(فاطمة سلامة/ موقع العهد الإخباري)
لم تعد ظروف انتشار وباء "كورونا" في لبنان خافية على أحد. الأمور وصلت حداً خطيراً حتى باتت على حافة فقدان السيطرة. وما يزيد الأمر سوءاً هو القدرة المحدودة للمستشفيات. ففي حال تفشى الوباء أكثر ستنسحب علينا -لا سمح الله- تجربة بعض الدول التي توفي مصابوها في ممرات المستشفيات، كما يقول مدير عام وزارة الصحة الدكتور وليد عمار لموقعنا. ومن هنا جاءت توصية وزير الصحة الدكتور حمد حسن بإقفال البلد أسبوعين، بعدما بدأ مسار التفشي المجتمعي للوباء يأخذ منحى جدياً وخطراً. والمؤسف، أنّ لبنان كان في عداد الدول التي تُرفع لها القبعة لطريقة مكافحتها لوباء "كورونا" حتى تحوّل الى مضرب مثل في العديد من البلدان، قبل أن يتراجع خطوات وخطوات الى الوراء لعدة أسباب على رأسها الاستهتار الذي أبداه مواطنون في التعامل مع هذا الوباء الداهم. فما الأسباب التي أدّت الى ارتفاع عداد الإصابات؟ وكيف السبيل لتدارك الوضع؟.
خوري: اذا أكملنا على هذا المنوال أسبوعاً أو أسبوعين سنفقد السيطرة حتماً
عضو لجنة التدابير الوقائية من فيروس كورونا مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية والاجتماعية النائب السابق الدكتور وليد خوري يُشدّد على أننا أمام بداية تفشي وباء كورونا في كافة المناطق، بعدما كنا في مرحلة الاحتواء. هل فقدنا السيطرة؟ يقول خوري" لا نزال نسيطر نوعاً ما ولكن اذا أكملنا على هذا المنوال أسبوعاً أو أسبوعين سنفقد السيطرة حتماً". ويشدّد خوري على أننا لا نطلب شيئا مستحيلا من المواطنين بل الالتزام بثلاثة أمور بديهية "ارتداء الكمامة، غسل اليدين، والتباعد الصحي". يتأسّف خوري لعدم الالتزام بهذه الإجراءات رغم بساطتها ويحذّر من أننا أمام منعطف خطير جداً اذ بعدما كنا في عداد أفضل البلدان تراجعنا كثيراً. هذا التراجع حصل في الكثير من البلدان عندما رفعت التعبئة العامة -يقول خوي- الذي يوضح أننا لا زلنا في الموجة الأولى التي سبق أن تغلبنا عليها بعدما أصبحنا على مشارف صفر إصابات، ولكن كنا بحاجة الى أسبوعين إضافيين لتثبيت هذا الواقع.
زيادة في أعداد الإصابات غير منتظرة
ويلفت مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية والاجتماعية الى أنّ هناك زيادة في أعداد الإصابات غير منتظرة، فضلاً عن زيادة أعداد الإصابات مجهولة المصدر. ومن أدى الى هذا الواقع ليس القادمين من الخارج -كما يعتقد البعض- رغم حصول بعض التجاوزات من قبلهم، ولكن ما أدى الى هذا التفشي هي الإصابات غير معروفة المصدر، وهنا تكمن الخطورة مع صعوبة تعقب هذه الإصابات. وفق خوري، فإن أجهزة الرصد في الوزارة لم يعد باستطاعتها رصد الإصابة صفر لكثير من الإصابات، وهذه الأعداد تخطّت الـ20 بالمئة، وهذا ما يدعونا الى ضرورة إحداث صدمة لالتقاط أنفاسنا لأنه وفي حال تفاقمت الأمور لن يعود بمقدورنا تهدئة الهجمة على المستشفيات. وهنا يوضح خوري أنّ أجهزة الوزارة بأكملها والمستشفيات والأطباء لن يعود بمقدورهم تهدئة هذا الوضع، وفي هذا السياق، علا صوت مستشفى الحريري لأنه لم يعد قادرا على استيعاب المزيد، فضلاً عن أن المستشفيات الحكومية تعاني من نقص كبير في الجهاز البشري، ناهيك عن أنّ المستشفيات الخاصة تشكو من عدم دفع الدولة للمستحقات المتوجبة عليها منذ سنوات، ونحن هنا أمام إشكالية كبرى.
