والاقتصادية ومديرة البرامج في المعهد بسمة عبد الخالق، حديثاً مع «مختبر أداء الحكومات»، التابع لكلية هارفرد وكينيدي، المتخصّص في تصميم وتنفيذ الحلول للمشاكل الاجتماعية في الدول حول قانون الشراء العام. في المقابلة، نسبت المبيّض فضل الدفع في اتجاه إقرار القانون، إليها وإلى فريقها وإلى الدول التي اجتمعت في باريس خلال مؤتمر «سيدر 1»، رغم أن القانون المُطبّق حالياً جاء ناقصاً وفيه ثغرات.يُلزم قانون الشراء العام إدارات القطاع العام بالعودة إلى هيئة الشراء العام لتحضير دفتر الشروط، لكنه يمنح كل إدارة استقلالية إجراء المناقصات أو المزايدات أو طلب عروض الأسعار والشراء عبر الفاتورة... وبحسب هذا القانون، فإن دور الهيئة، يُعنى بالرقابة الإشرافية لا التنفيذية، بعكس ما كانت تقوم به إدارة المناقصات التي حلّت هيئة الشراء العام محلّها، لجهة صلاحية التلزيم والموافقة على العرض والتلزيمات. الآن، دور الهيئة يقتصر على إعطاء ملاحظات غير ملزمة على دفاتر الشروط، والمشاركة في جلسات التلزيم، وإصدار التوصيات. ورغم قصور هذه الصلاحيات، إلا أنه لم تُعط الهيئة الأدوات والإمكانات الواسعة للمراقبة الفعّالة أيضاً. لذا، من اللافت تعامل المبيض مع القانون باعتباره «أداة قوية لمكافحة الفساد»، وباعتباره «اتساقاً مع أفضل الممارسات الدولية»، بل تستنتج المبيض بأن «الخصوم السياسيين قلّلوا من قوّة قانون الشراء العام في مكافحة الفساد»، ملمّحة إلى أن مصدر الفساد يكمن في القطاع العام، ما يحتّم على الموظفين العاملين والمؤثّرين الذين ضغطوا لإقرار القانون «النضال بنشاط من أجل إنفاذه».
رغم أن القانون الجديد فيه بيروقراطية أقلّ إلى جانب مستوى أعلى من الشفافية. إلا أن عقدة البحث عن الدور قد تدفع نحو هذا التبرير بدلاً من الإضاءة على الثغرات التي يجب تصحيحها. لذا، لا يعود واضحاً أهمية التركيز على أن قانون الشراء العام هو نتاج «شراكة المجتمع المدني الأساسية في هذا الجهد، وقدرتها في الحفاظ على الزخم وإطلاق ناقوس الخطر عند الحاجة». مثلاً، تقول مبيّض «إنّ منظمات مثل منظمة الشفافية الدولية في لبنان، والمؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، والتقرير الدولي عن الديمقراطية، والجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان، وكلنا إرادة، ساعدت في الحفاظ على زخم القانون، حتى إن مبادرة غربال أنشأت موقعاً إلكترونياً مخصّصاً لمراقبة التنفيذ». هذا النوع من الترويج، لا يتّسق مع الوقائع التي تواجه هيئة الشراء العام يومياً، إذ إنها تغرق في دراسة دفاتر الشروط بسبب العدد القليل من الموظفين المتوافر لديها، وليست لديها القدرة اللوجستية على متابعة كل الصفقات، وليست لديها القدرات المتخصّصة في كل المجالات، فضلاً عن أن آليات الرقابة لا تزال ترتبط ببنية الاقتصاد السياسي وتتّبع لهيمنتها.
هذا النوع من المشاكل كان موجوداً في القانون السابق الذي كان يغطّي المناقصات العمومية، إذ كانت الصفقات العمومية تخضع لقانون المحاسبة العامة الصادر في عام 1963، وبحسب بسمة عبد الخالق مديرة البرامج في معهد باسل فليحان، فإنه لم تكن هناك سلطة ملزمة لدى مجلس المناقصات المركزي الذي أشرف فقط على 5% من مشتريات الدولة، مشيرة إلى أن «القواعد والعمليات والإجراءات كانت قديمة، ومجزّأة، وغير فعّالة، وغير شفّافة، ما ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لاستغلال المال العام».
لم تكن هناك سلطة ملزمة لدى مجلس المناقصات المركزي الذي أشرف فقط على 5% من مشتريات الدولة
إذاً، هل يكفي أن يتم توسيع الرقابة على مشتريات الدولة؟ وهل من المجدي تحويلها من رقابة تنفيذية إلى رقابة إشرافية؟ رغم هذه الشكوك، إلا أن عبد الخلق تركّز على المشتريات بوصفها الباب الأول للفساد في القطاع العام. كذلك، تقول المبيض إن «إقرار النص (قانون الشراء العام) كان تحدّياً لعدم الشفافية وغياب التنافسية»، وأعطت مثالاً على نجاعة القانون «محاولة وزارة الأشغال العامة والنقل منح عقد بقيمة 122 مليون دولار لشركة خاصة لبناء وتشغيل محطة مطار جديدة (الترمينال 2) من دون مناقصة عامة تنافسية»، ورأت في خطوة الأشغال يومها «انتهاكاً مباشراً لقانون الشراء العام». وأعادت مبيّض تراجع الأشغال العامة عن قرارها إلى «مسارعة المجتمع المدني ووسائل الإعلام على الفور للطعن في القرار، وفي غضون أسبوع، تراجعت الوزارة عن مسارها بشأن المشروع». هذا المثال تحديداً، وبمعزل عن مدى قانونية المسار الذي كان الوزير حمية يحاول سلوكه، إلا أن المشكلة لم تكن في انتهاك قانون الشراء العام، بل في كون مشروع «الترمينال 2» كان يرمي إلى تقليص هيمنة شركة «ميدل إيست» على مطار بيروت الدولي. ومثله مثل عدد واسع من المشاريع التي يشتبه في أنها انتهكت قانون الشراء العام، أُسقط بسبب الضجّة الإعلامية وليس بسبب انتهاك القانون. قانون الشراء العام بصيغته الحالية، حوّل المشتريات العامة إلى معارك إعلامية، بينما الواقع هو أن صلاحية فرض دفاتر الشروط ومعايير التلزيم هي أساس المشتريات، وهي صلاحية لا يفرضها القانون ولا تتمتع بها هيئة الشراء العام.