(من الصحافة العبرية)
إسرائيل ليست الوحيدة في المنطقة التي تواجه الآن موجة كورونا الثانية التي تبين أنها أوسع من سابقتها. فقد شهدت ومناطق السلطة الفلسطينية أيضاً مؤخراً ارتفاعاً كبيراً في عدد الإصابات وعدد الوفيات التي تضاف إلى الصعوبات الاقتصادية والسياسية. صحيح أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لا يشبه نتنياهو بخصوص تقديمه لمحاكمة جنائية يمكن أن تنهي حياته السياسية، لكن باستثناء ذلك، مكانته لا تقل تضعضعاً عن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
قبل شهر كان عدد المصابين النشطاء بكورونا في الضفة الغربية نحو 340 مصاباً، والآن يكتشف هناك أكثر من 340 مريضاً يومياً. وأمس تجاوز عدد المرضى الـ 700، وهناك 60 فلسطينياً تقريباً ماتوا بسبب كورونا في الشهر الماضي. وفي الخليل بشكل خاص، سجل ارتفاع حاد في عدد المرضى، الذي تأثر كما يبدو من انتشار الفيروس في أوساط بدو النقب. مستشفيات الضفة الغربية تقترب من حدود قدرتها العلاجية، خصوصاً فيما يتعلق بأجهزة التنفس والأسرّة التي في وحدات العلاج المكثف.
في الضفة تقريباً لم يتم الشعور بالموجة الأولى للوباء. فقد اتخذت السلطة خطوات حازمة في تطبيق الإجراءات. وبالتنسيق مع إسرائيل، فرضت الإغلاق وحتى حظر تجول محلي، وأشرفت بصرامة نسبية على حركة العمال الذين يعملون داخل الخط الأخضر لمنع وصول العدوى إلى المناطق. عملت هذه الخطوات بشكل جيد إلى حين اندلاع الموجة الثانية في إسرائيل. وفي 17 حزيران، بعد شهر تقريباً على بداية الارتفاع في إسرائيل، سجل ارتفاع حاد أيضاً في الإصابة في الضفة الغربية (41 مريضاً) الذي أخذ يزداد منذ ذلك الحين.
خلال هذه الفترة، بقي قطاع غزة تقريباً خالياً من كورونا. الإغلاق الكامل للكامل والمعبر الوحيد في رفح يمكنان حكومة حماس من عزل الداخلين القلائل إلى أراضيها.
إن مشكلة السلطة هي أن الأزمة الصحية في حدودها تتقاطع هذه المرة مع المواجهة السياسية المباشرة مع إسرائيل. عباس قطع علاقته رسمياً مع الولايات المتحدة في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في العام 2018 ورفض صفقة القرن المنحازة لإسرائيل التي طرحها ترامب في بداية السنة الحالية. وفي أيار الماضي عندما بدأ نتنياهو بالدفع قدماً بمبادرته لضم أجزاء من الضفة في إطار الاتفاق الائتلافي مع “أزرق أبيض”، أعلن عباس عن وقف التنسيق الأمني والعلاقات المدنية مع إسرائيل.
خلافاً لتصريحات مشابهة في السابق، تبين أن الرئيس في هذه المرة جدي. وقد أوقف الفلسطينيون التنسيق مع إسرائيل في علاج المرضى، وتوقفوا عن تسلم رزم البريد والإرساليات عبر الموانئ الإسرائيلية، وقطعوا التنسيق مع الجيش والشاباك، إلى درجة مقاطعة مكالمات الإسرائيليين بالهواتف المحمولة كي لا يتمكنوا من إرسال رسائل قصيرة لهم. في 1 تموز عندما مر الموعد الأول الذي حدده نتنياهو للبدء بعملية الضم، تبين أن التداعيات الاقتصادية والصحية الشديدة لأزمة كورونا لا تمكنه في هذه الفترة من تنفيذ خطته.
ولكن عباس صمم على استمرار المقاطعة، الذي أضر بمحاربة كورونا إلى جانب التنسيق الأمني. في الموجة الحالية، اعتمدت كلتاهما، السلطة وحماس، على المساعدة والإرشاد الطبي من إسرائيل. وفي الموجة الثانية، ثمة شحنة تشمل نحو 100 ألف فحص كورونا مخصصة للسلطة عالقة الآن في مطار بن غوريون لأن السلطة ترفض التنسيق من أجل تسلمها.
