الأخبار ـ فاتن الحاج
قبل الأزمة السورية، كانت وزارة التربية تنفّذ مشاريع صغيرة متعلقة بالتعليم غير النظامي، خصوصاً للأطفال الفلسطينيين. بعد الأزمة، بدأ هذا التعليم يزدهر لاستقبال التلامذة السوريين اللاجئين الذين لا يستطيع النظام التربوي في لبنان استيعابهم، إما بسبب أعمارهم أو قدراتهم التعليمية، أو نتيجة الأزمات المتعاقبة، من الحروب إلى الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا، ما جعل عدداً كبيراً من الأطفال، خارج النظام المدرسي، لكون التعليم النظامي يتّسم بصلابته وعدم تمتعه بالمرونة اللازمة لاستقبال هؤلاء الاطفال، ما دفع الإدارات التربوية للبحث عن بدائل تعليمية.
والتعليم النظامي هو التعليم داخل المدرسة سواء رسمية او خاصة. اما التعليم غير النظامي فهو تعليم يسدى من خلال برامج خاصة منفصلة عن المناهج الرسمية للدولة وقد تكون مكملة لها او بديلة عنها. وليست هناك نصوص قانونية تعترف بالتعليم غير النظامي أو تحدد كيف ينتقل الطالب من التعليم غير النظامي إلى النظامي.
ومنذ بدء الأزمة السورية، اهتمت منظمة «اليونيسف» بالتعليم غير النظامي، وموّلت جمعيات أهلية غير مسجّلة كمؤسسات تعليمية في وزارة التربية، تولّت مهمة التعليم، وفق أنظمة تعليمية متعددة، بعضها بإشراف تربوي من المركز التربوي للبحوث والإنماء، وبعضها يضع مناهجه من دون متابعة من جهة رسمية. إلا أن كل الجمعيات كانت تخضع لإشراف إداري من «وحدة التعليم الشامل» في وزارة التربية التي كانت تُعنى باللاجئين، وتديرها مسؤولة مصلحة الشؤون الثقافية في الوزارة صونيا الخوري. ومن هذه البرامج برنامج التعليم المسرّع ALP، وبرنامج محو الأمية وتعليم مهارات القراءة والحساب والأساسية BLN، وغيرهما من البرامج.
أخيراً، بعدما حل وزير التربية عباس الحلبي «وحدة التعليم الشامل»، وأوكل تعليم اللاجئين إلى باقي وحدات الوزارة، لم يعد التعليم غير النظامي متداولاً في أروقة الوزارة، وباتت صعبةً معرفة من يدير هذا الملف، رغم أنه بقي ناشطاً ويتوسع حتى صار يعرف بـ«الصندوق الأسود» داخل الوزارة.
في التقرير الذي أعدته منظمة «اليونيسف» عن أنشطتها التربوية في لبنان لعام 2023، أشارت إلى أن أنشطتها في التعليم غير النظامي أو «المسارات المرنة المتعددة للتعليم» أسدت خدمات تعليمية لـ 66036 طفلاً خارج النظام التعليمي. وشرحت أن لديها مشروعين هما «دراسة» و«مكاني»، وأنها قدّمت من خلال مشروع «دراسة» خدمات لتعليم 7080 تلميذاً كانوا خارج المدرسة في 19 مدرسة خاصة وشبه مجانية، وساعدت 24000 تلميذ في 64 مدرسة خاصة. أما «مكاني» فأسدى، بحسب التقرير، خدمات لـ 25821 طفلاً خارج النظام التعليمي، فيما تؤكد اليونيسف في تقاريرها أن الهدف هو توسيع مشاريعها للتعليم غير النظامي.
