات المجتمعيّة وبالتعلّم بالاختبار وبالمساندة الشخصيّة الفرديّة. وثالثًا المجتمع مكان الفرص المتاحة والتحدّيات القائمة، حيث يتعلّم الطالب أن يكون له دور في الجماعة وأن ينخرط في الحياة المدنيّة وأن يعيش التنوّعية وقبول الآخر".
واردف:" في ما يتعلّق بالأهل، نلاحظ في هذه الأيّام أنّهم، وقد يكونون معذورين في بعض الأحيان لأسباب قد تكون وجيهة، يتخلّون عن دورهم في تنشئة أولادهم متّكلين كلّ الاتّكال على المدرسة. إنّما لا تستطيع المدرسة أن تنجح في القيام بواجباتها إن لم يكن الأهل متعاونين لأنّ المدرسة هي امتداد للأهل وليس العكس. فإذا ما قام الأهل بواجباتهم صار في وسع المدرس عندئذ أن تقوم هي بواجباتها.
أمّا الدولة فمن المنطقيّ والمفروض أن يكون لها اليد الطولى، بل أن تكون متميّزة، في الرؤية الكلّيّة والتربية الشاملة، فتوفّرَ كلّ ما يلزم لذلك. المدارس الخاصّة رديف للمدرسة الحكوميّة. واجب على الدولة وحقّ للطالب أن يحصل منها مجّانًا على التربية الشاملة المتميّزة، ممّا يعني أن تملك الدولة أفضل الأبنية والتجهيزات المدرسيّة وأفضل المدرّسين وأفضل المناهج. الدولة هي المسؤولة الأولى عن تنشئة مواطنين صالحين وعلينا جميعًا أن نطالبها بذلك".