(العربي الجديد)
ربط المهاجر المغربي المقيم في إحدى ضواحي العاصمة السويدية يوسف المرابط، بين إصابته بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، في يونيو/حزيران الماضي، واضطراره للتنقل عبر وسائل النقل العمومي المزدحمة، من أجل الذهاب إلى عمله في مؤسسة رعاية صحية لذوي الاحتياجات الخاصة، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا :"بعد اشتداد الألم، اتصلت بسيارة الإسعاف، وحين وصلت قال المسعفون إنني لا أحتاج للذهاب إلى المشفى، طالما أنني أتنفس وأستطيع الوقوف على رجلي".
تكرار هذه التصرفات مع حالات مثل المرابط، ولَّد عنده وغيره من المهاجرين، شعورا بعدم الثقة والزهد في التواصل مع السلطات الصحية، على حد قوله، على الرغم من أن المهاجرين يعدون الفئة الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس بسبب هشاشة أوضاعهم واضطرارهم للعمل في وظائف لا يمكن مزاولتها عن بعد، كما يقول الأربعيني المغربي لـ"العربي الجديد".
وتتفاقم نسبة الإصابات في صفوف المهاجرين واللاجئين في السويد إذ بلغت 32.10%، من مجموع الإصابات حتى السابع من مايو/أيار الماضي وفق ما وثقه معد التحقيق عبر تقرير هيئة الصحة العامة السويدية الصادر في 18 يونيو/حزيران الماضي بعنوان "التوزيع الديمغرافي للإصابات بـ كوفيد 19، للمصابين الذين تم تشخيصهم خلال الفترة بين 13 مارس/آذار و7 مايو/أيار"، والتقرير الأسبوعي الـ 18 الصادر عن الهيئة في الـ 8 من مايو الماضي.
ولا يمكن البحث وراء سبب تزايد عدد الإصابات بين المهاجرين في السويد، بمعزل عن تفاقم عدد الإصابات الكلي بين السكان مقارنة بالدول الإسكندنافية المجاورة، إذ بلغ العدد الإجمالي 78,763 حالة، بينما وصل عدد الوفيات إلى 5,676 ضحية للفيروس، من بين عدد السكان المقدر بـ 10.327 ملايين نسمة، بينما سجلت الجارة فنلندا 7,372 حالة، وإجمالي عدد وفيات 328 حالة من بين عدد السكان البالغ 5.518 ملايين نسمة، كما سجلت النرويج 9,071 حالة وعدد الوفيات 255 حالة من بين عدد السكان البالغ 5.368 ملايين نسمة، في حين سجلت الدنمارك 13,390 حالة مصابة بالفيروس،و612 حالة وفاة، من بين عدد السكان البالغ 5.806 ملايين نسمة، وذلك حتى 24 من يوليو/تموز الجاري.
وتبلغ نسبة المهاجرين 19.6% من مجموع سكان السويد البالغ عددهم 10.327 ملايين نسمة، وفق إحصائياتٍ المركز الوطني للإحصاء SCB (وكالة حكومية تابعة لوزارة المالية السويدية)، الصادرة في 31 ديسمبر/كانون الأول 2019.
فما هو السبب وراء تزايد عدد الإصابات الكبير في السويد وتفشي الفيروس بين المهاجرين بشكل خاص ؟
مناعة القطيع
على العكس من جيرانها، لم تقم السويد بفرض إغلاق مشدد على الأنشطة الاقتصادية المختلفة وتنقل مواطنيها، على الرغم من اتباع هذه السياسة في العديد من دول العالم في محاولة لوقف انتشار فيروس كورونا، وراهنت على ما يعرف بالمناعة الجماعية أو "مناعة القطيع"، والتي يمكن تعريفها بأنها طريقة حماية غير مباشرة من مرض معد، وتتحقق بعد اكتساب نسبة كبيرة من المجتمع مناعة لعدوى، إما بسبب الإصابة بها سابقا أو التطعيم، ما يوفر حماية للأفراد الذين ليس لديهم مناعة ضد المرض، وفي طريقها إلى ذلك اعتمدت على الانضباط الذاتي للمواطنين، دون أن تأخذ بعين الاعتبار الاختلافات والتفاوتات الموجودة في المجتمع، وفق ما جاء في دراسة "التفاوتات الكبيرة في معدل الوفيات الزائدة في ربيع عام 2020 بناءً على بلد الميلاد" المنشورة في المجلة الطبية السويدية Lakartidningen نهاية مايو/أيار الماضي.