وتركت السلطة أيضاً الرقابة في المعابر المؤدية إلى إسرائيل. وهكذا، ليس لديها أي رقابة على الداخلين والخارجين، أو أي طريقة لفحص إذا كان أحدهم مصاباً بكورونا. والأردن كذلك قلق لأن السلطة لا تراقب حركة السكان الخارجين من الضفة إلى عمان. وفي رام الله أرادوا إلقاء جزء من المهمات، مثل تخليص الشحنة من مطار بن غوريون، على الأمم المتحدة. ولكنهم لا ينجحون في ذلك إلى الآن. لهذا، أضيف رفض الفلسطينيين لتسلم أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالحهم، والذي أدى إلى تقليص كبير في ميزانية السلطة ورواتب موظفي الدولة في الضفة الغربية.
إلى جانب تفشي الفيروس والقطيعة مع إسرائيل، يبرز في الضفة توجه آخذ في التزايد من عدم ثقة الجمهور بخطوات القيادة، بصورة يمكن أن تبدو معروفة للقارئ الإسرائيلي. سكان يشككون بتقديرات السلطة وهم قلقون من مشكلة كسب الرزق ويختلفون بشكل واضح حول القيود الجديدة التي فرضت عليهم. ومؤخراً تتراكم أحداث تم فيها خرق النظام العام كتعبير عن الغضب بسبب معالجة السلطة للأزمة.
وعلى المستوى السياسي والأمني في إسرائيل يزداد القلق من احتمال فرض السلطة السيطرة على الوضع في الضفة الغربية إزاء تفشي كورونا وتدهور الوضع الاقتصادي وخيبة الأمل المتزايدة من أدائها في أوساط الجمهور. هذا الأسبوع زار رام الله وزير الخارجية المصري، سامح شكري، والتقى عباس. وهذه الزيارة التي يبدو أن رسائلها نسقت مع إسرائيل استهدفت محاولة إقناع عباس بالنزول عن الشجرة. وعلى فرض أن نتنياهو تراجع في هذه الأثناء عن الضم، فما سبب التمترس الذي استهدف في الأصل ردعه عن تطبيق خطته؟
حسب تقرير نشر في صحيفة “الشرق الأوسط”، قال عباس لشكري بأنه مستعد لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل. وفي الوقت نفسه، طلب منه مساعدة مصر لإحباط عملية الضم. في هذه الأثناء، يبدو أن رئيس السلطة ما زال مصمماً على استمرار القطيعة. وهذه مشكلة بالنسبة للسلطة التي يجب عليها مواجهة إصابات وعدد وفيات أكبر، لكنها أيضاً مشكلة بالنسبة لإسرائيل. لا يوجد فصل حقيقي بين الفلسطينيين والمستوطنين في الضفة أو بينهم وبين الإسرائيليين داخل الخط الأخضر. كورونا لا تقف عند حدود 1967 وبدون التنسيق بين الطرفين سيكون من الصعب إطفاء الحريق الذي اشتعل على جانبي الخط الأخضر.
نقطة التشبع
عدد غير قليل من الباحثين، منهم الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء البروفيسور مايكل لويت، والبروفيسور ايال شاحر، والبروفيسور أودي كمرون والدكتور أوري غفيش – نشروا أول أمس مقالاً أثار صدى كبيراً. هؤلاء الأربعة يخالفون سياسة حكومة إسرائيل الحالية في مواجهتها لكورونا، وبالأساس خطوات الإغلاق الحاسمة التي اتبعتها معظم دول الغرب في الأشهر الأخيرة.
مقارنة بالعرض المستمر الذي يقدمه البروفيسور يورم ليس، والذي -حسب رأي كثيرين- يقترب من حدود التهريج الطبي، فإن من كتبوا المقال يعرضون نظرية منظمة. استنتاجاتهم لا تستند إلى بحث مستقل، بل إلى جمع وتحليل البيانات. السويد تعرضت لانتقاد شديد من قبل إسرائيل والغرب بسبب رفض إدخال مواطنيها إلى الإغلاق – هذه سياسة انتهت بعدد وفيات أعلى بكثير مما هو في الدول الإسكندنافية الأخرى. وهؤلاء الأربعة يقارنون بيانات عدد الإصابات بالمرض وعدد الوفيات في بريطانيا التي اتبعت بشكل متأخر الإغلاق الشامل. وهم لا يعجبهم أن البريطانيين اتخذوا بالضرورة خياراً متنوراً أكثر. وقد أشاروا إلى أن السويد سجلت مؤخراً انخفاضاً حاداً في عدد الإصابات وعدد الوفيات بدون فرض الإغلاق.
