(وكالة الأناضول)
منذ ظهور وتفشي فيروس “كورونا” في العالم، قبل أشهر، تواجه منظمة الصحة العالمية اتهامات بالاستجابة البطيئة واتخاذ قرارات “متناقضة”.
ووجهت دول عديدة، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، انتقادات شديدة للمنظمة، مع اتهامها بعدم تقديم التحذيرات اللازمة من انتشار الوباء، في الوقت المناسب.
المنظمة تُتهم أيضا بإعطاء توجيهات خاطئة لبلدان العالم حول ارتداء الكمامات الواقية، ومعلومات غير دقيقة حول التجارب الجارية على الأدوية المحتملة، إضافة إلى اتخاذ خطوات متأخرة وتوجيه رسائل متناقضة، بجانب اتهام واشنطن لها بالانحياز للصين.
ومنظمة الصحة العالمية، التي تُجري دراسات دولية حول الصحة العامة، هي المرجعية الصحية الدولية الوحيدة التي يمكن أن يثق بها سكان العالم، البالغ عددهم حوالي 7.7 مليار نسمة، في مجال الصحة.
ورفض المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الانتقادات الموجهة إليها، مشددا على أن المنظمة تعمل دائما وفق المعطيات والمعلومات التي يتم تأكيدها من جانب العلماء.
وأضاف أن المنظمة (مقرها الرئيسي في مدينة جنيف) تكشف يوميا عن معلومات علمية جديدة حول “كورونا، وتقوم باستمرار بتحديث المعلومات المتعلقة بالوباء.
وفي مواجهة الانتقادات الأمريكية، خاصة تلك الصادرة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حظي غيبريسوس بدعم قوي من دول مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، إضافة إلى الصين، وهي من أكثر الدول الداعمة لبيانات المنظمة.
ورغم أن غيبريسوس نجح في بناء جبهة قوية تدعم منظمة الصحة العالمية، إلا أن المنظمة تمر حاليا بأصعب فترة منذ تأسيسها عام 1948، كمنظمة دولية تابعة للأمم المتحدة.
وأعلنت الأمم المتحدة، الثلاثاء، أن الولايات المتحدة أخطرتها بانسحابها من منظمة الصحة، اعتبارا من 6 يوليو/ تموز الجاري.
تردد حول ارتداء الكمامات
منذ الأيام الأولى لبدء انتشار “كورونا”، دعت منظمة الصحة العالمية الأشخاص غير المصابين بالفيروس إلى عدم ارتداء الكمامات الواقية.
وقال غيبريسوس، في 1 أبريل/ نيسان الماضي، إن المنظمة توصي المرضى وموظفي الرعاية الصحية فقط بارتداء الكمامات.
وبسبب توصية الكمامة، تعرضت المنظمة لسيل من الانتقادات الشديدة في وسائل إعلام دولية.
وبعدها، قال غيبريسوس إن المنظمة قامت بتحديث المبادئ التوجيهية الحالية الخاصة باستخدام الكمامات الواقية، في إطار مكافحة انتشار “كورونا”.
وبناء على ذلك، نصحت المنظمة الحكومات، للمرة الأولى، بدعوة المواطنين إلى ارتداء الكمامات الواقية (ذات الطبقات الثلاث) في الأماكن العامة، مثل المتاجر والمدارس وأماكن العبادة، لوقف انتشار الفيروس.
وبعد 5 أشهر و5 أيام من إعلان المنظمة حالة طوارئ عالمية، على خلفية انتشار “كورونا”، نصحت المنظمة الأشخاص غير المصابين أيضا بارتداء الكمامات الواقية، مما أثار عاصفة من الانتقادات في الإعلام.
معضلة “هيدروكسي كلوروكين”
في 3 يوليو/ تموز الماضي، أعلنت المنظمة أنها قررت إنهاء التجارب على استخدام مزيج “هيدروكسي كلوروكين” و”لوبينافير/ ريتونافير”، الخاص بعلاج مرضى نقص المناعة البشري (الإيدز)، في علاج مرضى “كورونا”، وذلك بعد الفشل في الحد من الوفيات.
واعتبرت وسائل إعلام دولية هذا القرار مثال على أكثر القرارات المتناقضة التي اتخذتها منظمة الصحة العالمية خلال مواجهة جائحة “كورونا”.
وأشارت إلى أن المنظمة سبق وأعلنت، في 25 مايو/ أيار الماضي، تعليقها للتجارب السريرية حول “هيدروكسي كلوروكين” بسبب “مخاوف تتعلق بالسلامة”، ثم عادت بعد تسعة أيام لتعلن، في 3 يونيو/ حزيران الماضي، استئناف هذه التجارب.
تأخر التحقق من مصدر الفيروس لـ7 أشهر
أصرت المنظمة، ومنذ الأيام الأولى لانتشار الوباء، على أن فيروس كورونا جاء من مصدر طبيعي.
