مهدي سعادي
بعد 66 عامًا على أول ظهور لفيروس "جدري القردة" عاد الفيروس للانتشار مجددًا، وسط تخوفٍ من تحوّله إلى جائحةٍ عالميةٍ جديدة، تهدّد الأمن الصحي العالمي. وفي إطار الاستعداد للمواجهة والحد من الانتشار، سارعت منظمة الصحة العالمية لإعلان حالة طوارئ صحية عامة على الصعيد العالمي، عقب تفشي الفيروس في جمهورية الكونغو الديمقراطية ووصوله إلى دول مجاورة.
هذا الفيروس الذي اكتشف لأول مرة عام 1958 نتيجة تفشيه بين مجموعة من القرود المخصصة للخضوع للأبحاث الطبية والعلمية، تم تشخيص أول إصابة به بين البشر عام 1970 في جمهورية الكونغو وكانت لطفل يبلع من العمر 7 سنوات. وينتشر الفيروس بشكل أساسي في دول وسط وغرب إفريقيا، فيما تم تسجيل الإصابة به خارج إفريقيا 3 مرات حتّى العام 2022 وذلك في الولايات المتحدة الأميركية (2003)، والمملكة المتحدة (2018)، وفي ولايتي تكساس وماريلاند الأميركيتين (2021).
وفي المجمل، تم تسجيل 38465 إصابة بهذا المرض في 16 دولة افريقية منذ كانون الثاني/يناير 2022، و1456 وفاة مع زيادة بنسبة 160% في عدد الحالات عام 2024 مقارنة بالعام السابق وفقًا للبيانات الصادرة الأسبوع الماضي عن وكالة الصحة التابعة للاتحاد الافريقي.
في لبنان، حذّر العديد من الأطباء من هذا الفيروس، خاصةً أنّ هناك جالية لبنانية كبيرة في إفريقيا ويزور أفرادها لبنان خاصة في موسم الاصطياف، مما قد يسهم في نقل العدوى بشكلٍ أو بآخر.
وفي هذا السياق، قال رئيس التجمع الطبي الاجتماعي اللبناني، والأمين العام للرابطة الطبية الأوروبية الشرق أوسطية الدولية البروفسور رائف رضا لموقع العهد الإخباري إنّ "فيروس جدري القرود (Monkeypox) هو مرض فيروسي ينتقل من الحيوان للإنسان أو من الإنسان للإنسان من خلال الاتّصال الجسدي خاصة من العلاقات الجنسية غير المحمية، كما يمكن أنّ ينتقل من خلال الحشرات والفئران والقوارض، وذلك عبر الدَّم أو السوائل التي يفرزها الجسم كالعرق والمخاط ورذاذ السعال والتنفس، أو من خلال ملامسة هذه الحيوانات وتناولها كطعام من دون تعقيم وطهو"، وأضاف: "الدراسات أثبتت أنّ أكثر الحالات وجدت عند الشاذين جنسيًّا وفي بلدان ما يُسمّى "السياحة الجنسية" (95% من الحالات)، واكتشفت الحالات في مراجعات العيادات الجنسية، التي كانت السبب باكتشاف هذا الفيروس في العام 2022 بعد انقراضه عام 1980".
وأردف: "مصدر الفيروس الأساسي كان جمهورية الكونغو الديمقراطية، وبعدها انتشر في عدة دول إفريقية منها مصر، والمغرب، والسودان، ونيجيريا، وليبيريا، كما انتقل إلى دول أوروبا وأميركا من تجارة الحيوانات"، ولفت إلى أنّ "فترة حضانته تكون من 5 أيام إلى 21 يومًا، وقد تتعداها لتصل إلى 4 أسابيع".
عوارض الفيروس
حول عوارض الفيروس، قال رضا: "هي الحرارة العالية، والطفح الجلدي على شكل بثور أو دمامل vesicles، والحمى، والأوجاع في العضلات، والانتفاخ في الغدد اللمفاوية، والصداع والتعب الشديدان، إضافة إلى أنّه يترك آثارًا في أماكن ظهور الطفح الجلدي، وقد يسبب مشاكل مزمنة بحال أصيبت به العين أو الأعضاء التناسلية التي قد تؤدي إصابتها بالفيروس إلى ضعف في الخصوبة، فيما نسب الوفاة نتيجة الإصابة به بلغت 3% من إجمالي عدد المصابين"، موضحًا أنّ "عملية تشخصيه تتم من خلال فحوص مخبرية (PCR) عبر أخذ عينات من هذه البثور الجلدية".
هل تم تسجيل حالات إصابة بالفيروس في لبنان؟
الدكتور رضا لفت إلى أنّه "لحد الآن لم تُسجّل حالات جديدة في لبنان، ولكن من سنة ونصف أعلنت وزارة الصحة اللبنانية عن عدة حالات تم احتواؤها ومعالجتها"، مشيرًا إلى أنّ "لبنان يشهد حركة وفود مسافرين بشكل دوري، ومنهم كثيرون يأتون من دول ينتشر فيها حاليًّا الفيروس، وقد لا تكون عوارضه ظاهرة عليهم بشكل واضح لأنّهم قد يكونون في فترة الحضانة الأولية، إضافةً إلى أنّ بعض المصابين بهذا الفيروس لن يصرّحوا عن إصابتهم بالمرض كي لا يُفتضح أمرهم".
ودعا رضا الدولة اللبنانية إلى "تعزيز الإجراءات الوقائية من خلال الرصد المبكر داخل حرم المطار، إضافةً إلى ضرورة وجود ممثلين من الدائرة الصحية لمتابعة الوافدين وتفقّد الحالات المشكوك في أمرها"، لافتًا إلى أنّ "إعلان منظمة الصحة العالمية لم يأتِ من فراغ، بل هناك ارتفاع في عدد الحالات التي أصيبت بالفيروس".
كيف نتصرف عند الإصابة؟
- وضع ضمادات معقمة ومرطبة بالمياه على أماكن الطفح الجلدي لتجنب الحكاك الذي يمكن أن يساهم بمزيد من نزف القيح.
- عزل الشخص المصاب.
- غسل اليدين بشكل مستمر والمحافظة على النظافة الشخصية.
- وضع الكمامة لدى مخالطة الناس.
- عدم تناول الطعام إلا بعد طهوه بشكل جيد.
- أخذ اللقاح المتوفر (الجدري حاليًا).
هل يوجد لقاح للفيروس؟
بالنسبة للعلاج في حال الإصابة بالفيروس، أوضح رضا أنّه "لا لقاح للفيروس لحد الآن، ولكن اللقاح الذي يستخدم هو لقاح مرض الجدري الذي تم استخدامه في العام 1980"، وتساءل عن "مدى توفر هذا اللقاح لدى مخازن منظمة الصحية العالمية، ووزارة الصحة اللبنانية، وعن مدى إمكانية أن يكفي هذا المخزون عند تكاثر الحالات المصابة"، محذرًا من تكرار السيناريو الذي شهده العالم إبان جائحة كورونا وكيف استغلت شركات الأدوية وتصنيع اللقاحات الجائحة لمآرب وأهداف تجارية بحتة.