باشرت المنظمات الدولية العاملة في لبنان، ولا سيما تلك التي تتبع لمنظمة «USAID» الأميركية، حملة تهويل من خلال تصنيف لبنان على مؤشّر «المجاعة». فقد حذّرت «شبكة الإنذار المبكر من المجاعات» من حصول مجاعة في لبنان نتيجةً لتضرر القطاع الزراعي جرّاء الاعتداءات الصهيونية، أو بحسب تعبير الشبكة «المواجهات بين جيش الدفاع الإسرائيلي وحزب الله»، وصنّفت لبنان على «مؤشر المجاعات»، إذ وصلت درجة التحذير من المجاعة إلى الثانية، أو «الحرج»، بحسب تصنيفاتها، في المناطق الجنوبية، والدرجة الثالثة، أي «الأزمة» في الشمال والبقاع، علماً أنّ المؤشر مكوّن من 5 درجات، وتشير الدرجة الخامسة منه إلى وجود مجاعة حقيقية. كما ورد تقرير بنفس التحذيرات عن منظمة «العمل ضد الجوع».«شبكة الإنذار المبكر من المجاعات» التي تتبع لمنظمة «USAID» الأميركية اتخذت من المبالغة في الخسائر التي تعرّض لها القطاع الزراعي باباً للتهويل من تدهور الوضع الغذائي في لبنان. فالحملة التي تسوّقها، تستند إلى التدنّي في أرقام الإنتاج الزراعي، مشيرة إلى أن الأضرار الزراعية أتت بعد أزمة اقتصادية مستمرّة منذ 5 سنوات. لكنها في الوقت نفسه، تشير إلى أن لبنان مدمن على الاستيراد لتغطية الحاجات الغذائية بنسبة 80%. والواقع، أن القيمة المضافة التي ينتجها القطاع بكامله في الاقتصاد الوطني كانت متدنية جداً قبل الأزمة، إذ بلغت في عام 2018 نحو 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي، ثم انخفضت في عام 2023 إلى 1.1% من الناتج، وفق أرقام البنك الدولي. وتكمن المفارقة في أنّ غالبية المناطق الزراعية في محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية تشكل 20% فقط من المساحات الزراعية في لبنان، بحسب المسح الزراعي لوزارة الزراعة. و«المناطق المتضررة زراعياً هي شريط ضيّق من القرى لا يوجد فيها سهول أو مساحات زراعية كبيرة يُعتمد عليها على مستوى لبنان»، وفق مصادر «الأخبار» في المصالح الزراعية في وزارة الزراعة في الجنوب، ما يطرح أسئلة جديّة حول النتيجة التي وصلت إليها المنظمة. فمن ناحية إنتاج القمح، تنتج محافظتا لبنان الجنوبي والنبطية معاً حوالي 11% فقط من القمح في لبنان، وفقاً لأرقام المسح الزراعي، علماً أنّ لبنان ينتج نحو 140 ألف طن من القمح، 111 ألفاً من الصنف القاسي المعدّ للصناعات الغذائية مثل البرغل والمعكرونة، و39 ألفاً من الصنف الطري القابل لتحويله إلى طحين أبيض.
منظمة «العمل ضد الجوع» استندت إلى تقارير وزارة الزراعة
وسجّل تقرير الشبكة نتائج متناقضة، إذ إنه في مقابل التحذير من المجاعة، توقّعت الشبكة انخفاضاً بنسبة 10% فقط للإنتاج المحلي من القمح مقارنةً مع ما كان عليه عام 2023. وورد في التقرير أنّ لبنان يستهلك سنوياً 550 ألف طن من القمح، يُنتج منها محلياً نحو 138 ألفاً فقط، والباقي مستورد. رغم ذلك، أشارت الشبكة إلى أنه في عام 2024، يُقدّر ألا يتجاوز إنتاج القمح 125 ألف طن بسبب الحرب التي طاولت مناطق حاصبيا ومرجعيون والنبطية. وبحسب زعم التقرير، هذه المناطق تؤمّن 30% من الاستهلاك المحلي من القمح، لأنّ 40% من الأراضي الزراعية في مرجعيون مخصّصة لزراعة القمح. لكنّ المسح الزراعي الخاص بوزارة الزراعة، يشير إلى أنّ محافظة النبطية التي يتبع لها قضاء مرجعيون تنتج 7.5% من مجمل القمح في لبنان.
أما منظمة «العمل ضد الجوع» فقد توصلت إلى التحذيرات نفسها، من دون أن تقدّم أي دلائل، بل استندت إلى تقارير رسمية لبنانية صادرة عن وزارة الزراعة تفيد بأن «القصف المعادي أدّى إلى قتل 340 ألف حيوان من طيور ورؤوس ماشية، آخرها في السابع من تموز الماضي حين قتلت غارة للعدو 700 رأس ماعز في جبل طورا». كما تسبّب القصف الصهيوني بـ«إحراق نحو مليوني متر مربع من الأراضي المزروعة، وتراجع حصاد محصول فاكهة الأفوكادو بسبب القصف على البساتين». ويؤمّن تصدير هذا المحصول من الفاكهة الاستوائية «مدخولاً جيداً من الدولارات للمزارعين، فضلاً عن تسبب القصف بالضرر لـ13 مضخّة وبئر تؤمّن المياه لـ200 ألف شخص». ولاكتمال الصورة، نقلت المنظمة عن وزارة الزراعة تقاريرها عن تدمير 47 ألف شجرة زيتون.
الواقع، بحسب مهندسين زراعيين في الجنوب، أنّ الرقم الأخير «غير دقيق، ومبالغ فيه»، فالتقرير يتكلم عن تدمير 52 هكتاراً من الزيتون، ووفق المهندسين الزراعيين، كل هكتار يُزرع بـ300 شجرة زيتون كحدّ أقصى، ما يعني أنّ مجمل ما دُمّر لا يصل إلى 16 ألف شجرة.
المزارعون هم الأكثر تضرراً
لعلّ أكثر ما في تقرير منظمة «العمل ضد الجوع» قرباً من الواقع هو توصيفه لوضع المزارعين، إذ أشارت المنظمة إلى «إعراض المزارعين عن الذهاب إلى أراضيهم نتيجةً لخوفهم من التعرّض للقصف عند نقل المعدات الزراعية من منطقة إلى أخرى». وحول أوضاعهم الاقتصادية، رأت المنظمة في أنّ محاولاتهم للتأقلم مع المتغيّرات باءت بالفشل نتيجةً لبقاء سعر مبيع المنتج الزراعي على باب المزرعة أقل بكثير من سعر السوق. وما يزيد من أعباء الإنتاج على المزارعين هو اضطرارهم لتأمين الدولارات نتيجةً لعدم إقفال دائرة الإنتاج، إذ يعتمدون على الاستيراد لتأمين البذور والأسمدة، والوقود، والأدوية الزراعية.