وجيه ريان - الميادين نت
تتّجه أنظار العالم، مع تمنيات منظمة الصحة العالمية، إلى هذه التكنولوجيا الحيوية الجديدة، للتغلب على الوباء المستجد.
بينما بدأ عدد المصابين بفيروس كورونا المستجد يتراجع، وأصبح أقل خطورة منذ بداية انتشاره في العديد من البلدان، فإنه لا يزال ينتشر بكثرة في مناطق أخرى من العالم، مثل البرازيل والولايات المتحدة وروسيا الاتحادية وغيرها.
وما دامت العدوى تتزايد في مكان ما في الكرة الأرضيّة، فهناك احتمال لأن يعود الوباء وينتشر في الأماكن التي وجد فيها سابقاً. ولهذا، علينا أن لا نهمل الوقاية، إلى أن يتوفّر في الأسواق الدواء أو اللقاح الفعّال، أو إلى أن يختفي الوباء نهائياً في جميع أنحاء العالم.
للعلم فقط، إنَّ دراسة تسلسل الحمض النوويّ على الشريط الوراثي لهذا الفيروس، تبيّن التطوّرات التي حصلت مؤخراً لهذه العيّنة الفيروسية المجتاحة، مبيّنة مصدرها ودرجة خطورتها.
البحث عن العلاج
مُؤخّراً، تكوّنت مجموعة علمية طبية من بلدان مختلفة لتبادل المعرفة والمعلومات والآراء، مستعينة بالحاسوب الفائق، لتتمكّن من اختيار الدواء الأفضل والمتوفر في الأسواق لمعالجة أي مرض كان، على أن يكون ذا فعالية نظرية، بحسب تعليمات الحاسوب المتفوق، ضد تكاثر فيروس كورونا المستجد في الخلايا البشرية، ومن ثمّ تبدأ دراسة فعاليته في المختبر وعلى الحيوانات، قبل تطبيقه لاحقاً على الإنسان. بهذه الطّريقة، على سبيل المثال، تمَّ اكتشاف مادة "الرالوكسيفن" التي تحدّ من تكاثر الفيروس في الخليّة. ولا تزال الأبحاث مستمرّة.
كثيرةُ هي الأدوية التي تقلّل مدة المرض فقط في الحالات السهلة من الوباء، لكن ليس لها فعالية تُذكر في حالة تطور المرض إلى الأصعب. ولهذا، على سبيل المثال، قام باحثون من جامعة أوكسفورد، قبل مدّة وجيزة، بدراسة تأثير هرمون "الديكساميتازون" في الحالات الصعبة.
إنَّ استعمال هذا الدواء المعروف منذ 60 عاماً لعلاج التهاب المفاصل، قلّل نسبة الوفيات إلى الثلث بين الذين وُضعوا تحت التنفس الاصطناعي، وإلى الخمس بين أولئك الذين احتاجوا إلى الأوكسجين.
وأودّ أن أذكر ما قامت به شركة "سور ونتو" الأميركية التي تعمل في مجال التكنو بيولوجيا، كما سأذكر لاحقاً دراسات لاستعمال مادة "ريزينيفيراتوكسين" (أر تي أكس) المستخرجة طبيعياً، والمستعملة حالياً لمعالجة بعض الأمراض السرطانية، ولعلاج الحالات الصعبة والمتقدّمة من كورونا المستجد.
تلتصق هذه المادة بخلايا الأعصاب التي توصل موقع الألم في الدماغ وتعطّلها، ما يؤدي إلى قطع مصدر الألم، وانخفاض في التهابات الرئة، وهبوط القلب عند مرضى كورونا في العناية المركزة.
الجسم المضاد والتطورات البيوتكنولوجية
تتّجه أنظار العالم، مع تمنيات منظمة الصحة العالمية، إلى هذه التكنولوجيا الحيوية الجديدة، للتغلب على الوباء المستجد. وفي هذا المجال، قام فريق من جامعة "بيدا" في بكين باستخلاص أجسام مضادة أحادية المنشأ من مصل 60 مصاباً بكورونا المستجد، ومن ثم استُعملت هذه الأجسام لدى الفئران، سواء كدواء أو كوقاية ضد كورونا المستجد. وفي الحالتين، كانت النتيجة مثمرة، وستنشر قريباً في المجلة العلمية المعروفة عالمياً "سل".
وكذلك، عمل فريق من جامعة واشنطن في سياتل، بالاشتراك مع الشركة السويسرية "هومابس بيوميد"، باستخلاص مماثل من مصل مصاب سابق بكورونا السارس الذي أصاب الصين وكندا والولايات المتحدة في بدايات هذا القرن.
وللعلم، إنَّ البنية الوراثيَّة لهذا الفيروس تتشابه بنحو 80% مع كورونا المستجد. وقد تبيَّن لاحقاً، كما جاء في مجلة "نيتشر" الشهيرة، أن هذا الفريق اكتشف أحد الأجسام المضادة الأحادية المنشأ من أصل 25 جسماً، حيث إنه إذا أعطي هذا الجسم المضاد مع جسمين آخرين من المجموعة، تكون النتيجة إيجابية لدى الفئران، سواء لمكافحة كورونا المستجد أو للحماية منه، وتبقى الحماية فعالة لمدة شهرين.