وشارك في الدراسة 4 باحثين، هم إريك هانسون طالب دكتوراه، وطبيب طب عام في قسم طب المجتمع والصحة العامة، في جامعة غوتنبرغ، وماريا ألبين، أستاذة معهد الطب البيئي بمعهد كارولينسكا؛ ومركز الطب المهني والبيئي، بمنطقة استوكهولم، وماغنوس راسموسن، أستاذ الأمراض المعدية، وأخصائي الأمراض المعدية في جامعة لوند، ومستشفى جامعة سكوني، ولوند كريستينا جاكوبسون، أستاذة في قسم طب المجتمع والصحة العامة، في جامعة غوتنبرغ؛ والطب المهني والبيئي في مستشفى جامعة ساهلجرينسكا.
الباحثون المشاركون في الدراسة توصلوا إلى أن الفئات الأقل اندماجا واستقرارا كانت أكثر عرضة للإصابة من الفئات المندمجة والمستقرة، عبر المقارنة بين عدد الأشخاص المتوفين في السويد، خلال فترة الربيع، للأعوام بين 2016 و2019، مع الفترة نفسها خلال هذا العام، والأشخاص الذين ولدوا في العراق والصومال وسورية، بأشخاص ولدوا في السويد أو الاتحاد الأوروبي أو دول الشمال أو أميركا الشمالية، وكشفت النتائج أن عدد الوفيات في صفوف الفئة العمرية بين 40 و64 سنة، في الفترة بين مارس/آذار ويونيو/حزيران، كان أعلى بكثير في أوساط المهاجرين من أصول عراقية، أو صومالية أو سورية، بزيادة قدرها 220% عما كانت عليه في نفس الفترة بين سنوات 2016 و2019. في حين كان معدل زيادة الوفيات بين من ولدوا في السويد أو الاتحاد الأوروبي، وفي نفس الفئة العمرية، أقل من 1%.
نتائج السابقة تفسرها جيمي بولينغ، مديرة معهد الحياة المستقلة (يعنى بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن من اللاجئين)، قائلة لـ"العربي الجديد":"المقيمون في المناطق الضعيفة اقتصاديًا واجتماعيا، يعيشون في نمط حياتي يجد صعوبة أكبر في الابتعاد عن الأقارب ويتسم بالاكتظاظ كما أنهم يجدون صعوبة أكبر في العمل من المنزل، ويضطرون للذهاب إلى العمل".
وبسبب نمط الحياة راح الثمانيني العراقي محمد الموسوي ضحية الفيروس، بعد إصابته في مارس/آذار الماضي كما تقول ابنة اخته المهاجرة العراقية نزيهة فرج لـ"العربي الجديد"، مضيفة أن سياسة مناعة القطيع التي اعتمدتها السويد، دون أن تعلن عنها أثرت على الفئات الأقل تعلما والأكثر هشاشة.
هل نجحت مناعة القطيع؟
تتطلب مناعة القطيع إصابة ما بين 50% و70% من السكان بالعدوى حتى يصبحوا محصنين وذوي مناعة في مواجهة الفيروس، من أجل وقف انتشار العدوى بحسب موقع علم وصحة (عبارة عن تعاون بين كل من كلية الطب في جامعة لوند وجامعة مالمو وإدارات الرعاية الصحية في مقاطعة سكونة جنوب السويد).