وقالت المتحدثة باسم المنظمة، فضيلة الشايب، في 21 أبريل/ نيسان الماضي، إن المنظمة لا تمتلك معلومات مؤكّدة حتى الآن حول أصل الفيروس وطريقة نشأته.
وأضافت أن المنظمة على يقين بأن “كورونا” انتقل إلى البشر من أحد الحيوانات، وأن الفيروس لم يتعرض لعملية تعديل في المختبرات.
فيما قال ترامب، في 1 مايو/ أيار الماضي، إنه حصل على أدلة تؤكّد تطوير الفيروس في أحد المختبرات بمدينة ووهان الصينية.
وفي 29 يونيو/ حزيران الماضي، قال غيبريسوس إنه من المهم جدا معرفة مصدر الفيروس، وإن المنظمة تعتزم إرسال فريق متخصص إلى الصين، خلال أسبوع، للتحقيق في مصدره.
متى انتشر الفيروس خارج الصين؟
وفق جرو هارلم برونتلاند، المدير السابق لمنظمة الصحة العالمية، رئيس الوزراء النرويجي السابق، فإن الصين تأخرت في تقديم المعلومات اللازمة للمنظمة عندما ظهرت أولى حالات الإصابة بالفيروس، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في ووهان.
وأضاف برونتلاند أن الفيروس بدأ بالانتشار من الصين إلى أجزاء كثيرة من العالم، اعتبارا من ديسمبر/ كانون الأول وأوائل يناير/ كانون الثاني الماضيين. فيما امتنعت المنظمة عن تحديد إطار زمني لانتشار الفيروس خارج الصين.
ومن أبرز الانتقادات الموجهة للمنظمة، هو أنها نشرت، عبر حسابها بـ”تويتر” في 14 يناير/ كانون الثاني الماضي، معلومات منسوبة لمسؤولين صينيين تفيد بعدم وجود دليل ملموس على انتقال الفيروس بين البشر.
كما قالت المنظمة، عبر تغريدة في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، إن انتقال الفيروس يحدث غالبًا من الحيوانات إلى البشر، مع محدودية انتقاله بين البشر.
دعوات لعدم إغلاق الحدود مع الصين
في 23 يناير/ كانون الثاني الماضي، قال غيبريسوس إنه من المبكر الإعلان عن “حالة طوارئ دولية للصحة العامة” تتعلق بالفيروس، الذي ينتشر بسرعة في الصين.
لكن في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية “حالة طوارئ صحية دولية” تتعلق بانتشار جائحة “كورونا”.
وقال غيبريسوس إن القرار جاء على خلفية “انتشار الفيروس في دول أخرى خارج الصين”.
ودعا الدول إلى عدم فرض قيود على الأنشطة التجارية والسفر إلى الصين، وعدم إغلاق حدودها مع الصين، التي كانت تشهد انتشارا سريعا للوباء.
وجددت المنظمة، في 31 يناير/ كانون الثاني الماضي، دعوتها إلى “عدم إغلاق الحدود مع الصين”، رغم إعلان حالة الطوارئ العالمية. ثم كررت تلك الدعوة في الأيام التالية.
لكن بعض الدول، وخاصة الولايات المتحدة، لم تلتزم بدعوات المنظمة، وعلقت رحلات الطيران إلى الصين.
وفي 11 مارس/ آذار الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية فيروس “كورونا” وباءً عالميا.
وانتقد خبراء في الصحة العامة المنظمة، معتبرين أن إعلانها “جاء متأخرا جدا”.
وفي 12 مارس/ آذار الماضي، أعلن غيبريسوس أن كورونا “وباء يمكن السيطرة عليه”. قبل أن يحذر فيما بعد من أن “الأسوأ لم يأتِ بعد”.
وأصاب “كورونا”، حتى مساء الأربعاء، نحو 12 مليونا و35 ألف شخص في العالم، توفي منهم أكثر من 549 ألفا، وتعافى قرابة 6 ملايين و959 ألفا، بحسب موقع “worldmeter” المختص بإحصاء ضحايا الفيروس.
ووجه علماء اتهامات للمنظمة برفضها الاعتراف بتزايد المؤشرات على انتقال الفيروس عبر الهواء.
وحذرت المنظمة، الثلاثاء، من أن انتشار الوباء يتسارع، وأقرّت بأن “أدلة تظهر” بشأن انتقال العدوى عبر الهواء، وأوصت بـ”تهوية فعالة في الأماكن المغلقة”.
مما سبق يتضح أن ثمة أرضية ودلائل معقولة تبرر ما تواجهه منظمة الصحة العالمية من اتهامات، لكن المنظمة تصر على رفض كل الانتقادات الموجهة إليها.