القطاعات أعطتنا وعودا زائفة
وفي الختام، يأسف خوري للالتزامات التي أعطيت لنا من قبل القطاعات والتي كانت زائفة لأنهم التزموا معنا في الكثير من المعايير لمدة أسبوع وأسبوعين فقط قبل أن تعود الأمور الى "التفلت". وهنا يحمّل خوري المواطن المسؤولية، وهو الأمر الذي سيدفع الحكومة الى التشدد في الإجراءات غداً، لكن العصا غير كافية ونحن بحاجة الى وعي الجميع، يضيف خوري.
بو درغم: المسؤولية مسؤولية مجتمع وليست دولة فقط
وفي الوقت الذي تُوجّه فيه أصابع المسؤولية عن تفاقم الأوضاع الى القطاع السياحي، يرفض عضو لجنة التدابير الوقائية من فيروس كورونا مستشار وزير السياحة مازن بو درغم تحميل القطاع السياحي الجزء الأكبر من مسؤولية ما وصل اليه البلد اليوم. وفق قناعاته، فإنّ الأمر مرهون بحس المواطنة الذي يجب أن يتمتّع به الفرد وبالمسوؤلية التي يجب أن يتحلى بها المواطن لجهة مكافحة خطر وباء "كورونا" الداهم على العالم بأسره. ذاك الوباء الذي حدا بكافة بلدان العالم الكبيرة والصغيرة الى التزام أقصى درجات الحيطة والتقيد بالشروط الوقائية كوسيلة وحيدة لمواجهة فيروس كورونا الذي ضرب قطاعي الصحة والاقتصاد الركنين الأساسيين في كافة البلدان.
ويؤكّد بو درغم أنّ الوضع مأزوم ونحن طالبنا بإعادة إقفال كافة المؤسسات السياحية، ونؤيّد ما دعا اليه وزير الصحة بضرورة إقفال البلد بشكل تام لمدة أسبوعين. ويستطرد المتحدّث: "قد يلومنا البعض بالقول إن الوضع الاقتصاد سيئ، ونحن نقول لأنّ الوضع الاقتصادي سيئ ولأننا في وضع حرج ولا نحتمل مفاجآت كوورنا الجديدة، علينا أن نتأنى ونقفل البلد، لنعاود الافتتاح بمسؤولية كبيرة". بحسب بو درغم، اذا لم يتم فتح البلد بمسؤولية لن ينتهي المرض ولن نستطيع أن نخرج من الحفرة التي نحن فيها. علينا أن نتحمّل جميعنا المسؤولية، وهذه المسؤولية ليست مسؤولية دولة -وفق المتحدّث- بل مجتمع بكامله والدولة جزء أساسي من هذا المجتمع، وعليه لا حل سوى بالتباعد والتوعية. برأيه، وبدل أن نلوم بعضنا البعض يجب أن نعمل لتدارك الأسوأ وأن نتعاطى بإيجابية. برأيه، فإنّ أشد ما نحتاجه اليوم هي التوعية وتنبيه الناس من الخطر الداهم.
الضابطة والشرطة السياحية لم تُقصّر بمهامها
وعلى الصعيد السياحي، يوضح بو درغم أن الضابطة والشرطة السياحية لم تُقصّر بمهامها وتولّت مهمة تسطير المحاضر لضبط المخالفات. وفي المقابل، يرى عضو لجنة التدابير الوقائية من فيروس كورونا أن المطاعم والمقاهي التي لم تلتزم بالقدرة الاستيعابية المحددة أخطأت، لكنّه لا يستبعد مسؤولية المواطنين. بتقديره، فإنّ المواطنين يتحملون جزءاً من المسؤولية، كما يتحمّل القادمون من الخارج جزءاً من المسؤولية أيضاً. برأي المتحدّث فإنّ ما وصلنا اليه لم يكن نتيجة الانضباط ولا الالتزام بالحجر والتباعد الاجتماعي، بل نتيجة الاستهتار على جميع الأصعدة وعدم الوعي. وهنا يُشدّد بو درغم على أنّ الفيروس أصبح جزءاً لا يتجزأ من الحياة، ويجب أن نتأقلم معه مع واجب اتباع تدابير ثلاثة: ارتداء الكمامة، وغسل اليدين، والتخلص من العادات سيما تلك المتعلقة بضرورة الالتزام بالتباعد الاجتماعي.
