نقلا عن الجزيرة نت - عبد العزيز أبو بكر - جوهانسبيرغ
بدأ فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بالتأثير في العشوائيات ذات الغالبية السوداء في جنوب أفريقيا بشكل أقسى من المناطق التي كانت في السابق مناطق حصرية للبيض، وذلك بحسب بيانات جديدة تسلط الضوء على التأثير الدائم لسياسات الإسكان في أثناء نظام الفصل العنصري في الوقت الحالي.
بعد أكثر من 27 عاما على انتهاء حكم الأقلية البيضاء، لا تزال جنوب أفريقيا واحدة من أكثر الدول غير المتكافئة في العالم بحسب تصريح للبنك الدولي، بحيث تنقسم المناطق الحضرية في الوقت الحالي بشكل صارخ بناء على أسس عرقية.
يأتي ذلك بينما أظهرت برامج حكومية أن البلدات الواقعة في مقاطعة كيب الغربية، وهي النقاط الأكثر سخونة حاليا لفيروس كورونا في جنوب أفريقيا، تعاني من معدلات إصابة عالية بشكل خاص.
أرقام ودلالات
وتبيّن الأرقام الحكومية أن حوالي 12% من جميع حالات العدوى في كيب الغربية تقع في "كايليتشا"، وهي أكبر عشوائية في كيب تاون، رغم أنها تضم فقط 6% من سكان المقاطعة.
على النقيض من ذلك، فإن ستالينبوش، المعروفة بأرض النبيذ وبالبلدة الجامعية، لديها 1% فقط من حالات مقاطعة كيب الغربية، مع أنها تشكل حوالي 4% من سكانها، وتشمل النقاط الساخنة الأخرى بلدة "ميتشلزبلين" التي تعاني من 9% من الإصابات.
وأوضح الباحث في مؤسسة الإسكان وحقوق الإنسان بمعهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية في جوهانسبيرغ، إدوارد مولوبي، في حديثه للجزيرة أن سبب تحول العشوائيات إلى بؤر للفيروس يرجع إلى عدم تفكيك جنوب أفريقيا لنظام الفصل العنصري.
وشهدت الأيام الأخيرة في جنوب أفريقيا مظاهرات للسود احتجاجا على وحشية الشرطة في العشوائيات السكنية، وذلك على إثر احتجاجات حملة "حياة السود مهمة" في الولايات المتحدة.
وقال المدافعون عن حقوق الإنسان إن السلطات نشرت قوات الأمن لفرض عمليات الإغلاق بشكل رئيسي في المناطق السوداء الفقيرة مثل العشوائيات العالية الكثافة السكانية، حيث جعلت أعداد السكان المرتفعة من تطبيق أمر الحجر الصحي بشكل صحيح أمرا مستحيلا.
انتفاء المساواة
وأوضحت المحامية العامة في مجال الإسكان والإخلاءات الجبرية في معهد الحقوق الاجتماعية والاقتصادية بجنوب أفريقيا كوسيلوا ديانتيي، أن جنوب أفريقيا كانت تعاني من عدم مساواة بشكل سيء سابقًا في عدة محافظات، خصوصًا في نظام التملك والإسكان، إلا أن ظهور الفيروس وإغلاق الدولة أظهر مساوئ وحشية قريبة من أيام نظام الفصل العنصري.
وأشارت ديانتيي في حديثها مع الجزيرة نت، إلى أن عدم المساواة "بشكل وحشي" كان أكبر في مدينتي كيب تاون ودوربان خلال الحظر، حيث وصلتهم عدة قضايا ضد البلديات لإخلائها السكان خلال فتره الحظر، مضيفة أنهم لم يستطيعوا تقديم أيه مساعدة حتى الآن لهم.
وقالت ديانتيي إن الفيروس كشف عن تغير بسيط فقط في مدن جنوب أفريقيا منذ انتهاء الفصل العنصري، موضحة أنه خلال فترة الفصل العنصري كان على السود أن يعيشوا في أماكن مزدحمة وغير صحية دون المستوى المعيشي الجيد بعيدا عن الفرص الاقتصادية، وهو ما يعيشونه الآن في فترة ما بعد نظام الفصل العنصري، لكن بطريقة ديمقراطية.
من جانبه، كشف المفوض من لجنة حقوق الإنسان في جنوب أفريقيا، وهي منظمة مستقلة، كريس نيسن، عما أسماه "عدم المساواة الوحشي في جنوب إفريقيا".
وفي حديثه مع الجزيرة ذكر نيسن أن "الناس تقول إن جميع الأرواح يجب أن تكون مهمة، ولكن ماذا عن الناس في العشوائيات؟ أليس حياتهم مهمة أيضا".
وكانت بلدية مدينة كيب تاون قد دخلت في شراكة مع وزارة المياه والصرف الصحي لتوزيع 41 مليون لتر من المياه في العشوائيات "غير الرسمية" للمساعدة في النظافة وغسل اليدين للحد من انتشار الفيروس.
خدمة الضعفاء
واعتبر عضو لجنة المياه والنفايات في المدينة، ألدرمان ليمبرغ، في بيان صحفي لوسائل الإعلام أنهم في اللجنة لا يزالون ملتزمين ببذل كل ما في وسعهم لإيجاد حلول للتحديات فيما أسماه "خدمة سكاننا الضعفاء".
وكما هو الحال في العديد من المجتمعات الفقيرة في جنوب أفريقيا، وفي الواقع عبر القارة، غالبا ما تعيش العائلات في العشوائيات في غرف مفردة ضيقة وتشترك في مراحيض خارجية مع عشرات من الجيران، في حين لا يوجد جدل حقيقي حول ما إذا كان من المحتمل أن تتعامل الدولة مع فيروس كورونا.
ومما يضاعف من هذه المخاوف عدم اليقين بشأن تأثير الفيروس الجديد على الأشخاص المصابين بالفعل بفيروس نقص المناعة المكتسبة، لا سيما 2.5 مليون شخص في جنوب أفريقيا المصابين والذين لا يتناولون الأدوية المضادة.
وقال البروفيسور سليم عبد الكريم، الذي يرأس مركز أبحاث الإيدز الرائد في مدينة دوربان الساحلية إنه "من المرجح أن نرى في هؤلاء الأفراد إصابات أكثر شدة".
ويشارك في هذا القلق العديد من خبراء الصحة في جنوب أفريقيا الذين يصف بعضهم بشكل خاص القارة بأنها "صندوق صغير".
وبحسب آخر الإحصاءات الرسمية، فإن أرقام المصابين بفيروس كورونا في جنوب أفريقيا تجاوزت ١٠٠ ألف حالة، بينما قاربت أعداد الوفيات ألفي وفاة.