الأخبار ـ راجانا حمية
لا تكاد سيرة جبل النفايات في صيدا تخبو حتى تعود إلى الواجهة، وهذه المرة من باب «تقاعد» معمل معالجة النفايات المنزلية (IBC) مرة جديدة عن القيام بمهمته الأساسية بفرز النفايات، مكتفياً بتحويلها إلى ... الجبل، رغم إعطاء إدارة المعمل مهلة ستة أشهر (انتهت آخر حزيران الماضي) لإصلاح الأعطال في المعمل وصيانة آلياته.
غير أن الإدارة لم تلتزم بما تعهدت به، متذرعة بالأزمة الاقتصادية «التي أدت إلى تهالك المعمل». ولذلك، تعمل الشركة على تجميع النفايات بلا معالجة، فيما تسري أخبار في المدينة عن نية الشركة «الاستفادة من نحو 10 دونمات تابعة للبلدية لتجميع النفايات فيها أو التوقف عن استقبال النفايات».وفيما نفت مصادر في البلدية صحة هذه الأخبار، إلا أن الأزمة بدأت تأخذ مساراً تصاعدياً منذ نحو عامين، حين أبلغت إدارة الشركة المشغّلة للمعمل البلدية بأنها لم تعد قادرة على الاستمرار في الوضع الحالي، إذ إن كلفة الطن المعالج الذي كان قبل الأزمة 95 دولاراً تقبضه IBC من الدولة، بعد انهيار سعر صرف الليرة، 10 دولارات لا تكفي لسدّ بدلات العمال والموظفين، أضف إلى ذلك «تعطّل الكثير من الآليات والمعدات داخل المعمل والتي لم يكن ممكناً إصلاحها لأن كلفتها فريش دولار وهو ما لم يكن متاحاً للشركة، ما أدّى إلى توقف العمل بمعظم الآليات». وكان هذا، بالنسبة إلى الشركة، سبباً أكثر من كافٍ من البلدية «وقف العمل بالمعمل مدة 6 أشهر للقيام بما يلزم»، بحسب محامي البلدية حسن شمس الدين، إلا أن الردّ جاء بالرفض، وخصوصاً أن الخيارات ضيقة، وفق شمس الدين، فـ«إما إبقاء المعمل شغالاً ولو على قاعدة ضبّ النفايات أو بقاؤها في الشوارع».
وقد وصلت الأمور نهاية العام الماضي إلى طريق مسدود مع تراكم النفايات غير المعالجة وانبعاث الروائح منها، فتشكّلت لجنة سمّيت باللجنة التشاركية، وتضمّ أعضاء من المجتمع المدني والبلدية وإدارة الشركة ووضع برنامج يتضمّن جملة التزامات يفترض بالشركة تنفيذها، ومنها ضمان معالجة كمية النفايات التي تدخل يومياً من صيدا والجوار وبلدات الاتحاد إلى المعمل، وحدّدت المهلة الزمنية بستة أشهر انتهت أواخر حزيران الماضي. وسبق هذا الاتفاق صدور القرار الرقم 13 الذي يضمن تسديد ما نسبته 60% إلى 65% من قيمة الفاتورة الفعلية بالفريش دولار إلى المعامل. ولذلك، تشدّدت البلدية بلائحة التزاماتها، بحسب شمس الدين، إذ ألزمت الشركة بالتعهّد بأن «تذهب كل مقبوضاتهم في الفترة الأولى لتأهيل المعمل وصيانته لإعادته إلى ما كان عليه».
وخلال الفترة الممتدة على ستة أشهر، كانت تجرى تقييمات شهرية للوضع، غير أن هذه التقييمات لم تغيّر في النتيجة التي آلت إليها لائحة الالتزامات. فقد أظهر الكشف الذي قامت به اللجنة التشاركية أن لا إصلاحات ولا معالجة جرت خلال فترة السماح التي أعطيت للشركة، حيث «كان الاكتفاء بالفرز فقط خلال هذه الفترة»، يقول شمس الدين. وبناءً عليه، عُقد اجتماع أخيراً، وضع مخططاً للفترة المقبلة «وطلبنا ضمانة لأمرين أساسيين، أوّلهما التأكد من معالجة الكمية التي تدخل إلى المعمل وتتراوح اليوم بين 160 و190 طناً، وثانيهما التأكد من معالجة التراكمات السابقة». وقد جدّد الجدول الزمني بثلاثة أشهر أخرى. ويبدو أن التعويل هذه المرة على «الصفقة» التي حصلت أخيراً، والتي جرى بموجبها شراء معمل غوسطا المتوقف عن العمل بثلاثة ملايين دولار للاستفادة ممّا هو متوفر من آليات لإجراء الصيانة.
لكن، هل يعني التمديد لثلاثة أشهر إضافية أن أزمة الجبل ستحلّ؟ سؤال يطرحه المعارضون للّيونة التي تتعامل بها البلدية مع الشركة، انطلاقاً من أن «ما لم يحلّ في سنوات طويلة لن يحلّ في هذه الفترة التي ستكون مضيعة للوقت». والسؤال هنا: لماذا انتظرت البلدية 6 أشهر كاملة قبل أن تصل إلى تلك النتيجة، رغم أنها كانت تجري تقييمات شهرية للعمل؟
المشكلة، بحسب المعارضين والممتعضين من تساهل البلدية، لا تكمن بعدم التزام الشركة المشغّلة للمعمل بلائحة الالتزامات، وإنما في النهج السائد منذ نشأة هذا «الكيان»، ولا سيما في فترة الأزمة، حيث «كان هؤلاء يقبضون من الخزينة، فيما النفايات التي تدخل إلى المعمل لا يخرج منها طن واحد معالج». أضف إلى ذلك أن معظم النفايات باتت مطمورة واختلط الجديد منها بالقديم. وثمة خوف من أن يكون مصيرها إلى البحر!
وثمة من يعيد هذا الإهمال إلى قبل 7 إلى 8 سنوات «تقاضت خلالها الشركة مبالغ ضخمة من الخزينة ويجب أن تُسأل عنها»، وعن «200 طن من نفايات مدينة بيروت للمعالجة تقاضت عنها 95 دولاراً عن كل طن، أين ضاعت أموالها؟ وأطنان أخرى كانت تشتريها من بلدات خارج نطاق الاتحاد». ولا يحمّل هؤلاء المسؤولية للشركة فقط، وإنما لبلدية صيدا واتحاد بلديات صيدا - الزهراني ولجان الاستلام في الاتحاد «فلماذا السكوت عنه؟ وأين ديوان المحاسبة؟».
كلها أسئلة لا يجد المعارضون وأبناء المدينة جواباً عنها، علماً أن في إمكان البلدية تسلّم الملف وقد أجريت دراسة بيّنت أن بإمكانها التوفير كثيراً، غير أن لا قرار سياسياً بتغيير هذا الواقع