لكن أوروبا بعيدة جدا عن الوصول إلى مستويات التعرض المطلوبة لمناعة القطيع. وتتصدر بلجيكا القائمة، مع تعرض 6.2% فقط من سكانها لـ "كوفيد 19"، وتأتي السويد مع عدم وجود إجراءات إغلاق مفروضة في أسفل القائمة عند 2.5% فقط. والرقم الأخير بعيد كل البعد عن إجمالي 40%، الذي وعد به توم بريتون عالم الرياضيات بجامعة استوكهولم، وكبير علماء الأوبئة في الوكالة السويدية العامة للصحة ومستشار الدولة لشؤون الأوبئة، أنديرس تيغنيل بحسب ما كشفته دراسة نشرها المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)، في مايو الماضي، بينما كشفت دراسة أجرتها وكالة الصحة العامة السويدية أنه بحلول الأسبوع الأخير من شهر إبريل/نيسان، طور 7.3 في المائة فقط من مواطني استوكهولم، (المنطقة الأكثر تضرراً في البلاد)، أجساماً مضادة ضد الفيروس.
النتائج السابقة دفعت منظمة الصحة العالمية إلى وصف فكرة مناعة القطيع في مايو الماضي بـ "الحساب الوحشي"، وهو ما يدعمه ما توصلت إليه دراسة منشورة في مجلة لانسيت الطبية، في بداية يوليو/تموز الجاري، بأنه "لا يمكن الوصول إلى مناعة القطيع دون قبول الأضرار الجانبية للعديد من الوفيات بين السكان المعرضين للإصابة والثقل الواقع على كاهل النظام الصحي، وأن تدابير التباعد الاجتماعي والجهود المبذولة لعزل الحالات الجديدة، ضرورية للسيطرة على الوباء في المستقبل".
تأخر في مخاطبة المهاجرين بلغاتهم
بلغ عدد المصابين من أصول أجنبية 7800 حالة في كل مائة ألف نسمة، ومنهم المهاجرون من أصول تركية، إذ بلغ عدد الإصابات بينهم 753 حالة إصابة، والإثيوبية 742 والعراقية 600 والصومالية 660 إصابة. مقابل 189 حالة فقط، في كل مائة ألف نسمة للسويديين الأصليين وفق تقرير التوزيع الديمغرافي للإصابات بكوفيد 19، للمصابين الذين تم تشخيصهم خلال الفترة بين 13 مارس/آذار، و7 مايو.
ويمثل المهاجرون الصوماليون النسبة الأعلى من حالات الإصابة بفيروس كورنا في السويد بمعدل 4.8%، رغم أنهم يشكلون أقل من 1% من مجموع السكان وفق تقرير هيئة الصحة العامة السويدية الـ 15 الصادر في 17 إبريل/نيسان الماضي.
من بين الصوماليين المصابين في منتصف مارس الماضي، الأربعيني أويس علي محمود، الذي قال إنه ربما التقط العدوى أثناء عمله في المطعم، أو من وسائل النقل الجماعية، مضيفا أنه نقل العدوى لكل أفراد عائلته الستة، الذين يقطنون معا في بيت واحد بضاحية رينكبي غربي مدينة استوكهولم، إذ أصيبت والدته ذات الثمانين عاما، ثم والده البالغ من العمر (85 سنة) والذي توفي متأثرا بالإصابة، محملا السلطات المسؤولية، لأنها لم تحسن التواصل مع مجتمعات المهاجرين بلغاتهم عند انتشار المرض، خاصة كبار السن ممن لا يتقنون اللغة، وانتظرت أكثر من شهرين بعد تفشي الفيروس للقيام بالأمر، كما يقول.
ما ذهب إليه محمود، تدعمه انتقادات للسلطات السويدية، بعدم وضوح إرشادات الوقاية بالنسبة لأولئك الذين لا يتحدثون السويدية وفق دراسة التفاوتات الكبيرة في معدل الوفيات.
ولم تبدأ مخاطبة المهاجرين بلغاتهم إلا بعد 9 أسابيع، (في الثامن من إبريل الماضي)، من اكتشاف أول إصابة في السويد نهاية يناير/كانون الثاني الماضي وفق ما وثقه معد التحقيق من خلال الفيديوهات الإرشادية بلغات مختلفة التي أنتجتها المجالس الإدارية للمحافظات نيابة عن مصلحة الحماية المجتمعية.
