الأخبار ـ نعمه نعمه
تستعد وزارة التربية لتجريب منهاج البكالوريا الدولية في مواد العلوم للمرحلة الابتدائية في 12 مدرسة رسمية، عبر مذكّرة تفاهم وقّعتها، أخيراً، مع «منظمة البكالوريا الدولية»، وبالتعاون مع مؤسسة الحريري. ويُنتظر أن تُنظّم ورش تدريبية يشارك فيها مديرو المدارس تحت إشراف مفتشين من الوزارة، ومدربين من المركز التربوي للبحوث والإنماء.المشروع يثير تساؤلات بشأن ما إذا كان المركز التربوي وضع منهاجاً رديفاً بمقاربة تعليمية مشابهة للبكالوريا الدولية لتعليم المواد الأخرى؟ وماذا ستكون النتيجة، هل سيتعلم الأطفال العلوم والمهارات والمفاهيم بمقاربة البكالوريا الدولية بما يطوّر قدرات التحليل والاستنتاج والتفكير النقدي لديهم، ويستمرون بتعلم المواد الأخرى بمقاربة تلقينية؟ وماذا سيحل بهؤلاء التلامذة بعد انتهاء المرحلة التجريبية، هل سيكملون التعلم بحسب منهاج البكالوريا الدولية أم أنهم سيعودون إلى النظام التعليمي اللبناني، ومَن سيعوّض المواد والمهارات التي فقدوها مثل اللغة العربية؟ هل طلبت الوزارة موافقة الأهالي قبل خضوع صفوف أبنائهم لتجربة تربوية من خارج النمط التربوي المعتمد في الدولة؟
في عام 2017، أصدرت الهيئة الأكاديميّة في المركز التربوي دراسة أوليّة لمقارنة برنامج البكالوريا الدولية بالمناهج اللبنانية، تناولت فيها ميزات التلميذ، الأهداف العامة، إستراتيجيات التعليم والتعلّم ونظام التقويم، وحدّدت نقاط التلاقي والاختلاف بين المنهجين، ولا سيما لجهة تعليم اللغة العربية.
وانطلقت الدراسة من أن الدولة هي المعنية بوضع السياسة التربوية التي تحدد سمات التلميذ/ المواطن، وهي مسؤولة عن التعليم في مدارسها الرسمية وفي المدارس الخاصة، بما لا يتعارض مع القوانين والسياسة التربوية التي تركّز على الهويّة اللبنانيّة وفرادتها، وقضيّة المواطنة والهويّة الوطنيّة والانتماء العربيّ والمنظومة القيمية للمجتمع اللبناني والمحيط العربي، في حين أنّ برنامج البكالوريا الدولية يركّز على المواطن العالميّ، بحسب دراسة المركز التربوي.
برأي الرئيسة السابقة للمركز التربوي ندى عويجان، تتميّز المناهج الأجنبية بأنها متجدّدة من حيث المحتوى والمقاربات التعليميّة الحديثة، فهي تنمّي عند التلميذ المهارات الأساسيّة والمعارف المعاصرة، إلا أنها تتضمّن مفاهيم ومصطلحات وأفكاراً ومواقف وقيماً وحتى معلومات، لا تشبه أو تتعارض مع ثقافتنا المحلية، مثل مفهوم العائلة، العلاقة مع الدين، المواطنية العالمية، الجندرة، إسرائيل وغيرها. اللافت ما تقوله لجهة أنه لا توجد رقابة على هذه المناهج أو الكتب والقصص الأجنبية، لا من المركز التربوي، أو من أي جهة أخرى. فالكتب الأجنبيّة تدخل لبنان فقط بموافقة الأمن العام، الذي لا يتعاطى بالمجال الأكاديمي.