الباحثون الأربعة يقتبسون التقدير الذي تكرر مؤخراً في عدد من المجلات العلمية المشهورة، والذي يفيد بأن السكان تطورت لديهم مناعة ضد كورونا الحالية بسبب الإصابة بفيروسات سابقة، وهذا يمكن أن يصل إلى نصف السكان أو أكثر. البروفيسور لويت في محادثة مع “هآرتس” قدم تشخيصاً آخر: ربما يوجد لكورونا نوع من “نقطة التشبع”، وهو حد أعلى الذي يتوقف فيه انتشار الفيروس بعد إصابة 10 – 20 في المئة من السكان.
أشار لويت إلى مدن تعرضت لضربة شديدة للفيروس في الموجة الأولى مثل لندن ونيويورك. وأشار إلى غياب أي تفش جديد لكورونا في هذه الأثناء، رغم رفع قيود الإغلاق (في برشلونة، مركز آخر للفيروس، سجل في هذا الأسبوع ارتفاعاً جديداً). وإن صدق ادعائه سيتبين بناء على بيانات الإصابة في الفترة القريبة القادمة. وعلى أي حال، هو يشير إلى عتبة منخفضة للغاية مقارنة بما يعتقد عموماً اعتباره “مناعة القطيع” التي تشير في العادة إلى إصابة 60 في المئة من السكان.
التوصية الأكثر خلافية التي يطرحها العلماء تتعلق بتبني نموذج فريد من “مناعة القطيع”، استناداً إلى تقديراتهم. وهم يعتقدون أن إصابة الإسرائيليين الشباب في أشهر الصيف ستقرب المرض من المستوى الأعلى وستكلف الدولة عدد وفيات محدوداً نسبياً. وحسب قولهم، إسرائيل الآن في نقطة انطلاق جيدة أفضل من السويد بسبب السكان الأكثر شباباً.
عملياً، من الصعب رؤية كيف ستتبنى الحكومة هذه السياسة، إزاء الحساسية العالية في إسرائيل لدفع ثمن بأرواح الناس (التي تظهر أيضاً في الخلافات في العمليات العسكرية). إضافة إلى ذلك، هناك خطر مزدوج. الأول هو أن الحسابات سيتبين أنها خاطئة وأن التعامل مع الفيروس سيخرج عن السيطرة بصورة تؤدي إلى ازدياد حاد في عدد الوفيات، حتى في أوساط الشباب ذوي الأمراض المزمنة. الثاني، وكما يتبين من أبحاث كثيرة في الفترة الأخيرة، فإن المرضى بكورونا في حالة بسيطة قد يعانون أيضاً من تداعيات صحية خطيرة لفترة طويلة.
في البرنامج الذي طرحته وزارة المالية في أيار، كان هناك نوع من المغازلة الحذرة لفكرة “مناعة القطيع”. في المقابل، رفض طواقم خبراء آخرون، ومنهم الطاقم الاستشاري في هيئة الأمن القومي، رفضوا الفكرة بشدة وحذروا من نتائجها الخطيرة. وعلى أي حال، المقال يجب أن يشجع على إجراء نقاش عام ومهني للاقتراحات المطروحة فيه.
عدد من الردود الغاضبة على لويت في الشبكات الاجتماعية، الذي أصبح مشهوراً رغم أنفه عندما تنبأ بأقل من 10 وفيات بسبب الفيروس في إسرائيل، يدل على أن النقاش في البلاد تحول إلى حوار للطرشان ويتم فيه تبني مواقف متطرفة وقاطعة من قبل الطرفين. وفي الفضاء بين البروفيسور “ليس” ومؤيديه “انفلونزا مع علاقات عامة” وبين من يريدون حبسنا في البيوت لأشهر كثيرة، ربما هناك مكان لعدة احتمالات.