(العربي الجديد)
ضربة كبيرة وُجهت للعاملين في المؤسسات الإعلامية الكويتية، بعد قرار تسريح العشرات من الموظفين وتخفيض رواتب صحافيين، بمن فيهم مديرو التحرير وكبار المسؤولين بنسبة 50 في المائة، لمواجهة التبعات الاقتصادية لوباء فيروس كورونا في البلاد.
خفضت الصحف الثلاث الكبرى في الكويت، وهي "الراي" و"القبس" و"الجريدة"، رواتب موظفيها بنسب متفاوتة، إذ اقتطعت صحيفتا "القبس" و"الراي" 50 في المائة من رواتب الصحافيين وكبار العاملين لديها، إلى حين انتهاء الآثار الاقتصادية المترتبة على الأزمة، وفق مذكرة داخلية اطلعت عليها "العربي الجديد"، فيما قررت صحيفة "الجريدة" خفض الرواتب بنسبة 10 في المائة للصحافيين و50 في المائة لمديري التحرير وكبار الموظفين.
لكن صحفاً أخرى لم تتحمل الهزة المالية العنيفة، فقامت بعمليات تسريح واسعة لموظفيها، وبينها "النهار" الكويتية المملوكة لأسرة بوخمسين، التي صرفت عشرات الصحافيين بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعانيها المجموعة المالكة للصحيفة التي تعمل بشكل أساسي في قطاع الفنادق والتجزئة والعقارات، وهي أكثر القطاعات تضرراً من الوباء العالمي. وأعلمت "النهار" صحافييها، منتصف مايو/ أيار الماضي، بانتهاء خدماتهم وعدم حاجتها لهم، في ظل خططها لتقليص صفحاتها وإغلاق بعض أقسامها.
ولم يقتصر الضرر على الصحافيين والمحررين، بل امتد إلى كتّاب الأعمدة اليومية والأسبوعية، وهم غالباً ما يكونون من كبار المسؤولين والوزراء السابقين والسياسيين المخضرمين الذين اضطرت إدارات الصحف التي يعملون فيها إلى إخبارهم بأنهم لن يتلقوا أي أجر بعد اليوم بسبب الأزمة، لكن أبواب الصحف مفتوحة لهم في حال أرادوا الكتابة مجاناً.
وقال سياسي بارز عمل كاتب عمود في إحدى الصحف الكويتية، لـ"العربي الجديد"، إنه خسر دخلاً تقدر قيمته بـ750 ديناراً كويتياً (نحو 2500 دولار أميركي)، نتيجة القرارات الأخيرة التي اتخذتها الصحف الكويتية. وأضاف السياسي نفسه أن "الكتابة في عمود مستمر كانت بالنسبة له أداة نفوذ سياسي ومصدراً إضافياً للدخل، أما بالنسبة لمئات الصحافيين، وخصوصاً الوافدين منهم الذين تعرضوا للطرد أو خفض الرواتب، فإن هذا يبدو مروعاً".
ورأى الصحافي جاسم الشمري، الذي عمل عشرين عاماً محرراً ومراسلاً قبل تقاعده ليصبح مستشاراً إعلامياً، أن أزمة كورونا مثلت "الضربة القاضية" للصحافة الكويتية الورقية التي "لن تقوم لها قائمة" في ظل المنافسة الشديدة من المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، لافتاً إلى أزمات عدة سابقة هزت القطاع، كالأزمة المالية عام 2008 التي أدت إلى إغلاق عدد من الصحف كانت الشركات الكويتية القابضة التي تعرضت لخسائر مالية كبيرة تمولها، ثم أزمة رحيل رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح التي أدت إلى إغلاق عدد من الصحف والقنوات الممولة منه وتسريح عشرات الصحافيين حينها.
ولا تقتصر الأزمة في المؤسسات الإعلامية الكويتية على الصحف الورقية، بل امتدت إلى القنوات التلفزيونية، إذ سرحت قناتا "الراي" و"الشاهد" جزءاً من العاملين فيها، وأوقفتا الجزء الأكبر من البرامج، فيما توقفت قناة "إيه تي في" ATV عن دفع الرواتب طوال فصل الصيف بحجة انتهاء الدورة البرامجية.
وقال أحد العاملين في واحدة من هذه القنوات لـ"العربي الجديد": "في أول شهر قالوا إن القناة ستدفع كامل الرواتب ولا خوف على أحد، لكن في الشهر الثاني طلبوا منا التوقيع على إجازتنا السنوية رغم أننا نحضر للعمل يومياً، وفي الشهر الثالث طلبوا منا التوقيع على إجازة من دون راتب، وأعتقد أن الأزمة إذا طالت شهراً آخر فإننا سنطرد من أعمالنا".
وأشار فواز الكندري، وهو مالك خدمة إخبارية إلكترونية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذه المؤسسات الإعلامية الضخمة "تكاد تعيش أيامها الأخيرة"، بسبب تكاليفها العالية وقلة المردود الإعلاني فيها إضافة إلى ضخامة رواتب الصحافيين. وأوضح الكندري أنه "في الخدمات الإخبارية نعمل بسرعة، ولا نوظف إلا من نحتاج إليه فعلاً، وعند الحاجة الزائدة نتعاقد مع مراسلين بالقطعة، وهم متوفرون بكثرة بسبب إجراءات التسريح، أي أننا نحصل على الصحافيين الذين دربتهم الصحف الكبيرة ودفعت لهم الرواتب الضخمة على مدار سنوات بأقل كلفة".
فالصحافيون الذين فقدوا وظائفهم توجهوا للعمل مراسلين بالقطعة للخدمات الإخبارية الإلكترونية التي استحوذت على السوق الإعلامي، بسبب قلة تكاليف تشغليها واعتمادها على منصات التواصل الاجتماعي، لكن هذه الأعمال لا تكفي حتى لدفع إيجار الشقق أو الوفاء بالالتزامات الشهرية، وفق ما أفاد المصور الأردني العامل في الكويت محمد شفيع، الذي سُرح أخيراً من وظيفته في إحدى الصحف. وأضاف شفيع: "هذه الأزمة لا تختص بالكويت فقط، بل إنها تصيب العالم كله. هناك تسريحات في لبنان والأردن ومصر ودول الخليج، لذلك أنا مصاب بالإحباط، وأسأل نفسي دوماً: هل انتهت مهنتي كمصور صحافي؟ لقد بدأت هذا العمل في الكويت منذ عام 1985، ويبدو أن مسيرتي الصحافية شارفت على النهاية، فالعمل الصحافي التقليدي بات لا يجدي نفعاً".