(جريدة القبس الكويتية)
لم تنته الموجة الأولى من فيروس كورونا المستجد بعد، ولا تزال بعض البلدان تتعامل مع التفشي الكبير للوباء، ولكن حتى أولئك الذين يسيطرون حاليا على الفيروس يخشون «موجة ثانية»، استناداً إلى حدث تاريخي، حيث كانت الموجة الثانية من الإنفلونزا الأسبانية قبل قرن أكثر فتكاً من المرحلة الأولى. لكن بالنسبة لفيروس كورونا المستجد فإن الأمر قد يبدو مختلفاً مع تزايد التساؤلات حول حتمية الموجة الثانية وإلى أي مدى قد تكون سيئة؟
عدد مصابي فيروس كورونا تجاوز عالمياً أمس الـ9 ملايين و139 ألفاً، توفي منهم ما يزيد على 472 ألفاً، وتعافى أكثر من 4 ملايين 900 ألفا، في وقت أقرت كوريا الجنوبية، بأنها تواجه منذ منتصف مايو «موجة ثانية» من انتشار الوباء مع تسجيل 35 إلى 50 حالة جديدة يوميا، وخصوصا في سيئول وضواحيها، وأحصيت أمس 46 حالة جديدة، بينها 30 لأشخاص قدموا من الخارج.
وحتى الآن لا يوجد تعريف رسمي للموجة الثانية، وتنقل شبكة «بي بي سي» عن الدكتور مايك تيلديسلي، من جامعة وارويك، قوله: «إن الأمر ليس علميا بشكل خاص، فكيفية تعريف الموجة يتم بشكل اعتباطي».
وبات العديد من العلماء يتفقون على أن وصف ما يحدث بـ«الموجة الثانية» مصطلح خاطئ. ويصف البعض أي ارتفاع بالاصابات باعتباره موجة ثانية، لكنها غالباً ما تكون موجة أولى صعبة، إذ إن الوباء حتى الآن خارج السيطرة والحالات لا تتراجع بشكل كبير. ولبدء موجة ثانية، ستحتاج إلى ارتفاع مستمر في العدوى. وفي حال حدثت فإن درجة سوء الموجة الثانية لو حصلت ستعتمد على سلوك البشر مع ممارسة التباعد الاجتماعي.
وبالنسبة للدكتور أرنولد مونتو، خبير الإنفلونزا بجامعة متشيغان، أن مواسم الإنفلونزا تتميز أحيانا بموجة ثانية من العدوى، وتأتي على شكل سلالات مختلفة، وهذا لا ينطبق على كورونا.
مواجهة أفضل ويمكن القول بعد نحو 6 أشهر على انتشار الوباء إن مواجهة العالم لهذه الجائحة أفضل كثيراً مما كان عليه البشر قبل 100 عام، حيث كان فيروس الإنفلونزا يقتل الملايين دون أن يستطيع أحد إيقافه.
وترى مجموعة من علماء الأوبئة وعلماء الاجتماع والتاريخ والجغرافيا، في مقال على موقع «ذا كونفرزيشن»، ان هناك 5 أسباب حالت دون تحوّل كورونا إلى كارثة بحجم الإنفلونزا الأسبانية وتتلخص كالتالي:
1 - مواجهة أفضل بفضل تطور وسائل الاتصال
مقارنة بعام 1918، حيث كان الناس يستقون اخبارهم من الصحف التي تصلهم او تواتراً على الألسن، مع ما تحمله من إشاعات واخطاء. كما إنه لم تكن هناك أي خطط مُوحدة للتصدي للوباء. في المُقابل، تمكن العالم في الوقت الحاضر من تتبع هذه الجائحة وتحديد من هم الأكثر تعرضاً لخطر التداعيات السلبية للجائحة.
2 - سياسات تباعد اجتماعي أفضل
أحد أسباب تفشي جائحة الإنفلونزا الأسبانية عام 1918 رجع إلى الزحام الشديد وفرص اختلاط الناس الكبيرة، لكن حالياً، وبفضل وضع بروتوكولات للتصدي للجائحة، تمكنت دول مثل ألمانيا وسنغافورة وكوريا الشمالية من اتخاذ تدابير سريعة لمنع انتقال العدوى عبر فرض حظر كُلي وقواعد للحظر المنزلي وتعليمات فيما يتعلق بالتباعد الاجتماعي.
3 - التغذية أمر مهم أيضاً
في عام 1918، لاحظت الجهات الاستعمارية للهند أن الفقراء، والذين يُعانون من سوء التغذية، كانوا أكثر عُرضة للموت جراء الإنفلونزا من الأيسر حالاً، لكن الآن يُمكننا أن نقول إجمالاً إن الناس في مُختلف أنحاء العالم صاروا يحصلون على تغذية أفضل.
4 - ديموغرافية المرض
خلال جائحة عام 1918، كانت النساء الحوامل على وجه الخصوص عُرضة لتداعيات الجائحة. بيد أن الأمر مُختلف مع فيروس كوفيد-19. رغم أن الأمهات الحوامل معرضات لمخاطر كبيرة بفعل تفشي الأمراض المُعدية ويجب عليهن اتخاذ المزيد من الإجراءات الوقائية، فإن ليس هناك دليلاً يُذكر على أن الإصابة بالفيروس أثرت على عملية الولادة أو عملية نمو الجنين أو على الرُّضع أو الأطفال الصغار بنفس الطريقة التي أثرت بها جائحة الإنفلونزا عليهم. فضلاً عن أن كوفيد-19 أقل فتكاً بالشباب.
5 - العلوم الطبية صارت أفضل
أصبحت التقنيات الطبية المُعاصرة أكثر تطوراً عما كانت عليه في القرن الماضي. أثناء جائحة عام 1918، تناقش الباحثون حول ما إن كان المرض فيروسيّاً أو بكتيرياً. لم يكن الأطباء قد عرفوا بعد وجود فيروسات الإنفلونزا. ومن دون الفحوصات والأمصال، كانت قدرتهم على منع تفشي الجائحة أو احتوائها محدودة. لكن مخترعات اليوم تُمكننا من اكتشاف حالات التفشي على وجه السرعة، وتطعيم أعداد غفيرة من الناس ومُعالجة المصابين بأمراض خطيرة على نحو أفضل.
بلازما الرجال
إلى ذلك، تطلب هيئة الصحة العامة البريطانية من الرجال، الذين تعافوا من مرض كوفيد-19، التبرع بالبلازما، لاستخدامها في علاج المرضى بتجارب العلاجات، لأن مستويات الأجسام المضادة التي تقاتل الفيروس أعلى في دمائهم منها لدى النساء.
صحيفة الغارديان البريطانية قالت امس إن العلماء يُجرون على مستوى العالم تجارب على بلازما النقاهة باعتبارها علاجاً محتملاً للمرض، إذ إنها تحتوي أجساماً مضادة.
الهيئة البريطانية الصحية قالت إنها وجدت أن مستويات الأجسام المضادة في بلازما المتبرعين الذكور أكبر منها في بلازما المتبرعات الإناث - بنسبة %43 إلى %29 - لأن شدة المرض تكون عادة أعلى لدى الرجال.
في هذا الصدد، قال البروفيسور ديفيد روبرتس، المدير المساعد للتبرع بالدم في الهيئة البريطانية، إنه «في البداية سيحاول جهازك المناعي محاربة الفيروس باستخدام خلايا الدم البيضاء. وإذا ازدادت حدة مرضك، فيتعين على جهازك المناعي إنتاج المزيد من الأجسام المضادة التي تبطل الفيروس أو تقتله».