(صحيفة النيويورك تايمز)
قد نتذكر صيف 2020 كإحدى المحطات المهمة في تاريخ أميركا. فأينما نظرت تجد آباء لا يعرفون أين أو ما إذا كان أطفالهم سيذهبون إلى المدرسة في خريف هذا العام أم لا، ومستأجرين لا يعرفون هل سيتم طردهم أم لا، ومتى، وعاطلين عن العمل لا يعرفون أي شبكة أمان سيوفرها لهم الكونغرس، وشركات لا تعرف كيف أو إذا كان بإمكانها البقاء، ولا أحد منا يعرف إن كنا قادرين على التصويت في شهر نوفمبر أم لا.
هذا جزء يسير من القلق المتراكم تحت اقتصادنا ومجتمعنا ومدارسنا وشوارعنا، لأننا فشلنا في إدارة المعركة مع فيروس «كورونا». فلدينا %25 من جميع حالات العدوى المسجلة في العالم، بينما لا نمثّل أكثر من %4 فقط من سكان العالم. ومن المفارقة، أن فيتنام، التي لديها أقل من ثلث عدد سكان الولايات المتحدة، والتي لم تسجل سوى 416 حالة ولا وفيات فيها، تشعر بالأسف تجاهنا.
كيف أصبحنا غير أكفاء؟
لو - لا سمح الله - دُفنت أميركا تحت الحمم البركانية وجاء علماء الآثار في المستقبل للبحث عن إجابة لهذا السؤال الضخم، فليس لدي شك في أنهم خلال الاستكشاف سيجدون أن السبب هو مادة بسيطة لا يكلف صنعها سوى بنسات قليلة، وسهلة الارتداء: إنها الكمامة.
وبالنسبة لشيء من المفترض أن يغطي أفواهنا، فالكمامة عكست الكثير عن مدى الجنون الذي وصل إليه البعض، حيث جعلوا ارتداء كمامة لمنع انتشار العدوى قضية حرية تعبير وعلامة ثقافية، في أغنى دولة في العالم، وأكثرها تقدماً من الناحية العلمية.
تسييس الكمامة
ليس هناك ما هو أدعى للإحباط من ذلك. ولا شيء يعيدنا أكثر من ذلك، إلى المؤخرة في الحرب ضد «كوفيد - 19»، والمجتمع الذي يمكنه تسييس شيء بسيط مثل الكمامة في ظل جائحة قادر على تسييس كل شيء، ويمكن أن يجعل أي شيء كالفيزياء والجاذبية وهطول الأمطار وغير ذلك قضية خلافية. والمجتمع الذي يسيّس كل شيء لن يدرك مطلقاً إمكاناته الكاملة في الأوقات الجيدة، ولن يمنع الأسوأ في الأوقات السيئة.
وهذا ما نحن عليه الآن. عندما تقارن التضحيات - بما في ذلك التضحية النهائية - التي قدمها أكبر جيل من الأميركيين للدفاع عن مواطنيهم من آفة النازية، مع قلة استعداد أعضاء جيل اليوم للتضحية للدفاع عن مواطنيهم الأميركيين من آفة «كورونا» من خلال ارتداء الكمامة فقط، فإن ذلك يجعلك عاجزاً عن الكلام.
ولا عذر لنا في ذلك. إن الامتناع عن ارتداء الكمامة هو سلوك ينم عن أنانية، هراء تحرري ودفاع زائف عن الحرية.
الحرية الشخصية
ومع ذلك، ظل رئيسنا ونائب الرئيس، ومعظم المحافظين الجمهوريين وأتباعهم، طوال شهور، يساوون بين رفض ارتداء الكمامة ورفض التعدي على الحرية الشخصية، بدلاً من تشجيع أكثر وأرخص الأشياء فعالية للحد من انتشار الفيروس وعودة الموظفين إلى العمل والأطفال إلى المدرسة.