هذه الأرقام الضخمة تدفع للتساؤل عمن يدير هذه المشاريع، ولماذا تدار في الخفاء، ومن هي الجمعيات التي تديرها، وكيف تُصرف ملايين الدولارات التي تخصصها الدول المانحة على التعليم غير النظامي، ومن يعطي الشهادات للتلامذة الذين ينهون صفوفاً في التعليم غير النظامي؟ وكيف تعترف الوزارة بهذا التعليم؟
في القسم الأول من المشروع كانت المدارس الرسمية تستقبل مشاريع التعليم غير النظامي كمشروع التعليم المسرّع وغيره، فلماذا حُوّلت المشاريع الآن إلى المدارس الخاصة والجمعيات، وحُرم أساتذة التعليم الرسمي من الاستفادة منها؟ وهل مشروع المدير العام للتربية عماد الأشقر الذي يشغل في الوقت نفسه منصب رئيس مصلحة التعليم الخاص أن يرضي بعض المدارس الخاصة على حساب المدارس الرسمية؟
في أيلول 2023، عُقد اجتماع في وزارة التربية بين الحلبي ووزير الشؤون الاجتماعية، هيكتور حجار، صدر إثره بيان يشير إلى تجميد مشروع «مكاني» مع منظمة «اليونيسف». إلا أن المعلومات تفيد بأن المشروع استُكمل وتوسّع، من دون معرفة من يعطي الأوامر فيه، ومن المستفيد منه، ولماذا لم تعلن وزارة التربية استكمال المشروع كما فعلت عندما أعلنت تجميده. وتضجّ منصات التوظيف بإعلانات لتوظيف أشخاص لصالح المشروع بأسماء جمعيات متعددة خارج الوزارة، ووضعت شركة «بزنيس سرفيس أوفيس» (B.S.O) بداية هذة السنة إعلاناً لتوظيف مستشار لصالح المشروع في وزارة التربية، ومن المفترض أن هذا المستشار يعمل حالياً في الوزارة، علماً أن هذه الشركة كانت تتعاطى أعمال السياحة والسفر من دون ترخيص قانوني، وخُتمت بالشمع الأحمر في تشرين الأول 2001، قبل أن تظهر كشركة تنشر إعلانات توظيف على موقع وزارة التربية وتشارك في مناقصات لمشاريع مموّلة من الجهات المانحة.
لا أحد من مسؤولي المناطق التربوية يعلم تفاصيلَ عن مشروعَيْ «مكاني» و«دراسة» اللذين تنحصر تفاصيلهما بين اليونيسف والحلبي و الأشقر والخوري. كما أن معظم تلامذة التعليم غير النظامي هم من السوريين، ومن غير الواضح من يوقّع شهادات ترفيعهم من صف إلى آخر.
في الاجتماع التربوي الأخير الذي عُقد في السراي الحكومي، بمشاركة منظمة اليونيسف والدول المانحة، ركّز الجميع على نقل هؤلاء الطلاب من التعليم غير النظامي إلى التعليم النظامي، فهل المطلوب إعطاء شهادة براءة لكل هذه المشاريع التي أديرت تحت الطاولة، أم هو دمج مقنع للسوريين في المدارس اللبنانية بدعم من اليونيسف ومن الدول التي تعمل منذ زمن لدمجهم؟
وزير التربية مُطالب بتحقيق شفاف في التعليم غير النظامي، أو الصندوق الأسود، مع كل من الأشقر والخوري، وعدم السماح لمنظمة اليونيسف أن تقيم وزارة داخل الوزارة، وإدارة مثل هذا الملف من دون التنسيق مع المناطق التربوية، إنما بالتواطؤ فقط مع بعض المستفيدين من هذا المشروع على حساب المدارس الرسمية. وكانت الخوري قد استُدعيت سابقاً للتحقيق في هذا الملف مع المدير العام للتربية السابق فادي يرق، قبل أن تُجمّد التحقيقات على خلفيات سياسية.
حان الوقت ليحقّق الوزير مع الجميع في وزارته وفي المركز التربوي من دون التغطية على أحد لكشف مصير ملايين الدولارات التي صُرفت في التعليم غير النظامي من دون رقابة.