وتم وضع "خط هاتفي جديد للتوعية بإرشادات الحماية من فيروس كورونا للأشخاص ذوي الأصول المهاجرة" وفق ما توضحه التعليمات الصادرة عن مركز عبر الثقافات Transkulturellt Centrum (يعنى بقضايا المهاجرين الصحية والثقافية)، والذي أشار إلى تجهيز الخط الهاتفي من قبل المرشدين الصحيين في المركز للإجابة عن الأسئلة العامة حول فيروس كورونا باللغات "العربية، الصومالية، الفارسية، التغرينية، الأمهرية، والروسية".
ويمكن الاتصال على الرقم 08-12368000 حيث توجد مقدمة قصيرة باللغة الإنكليزية، تليها مقدمة أطول باللغة العربية ثم يتم تحديد اللغة المطلوبة عن طريق اختيار الرقم وفقا للمصدر ذاته.
مسؤولية مشتركة
هل يمكن الحديث إذن، عن سياسة صحية تمييزية، أو انعدام للثقة في السلطات الصحية من قبل المهاجرين؟ "لا هذا ولا ذاك" يجيب جان أوسترغرن، عضو هيئة تحرير المجلة الطبية السويدية، وأستاذ الطب الباطني ردا على سؤال "العربي الجديد"، قبل أن يحيل معد التحقيق إلى دراسة التفاوتات الكبيرة في معدل الوفيات التي نشرتها المجلة الطبية، والتي أرجعت الأسباب إلى الاكتظاظ، والفرص المحدودة للعمل من المنازل والاعتماد على وسائل النقل العام، والاتصال الوثيق مع كبار السن، خاصة أن نسبة كبيرة من أولئك الذين يعيشون في مناطق مزدحمة بالمهاجرين من بلدان أخرى، وفرصهم في التباعد الاجتماعي وعزل الفئات المعرضة للخطر أقل.
وهو ما يؤيده الطبيب السويدي من أصول أوزباكستانية محيي الدين شيرينوف، الباحث في قضايا الهجرة، ومنسق في كلية المجتمع بمنطقة شيستا في استوكهولم، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن انتشار الوباء في أوساط المهاجرين، يرجع لأسباب تتعلق بثقافتهم وطريقة عيشهم، وبوضعهم الهش، مشيرا إلى أن الترابط الاجتماعي الوثيق بين أبناء بعض الجاليات، يدفعهم للعيش مجتمعين، ومواجهة الفيروس. المسؤولية مشتركة، وتتطلب عملا من الجانبين" كما يقول.
ويتفق معه المهاجر المغربي عمر المعلوم، والذي يقطن خارج ضواحي استوكهولم، إذ يحمل المسؤولية لنفسه، لأنه لم يتعامل بصرامة مع الاحتياطات، رغم أن لديه إمكانية بالعمل في أماكن متعددة بما فيها من البيت، مضيفا أنه لا يعلم كيف ومتى وأين أصيب بالعدوى، بحكم تنقله الدائم في أماكن عديدة، وهو ما تؤكد عليه العشرينية السورية هبة عبدو، التي أصيبت بالفيروس في إبريل الماضي لذات السبب كما قالا لـ"العربي الجديد".
مبادرات إنسانية
تنفي سيسيليا ساندال، مديرة التواصل في الجمعية الطبية السويدية، وجود نهج معتمد لأي سياسة صحية تمييزية، قائلة لـ"العربي الجديد":" الأطباء والممرضون ومساعدو الرعاية، يبذلون قصارى جهدهم مع الجميع دون أي تمييز".
وللحد من انتشار الوباء والتخفيف من تداعياته، تنشط منظمات وجمعيات بين المهاجرين في السويد، منها قطار المستقبل (تأسست في 1979 بهدف دعم المهاجرين نفسيا واجتماعيا) والتي تعمل خلال جائحة كورونا على إقامة الأنشطة الخارجية للمهاجرين وطالبي اللجوء في الهواء الطلق من أجل تخفيف الضغوطات النفسية عنهم، نتيجة للضغط والمكوث في المنازل وفق ما يقول الأخصائي النفسي ورئيس الجمعية يوسف الجباري، لـ"العربي الجديد".