(موقع العربي الجديد)
يطرح السؤال في واشنطن وبكثير من الإحباط والشعور بالعار والفضيحة: كيف انتهى الحال بأميركا بأن تسجل الرقم القياسي في العالم وبفارق شاسع، في عدد الإصابات والوفيات بوباء كورونا؟ لماذا فشلت دولة عظمى بحجمها وإمكاناتها العلمية والطبية والمالية في محاصرة الجائحة على الأقل وتقليص كلفتها، كما حصل في بلدان عديدة أقل قدرة وخبرة منها وبما لا يقاس؟
وما يثير الدهشة أكثر أنه في الوقت الذي تراجع فيه وبدرجة عالية تفشي هذا الفيروس في الأمكنة التي ضربها بقوة مثل أوروبا، يشهد في المقابل فورة عارمة في الولايات المتحدة وبأضعاف ما كان عليه في عزّ انتشاره في إبريل/ نيسان الماضي.
المعدل اليومي تجاوز مؤخراً خمسين ألف إصابة يومياً، وقد يصل قريباً إلى ضعفه، حسب مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، أنتوني فاوتشي، الذي يحذر ومعه المجتمع الطبي، من الأدهى. حصة أميركا من الإصابات والوفيات صارت تقريباً 25% من حصة العالم، وفق حصيلة يوم الاثنين: 3 ملايين وأكثر من 130 ألفاً على التوالي، والعدّاد مستمر في تسجيل المزيد.
في الحسابات النسبية مقارنة بعدد سكان البلاد، توازي آخر الإصابات الأميركية في الوقت الحاضر أكثر من 43 مرة لعددها الحالي في إيطاليا، (55000 مقابل 223). كما تزيد 17 مرة عنها في إسبانيا (55000 مقابل 442). ورغم أن البلدان الثلاثة تنتمي إلى النظام الغربي نفسه ونادي التقدم العلمي والطبي المتفوق، ولو مع فوارق في التفاصيل والإدارة والإمكانات الراجحة كفتها لصالح أميركا، فقد فشل هذا الرجحان في ترجمة نفسه على الأرض، ليتحول إلى نقيضه وبصورة فاضحة فرضت العودة الإجبارية إلى نسبة من الإغلاق في بعض الولايات. وثمة توقعات بإغراق مستشفيات أميركا بمرضى الفيروس في الأسابيع الثلاثة القادمة، على غرار ما شهدته نيويورك في ذروة الاجتياح قبل أكثر من شهرين، هذا عدا عن الموجة الثانية المتوقعة في الخريف، بالترافق مع الانتخابات.
وبذلك عاد موضوع انتشار الفيروس إلى صدارة الهموم ويحجب الآن ما عداه، بما في ذلك ملف الانتخابات التي صارت مرهونة إلى حد بعيد بتطورات الفيروس الذي رجع وضعه للتردي. إلا أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ما زال يجزم بأن الوباء في طريقه إلى التلاشي وبأنه مسألة عارضة و"99 بالمائة من إصاباته غير مؤذية"، فضلاً عن تبشيره بقرب العثور على "العلاج المناسب ثم اللقاح قبل أواخر العام الجاري".
لم يتزحزح ترامب عن خطابه قيد أنملة منذ البداية، مراهناً على تجاوب الجمهور المسجون مع دعوته لتغليب الخروج من الإغلاق على الحجر الصحي، وكان له ما أراد. لكن "ردة فعل" الفيروس خلطت أوراقه، وبهذا رجعت المشكلة إلى سخونتها الأولى، وربما أسوأ. ورجعت معها الحاجة إلى فرض الإجراءات الاحترازية، خاصة الكمامات والفحوصات الشاملة.
ويرفض ترامب هذه الخطوات بزعم أنها غير لازمة، والناس يسمعون للقيادة المسيطر خطابها على المنصات الإعلامية بصورة طاغية، فيما بقيت توجيهات الأوساط الصحية وكأنها إرشادات وقائية وليست إلزامية. والآن يصر ترامب على عودة الطلاب إلى المدارس كالمعتاد في أواخر أغسطس/ آب القادم ولو أن الجهات التربوية لم تخرج بعد بخطة لكيفية استئناف الدراسة بصورة تؤمن الاستمرارية بصورة متوازنة مع ضرورات السلامة الصحية.
الرئيس ترامب يبدو وكأنه عازم على المضي بلعبة شمشونية في الداخل والخارج (أعلن الثلاثاء انسحاب أميركا من منظمة الصحة العالمية)، حتى يوم الانتخاب الذي تحيط به علامات استفهام كثيرة مع أنه صار على مقربة أقل من أربعة أشهر والذي كان من المفترض أن تحتكر سيرته حديث الساعة في مثل هذه الأيام، لكن الزمن الأميركي تغير وملفوف بالمجهول.