عندما نعاود افتتاح القطاع السياحي سنتخذ أقسى درجات العقوبة
ويُشدّد المتحدّث على أننا وعندما نعاود افتتاح القطاع السياحي، سنتخذ أقسى درجات العقوبة بحق المؤسسات السياحية المخالفة، وستصل العقوبة حد إقفال أي مؤسسة لا تلتزم الشروط الصحية بالشمع الاحمر، لأننا اذا لم نلتزم بالإجراءات المطلوبة سنعرّض القطاع السياحي للخطر، ونحن لن نتحمل تعرض هذا القطاع الذي يعد بمثابة "الأوكسيجين" الذي يتنفس منه الاقتصاد اللبناني للخطر. وهنا يُشدّد بو درغم على أنّ كافة دول العالم حثّت على تشجيع السياحة نظراً لأهمية هذا القطاع، ونحن اليوم للأسف خسرنا "ختم" الوجهة السياحية الآمنة بعدما تأزم الوضع الصحي كثيراً وعدنا الى الوراء.
الندم لم يعد ينفع
ويُشدّد بو درغم على أننا وصلنا الى ما وصلنا اليه، والندم لم يعد ينفع. وفق حساباته، لا يمكننا أن نعود الى الوراء أي الى الوضع الجيد، ولكن لا زلنا في مكان قادرين على استدراك الوضع لنكمل بطريقة أفضل. الى أين وصلنا اليوم؟ يجيب المتحدّث على السؤال بالقول "عندما يصبح لدينا 170 حالة إيجابية في اليوم، مقابل قدرة استيعابية محدودة في المستشفيات ولن تتغيّر، ومقابل عدد أسرة محدود في العناية الفائقة، هنا لا بد من اتخاذ أقسى درجات التنبه". ويوضح بو درغم أنّنا في السابق اتبعنا طريقة إطالة أمد انتشار المرض، مقابل تحجيم عدد الإصابات اليومية لتبقى القدرة الاستيعابية للمستشفيات حاضرة ويتمكن الطاقم الطبي من تغطية المصابين. ولكن اليوم، انكسرت هذه القاعدة نتيجة ازدياد عداد الإصابات بشكل سريع.
لماذا ارتفع عداد الإصابات بهذه السرعة؟ برأي بو درغم، يتحمّل القادمون من الخارج جزءاً من المسؤولية بسبب عدم التزام بعضهم بالحجر وفي هذا الصدد تحضر العديد من الأمثلة. تماماً كما يتحمّل أصحاب المؤسسات جزءاً من الاطراد السريع للأعداد. هؤلاء ونتيجة الوضع الاقتصادي السيئ وتدهور عمل المؤسسات السياحية جراء ارتفاع سعر صرف الدولار استقبلوا أعداداً أكبر من المسموح بها، اذ إنّ أي مؤسسة سياحية وعندما تستقبل نسبة الـ50 بالمئة من القدرة الاستيعابية فإنّها لا تجني كلفة أتعابها. في هذا السياق، لا ينكر بو درغم حصول بعض الاستهتار، وهذا الأمر شهدناه في الكثير من الأماكن والمحلات التجارية والمنتجعات السياحية وفي حفلات الأعراس، وحتى في التعازي.
لكن حياة الناس برأي بو درغم مستمرة، ويجب أن تبقى مستمرة فنحن لا نستطيع إيقافها بسبب الوضع الاقتصادي الذي لا يحتمل. وفي الوقت نفسه، دفعنا ثمن انتشار المرض، ما يُحتّم علينا ضرورة إجراء التوازن بين الوضعين الاقتصادي والصحي. كيف يمكننا إجراء التوازن؟ يجيب بو درغم بالقول "عبر التوعية وحس المسؤولية للمواطن اللبناني الذي نجح في كل المراحل وتخطى أزمات كبيرة، ونحن اليوم أمام أصغر أزمة لأنّ المسألة لا تتطلب منه سوى ثلاثة أمور: ارتداء الكمامة، الالتزام بالتباعد الاجتماعي، وغسل اليدين. على كل مواطن أن يكون خفيرا ومسؤولاً، فنحن كوزارة ليس بمقدورنا سوى ملاحقة الناس وتسطير محاضر ضبط بحقها، لكنّ ضبط المخالفات لا يجدي نفعا في ظل الوضع الاقتصادي. وحده الوعي هو الذي يجدي نفعاً، يختم بو درغم.