وتشير عويجان إلى أن المناهج الأجنبية دخلت المدارس الخاصة بموجب مرسوم نظّم آليّة تطبيقها إداريّاً بعد موافقة وزارة التربية على استيفاء المدارس الشروط لذلك، من دون التطرّق إلى محتواها الأكاديمي. وقد سبق للمركز التربوي أن اقترح مشروع مرسوم يرمي إلى وضع منهج رديف للمناهج الأجنبية المطبّقة في لبنان، يتضمّن إضافة إلى اللغة العربية مواضيع تتعلّق بالانتماء والمواطنية المحلية، بثقافة وقيم المجتمع اللبناني، ولا سيما في الجغرافيا والتاريخ والتربية والاجتماع والاقتصاد والفلسفة، إلا أن المشروع لم يلق آذاناً صاغية. وأوضحت عويجان أن اقتراح المنهج الرديف للشهادات الأجنبية منفصل عن سياق إعداد الإطار العام للمناهج الوطنية.
كل هذه المؤشرات تدل على صفقة. لا نجد دولة في العالم تتخلى عن سيادتها على التعليم وتنشئتها لمواطنيها في مدارسها الرسمية أو الخاصة، فإذا كانت المقاربة التعليمية للبكالوريا الدولية متقدمة، وهي كذلك، إلا أن الدول لم تتخلَّ عن التنشئة الوطنية ومنظوماتها القيمية وتاريخها وثقافتها وقيمة شهادتها الوطنية لمصلحة العولمة المطلقة، التجربة المرتقبة تخالف القانون والدستور، ولا يجوز اعتماد منهج أجنبي وحتى تجربته من دون قانون أو مرسوم يحدد طبيعة هذه التجربة وتداعياتها ووضع منهاج رديف للمواد الاجتماعية والوطنية. تقول عويجان: «تكون المناهج الأجنبية غنى للمجتمع في حال وُضعت في إطارها السليم، وتصبح في عداد الغزو الاستعماري الثقافي والاقتصادي، في حال تُركت من دون حسيب أو رقيب. والسؤال المطروح، لماذا نعمل على تطوير أو تغيير مناهجنا التعليمية ما دمنا نشجّع على اعتماد المناهج الأجنبية؟».
كان يمكن للوزارة وضع سياسة تعليمية تحدد فيها موقفاً واضحاً بما لا يخالف القوانين والسيادة والثقافة الوطنية، فمجرد إصدار قانون ومرسوم لتحديد دقائق معادلة البكالوريا الدولية مشروطاً باجتياز امتحان مدرسي في التربية الوطنية وتاريخ لبنان فقط غير كاف، فهو يتجاوز سيادة الدولة على التعليم كما يتجاوز المنظومة القيمية والوطنية والثقافية والاجتماعية التي تقوم عليها السياسة التربوية.
الأسوأ مشاركة المركز التربوي، المسلوب الإرادة، في مخالفة القانون وصلاحيات هذه المؤسسة، وهو الذي نشر دراسة حول مطابقة البكالوريا الدولية مع منهج عام 1997 (المنهج الجديد المرتقب هو تطوير لمنهج 1997) أظهر الفروقات بينهما وتعارضه مع السياسة التربوية العامة للدولة.
عدا عن ذلك، ثمة علامات استفهام بشأن قبول الوزارة هذه التجربة من دون دراسة تربوية وتقييم الكلفة المالية المترتبة على اعتماد البكالوريا الدولية بما يزيد عن 500 دولار أميركي عن كل تلميذ سنوياً، إضافة إلى كلفة المواد الداعمة والقصص والكتب والمراجع.
أطفالنا مجدداً حقل تجارب لأهواء ومصالح أفراد من دون الرجوع إلى القوانين والمؤسسات المختصة، وأزمات متراكمة وعشوائية في القرارات يدفع ثمنها التعليم، فكل من يدعي المبادرة لإيجاد حلول ليساعد في استعادة التعليم يسهّل لنا السقوط في الهاوية، وهذا ما تثبته النتائج، فتبعية المؤسسات لأهواء السياسيين ومصالحهم كما التعيينات والخبراء بالواسطة تقودنا هي الأخرى إلى هاوية أعمق، وكأن تغييب الكفاءات في مواقع القرار متعمّد.