الأخبار ـ فؤاد بزي
أفرد البنك الدولي في تقريره الأخير حول الفقر في لبنان، فصلاً كاملاً للحديث عن «الفقر المتعدّد الأبعاد»، وذكر في مقدمته أنّه لو استخدمت معايير الأبعاد المتعددة في قياس الفقر، لوصلت نسبة الفقراء بين المقيمين في لبنان إلى 78.8% عام 2023 بدلاً من نسبة 44% المحدّدة وفقاً لخطّ الفقر المالي والمحدّد باستهلاك الفرد بقيمة 2.9 دولار يومياً. وإذا طبق هذا المعيار على اللبنانيين فقط فستنخفض نسبة الفقر إلى 73.1%، فيما يختبر المقيمون من غير اللبنانيين مثل السوريين والفلسطينيين والمهاجرين من جنسيات أخرى، درجات أعلى من الحرمان لدرجة أنّ حصتهم من الفقر المتعدد الأبعاد وصلت إلى 100%، أي إنّ كلّهم فقراء.
92% من السكان في محافظة عكار يعانون من الحرمان، أو الفقر المتعدد الأبعاد، فيما وصلت النسبة نفسها في البقاع إلى 82%، بينما لم تتخط نسبة الفقر المتعدد الأبعاد في بيروت 51%
إذاً لا يقاس الفقر فقط بالمدخول المالي للفرد أو للأسرة، بل «هناك مجموعة أبعاد غير مالية تستخدم لمعرفة مدى تعمّق الفقر في المجتمع»، بحسب ما جاء في تقرير البنك الدولي حول الفقر في لبنان. لذا، إنّ «مسطرة خط الفقر المستخدمة في تحديد نسبة الفقراء في لبنان غير دقيقة، ولا تعكس واقع الحال كما هو»، بحسب ما يُجمع عدد من الباحثين في العلوم الاجتماعية، بل «يجب الغوص أبعد في تحديد أوجه الحرمان، ولا سيّما أنّ المدخول المادي للفرد، ولو كان أعلى من خط الفقر المحدّد بـ2.9 دولار يومياً للفرد في لبنان، لا يعني امتلاكه القدرة على تحصيل كلّ الحاجات الأساسية أبعد من الغذاء والماء».
بالتالي، يحدّد مؤشر «الفقر المتعدد الأبعاد» حرمان الأسرة والفرد في 5 مجالات: التعليم، الصحة، الأمان المالي، الوصول إلى بنية تحتية جيدة من نقل وكهرباء ونظافة ومياه صالحة للشرب، وتأمين المعايير المعيشية الأساسية مثل التدفئة والمنزل غير المكتظ وحتى الهاتف والإنترنت. ولقياس الأبعاد، تمّ تثقيل مساهمة كلّ منها بعدد من العلامات، ليكون المجموع النهائي على 100، وكلما ارتفعت العلامات كلّما زادت مظاهر الفقر.
وبحسب معايير البنك الدولي، حصلت الصحة على المثقال الأعلى بـ 30.2 علامة، ومن بعدها العمل أو الأمان المالي بـ25.8 علامة، فالتعليم بـ25.3 علامة، و12.9 للمعايير المعيشية، وصولاً إلى تأمين البنية التحتية الأساسية بـ5.7 علامات. ثمّ قسّمت المجالات إلى 19 مؤشراً قابلاً للقياس. فعلى سبيل المثال، الصحة مؤلفة من مؤشرين: التأمين الصحي والقدرة على الوصول إلى العناية الصحية.
إذاً، كيف تحرّكت مؤشرات «الفقر المتعدد الأبعاد» في الفترة الممتدة من أعوام ما قبل الأزمة، أي بين عامَي 2018 و 2022، وهل يعطي ناتج هذه الأرقام مؤشراً واضحاً عن الفقر في لبنان؟
الصحة: الأكثر تدهوراً
هو أكثر المؤشرات تدهوراً بالمقارنة مع عام 2018، إذ تضاءلت التغطية الصحية مع انهيار العملة الوطنية، ما أدى إلى فقدان عدد من المؤسسات الضامنة لدورها، ولا سيّما الضمان الاجتماعي الذي يعتمد في تغطيته الصحية على إيرادات بالليرة. كما أنّ رفع الدعم عن الأدوية دفع الناس إلى إعراض عن شراء حاجاتها الأساسية منها، وما أدى لاحقاً إلى وصول المؤشر إلى أعلى نسبة يمكن الوصول إليها، وهي 30.2.
التعليم: تحسّن طفيف
بالمقارنة مع عام 2018، تحسّن مؤشر التعليم وسجل تراجعاً (علامة تحسن)، إذ بلغ 16.8 بعد أن كانت النسبة 25.3 عام 2018. ويعود هذا التقدّم إلى حصول عدد كبير من أفراد الأسرة الواحدة على شهادة التعليم الثانوي، فضلاً عن انخفاض طفيف في مؤشر التسرب المدرسي.
العمل: البطالة أسوأ
ارتفع هذا المؤشر وسجل 23 علامةً من أصل 25.8. وفي التفاصيل، بسبب الأزمة الاقتصادية ارتفعت البطالة بين أفراد الأسرة المنتمين إلى القوى العاملة، وزاد اعتماد العائلات على عمالة الأطفال، أو على فرد عامل واحد، كما أصبحت مداخيل الأسر غير مستقرة من شهر لآخر، فاعتمدت على تحويلات خارجية لتغطية حاجاتها الأساسية.
البنية التحتية: لا كهرباء
ارتفع هذا المؤشر 9 نقاط من عام 2018 وصولاً إلى عام 2022، وهذا الارتفاع الكبير يعود بشكل أساسي إلى غياب الكهرباء، والاعتماد على خدمة المولدات ذات البدل العالي في الأحياء لتأمين الطاقة، فضلاً عن ارتفاع بدلات النقل، وتدني نوعية مياه الشفة وتدهور شبكة الصرف الصحي، وإقفال عدد من مراكز تأمين الرعاية الصحية الأولية، ما جعل عدداً كبيراً من الأسر بعيداً من المستشفيات أو المستوصفات.
المعايير المعيشية: سيّئ
حافظ هذا المؤشر على مستوى واحد من عام 2018 حتى عام 2022، من جهة انخفض الاكتظاظ في المنازل عمّا كان عليه عام 2018، ولكن ارتفعت في المقابل نسبة الأشخاص الذين لا يمتلكون الأثاث المنزلي الأساسي مثل البراد والغاز، وفقد عدد من السكان القدرة على الوصول إلى التدفئة شتاءً، كما زادت نسبة الأفراد التي تعدّ نفسها فقيرة.