وتحتاج التّجربتان الصينيّة والأميركيّة إلى تجارب طبيَّة إضافية على الإنسان، للتأكد من فعالية هذه النتائج الإيجابية. ولزيادة المعرفة، أودّ أن أبيّن أن هذه الأجسام المضادة، وبعكس اللقاح، لم يصنعها الجهاز المناعي للشخص المعني، بل ستعطى أو ربما أُعطيت له كدواء أو كحماية مؤقتة إلى أن ينتهي مفعولها.
وهناك العديد من الشركات التي تقوم بتجارب مماثلة، وبتقنية مكمّلة لما سبق، لمكافحة هذا الوباء. وأود أن أذكر البعض منها، كشركة "سورونتو تيرابيتكس"، بالتعاون مع "ماونت سيناي هيلث" من مدينة نيويورك، إذ قامتا بإنتاج تقنية ودواء يُدعى "كوفي ـ شيلد" حالياً من مصل المصابين الذين تعافوا، ومن ثم مصل الحيوانات التي ستعالج لهذا الشأن.
يحتوي هذا الدواء 3 أجسام مضادة أحادية المنشأ، تتعرّف معاً إلى 3 محدّدات مستضدة. الغاية من هذه العملية أن لا يفشل مفعول الدواء إذا ما حدث تغير جزئي في البنية الوراثية للفيروس. والجدير بالذكر عند التفاعل بين الأجسام المضادة والفيروس، أن الأخير يمنع من الالتحام مع البروتين "سبايك"، الذي يكون مركز استقبال الفيروس على حائط الخلية الرئوية.
سيُستخدم هذا الدواء، ليس كعلاج فقط، بل كوقاية أيضاً لدى أولئك الذين يعملون في المجال الطبي لمواجهة فيروس كورونا المستجد، وسيُعطى مرة كلّ شهرين، وربما رغم وجود اللقاح، لكل من لا يستطيع التفاعل المناعي مع الجسم الغريب الفيروسي لإنتاج الأجسام المضادة له، مثل أولئك الذين يتناولون الأدوية لتقليل المناعة لأسباب طبية.
وقامت شركة "كزينوتيرا" البيو تكنولوجية، ومقرها مدينة نانت الفرنسية، بإنتاج مزيج مماثل من الأجسام الأحادية المنشأ، التي استؤصلت من مصل المصابين بهذا الداء. وسمي هذا المزيج: "كزاف - 19".
وقد قام معهد "باستير" الفرنسي بإنتاج الأجسام المضادة الوحيدة النسيلة ضد فيروس كورونا المستجد، مستخدمين البيو تكنولوجي الحديثة وهندسة الجينات.
في هذا المجال، تنوي شركة "ستارت آب أميرجنت بيسولوشين" إنتاج الأجسام المضادة لكورونا عند الحصان. ومن المؤكّد أن هؤلاء الباحثين سيواجهون مشكلة التوافق بين الحيوان والإنسان. ولمعالجة هذه المسألة، تنوي شركة "ساب بيو تيربيك" زراعة كروموزوم بشري في الأبقار، لإنتاج الأجسام المضادة التي يمكن، بعد تنقية مناسبة وبأقل كلفة، استعمالها لدى الإنسان.
من سيقطف الثمار؟
كما كتبتُ في مقال سابق، تعمل مئات المؤسَّسات، سواء كانت شركات خاصة جامعية أو حكومية، والتابعة لمختلف بلدان العالم، في البحث وصناعة الدواء أو اللقاح الفعال لمعالجة فيروس كورونا المستجد. وتقوم منظمة الصحة العالمية بمحاولة التقسيم الطوعي لبراءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية لإنتاج هذه المواد. ومؤخراً، أعلنت الصين أن الأفريقيين سيكونون أوّل المستفيدين من الأدوية واللقاح الصيني، ووعدت بذلك.
وتطالب منظمة "أوكسفام" بإزالة جميع العوائق، وبإسقاط حقّ البراءات والاحتكارات التي تعوق منح الدواء واللقاح مجاناً، اعتماداً على النظرية التي تقول: إن وُجد الوباء في مكان ما، لا اطمئنان في مكان آخر. من البديهي أن تُؤمن الوقاية، ويُعطى العلاج مجاناً للجميع من دون استثناء.
لكن العديد من البلدان والمؤسسات، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، تخشى أن يؤدي هذا العطاء إلى انخفاض الاستثمارات في البحث العلمي، وفي آلية الابتكار بهذا الخصوص، وتطالب بتوزيع سريع ومنصف لحقوق الابتكارات والبراءات، وفقاً للجهود المبذولة. وإن حصل فائض، فسيعطى مجاناً لبعض الناس.