إن محاربة الرئيس ترامب للأقنعة ليس لها علاقة بأيديولوجية، بل هي معارضته البدائية لأي شيء من شأنه أن يسلط الضوء على الأزمة الصحية الحقيقية، وبالتالي قد تضر بإعادة انتخابه.
لكن نائب الرئيس مايك بنس ألبس مقاومته القاتلة زياً دستورياً أنيقاً. فعندما سأله أحد الصحافيين قبل بضعة أسابيع لماذا بدا الرئيس غير مهتم بغياب الكمامات والتباعد الاجتماعي، رد بنس: «أريد أن أذكرك مرة أخرى أن حرية التعبير والحق في التجمع السلمي مضمونة في دستور الولايات المتحدة. وحتى في ظل أزمة صحية، لا يفقد الشعب الأميركي حقوقه الدستورية».
انتهاك الدستور
يا له من احتيال. وكما أشار جون فين، الأستاذ في جامعة ويسليان، في موقع TheConversation.com، «هناك سببان يجعلان ارتداء الكمامة انتهاكاً للدستور. أولاً، الكمامة لا تمنعك من التعبير عن نفسك. وبالإضافة إلى ذلك، فإن جميع الحريات التي يكفلها الدستور، ليست مطلقة. وتخضع جميع الحقوق الدستورية لسلطة الحكومة في حماية صحة وسلامة ورفاهية المجتمع».
ووجدت دراسة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية على الدول التي لم تنجح فقط في تسطيح منحنى الفيروس، بل «سحقته»، أن المفتاح لإعادة فتح الاقتصادات مع احتواء انتقال الفيروس أيضا هو «التباعد الجسدي، وغسل اليدين بشكل متكرر، والاستخدام الواسع النطاق للكمامات، وحقيقة ان هذه الحكومات وضعت مبادئ توجيهية مفصلة للعناصر الثلاثة عندما يتعلق الأمر بإعداد أماكن العمل والمدارس ووسائل النقل العام.
لكن علماء الآثار المستقبليين سيكونون على حق أيضا في التركيز على كمامات الوجه، لأن الصراع الشديد مبكراً بين القادة الجمهوريين المؤيدين لترامب وأولئك المؤيدين لارتداء الكمامة، مثّل مدى البعد عن المسار التاريخي للحزب الجمهوري. كما كان هذا بمنزلة تذكير صارخ آخر بأنه لا يمكننا أن نكون في أفضل حالاتنا كدولة، خصوصاً حينما نكون في حالة وباء، من دون وجود حزب محافظ مبدئي، يقوم على العلم والحقيقة».
واجب مزدوج لقد ذكرت مجلة فوربس الأسبوع الماضي أن «من بين الولايات التسع عشرة التي لم تصدر توجيهات بارتداء الكمامات، هناك 18 ولاية يديرها حكام جمهوريون». ولكن، دعونا نوجه تحية صغيرة للحكام الجمهوريين لاري هوغان (ميريلاند) ومايك دي واين (أوهايو) وإريك هولكومب (إنديانا) وكاي آيفي (ألاباما) الذين أيدوا ارتداء الكمامة. إنه ليس فقط جيدا للصحة البدنية لدولهم ولكن أيضا للصحة السياسية.
إن ارتداء كمامة في هذا الوباء هو علامة على احترام مواطنيكم وجيرانكم، بغض النظر عن عرقهم أو عقيدتهم أو انتمائهم السياسي. ارتداء الكمامة يعني القول: «أنا لست مهتماً بنفسي فقط. أنا قلق عليك أيضا. نحن جميعا جزء من مجتمع واحد وبلد واحد ونضال واحد من أجل البقاء بصحة جيدة».
كان يمكن لرئيس آخر أن يحض كل أميركي، منذ بداية هذا الوباء، على ارتداء كمامة حمراء وبيضاء وزرقاء. كان سيستخدم مثل هذه الكمامة للقيام بواجب مزدوج، القضاء على كورونا وجمعنا معا للمسيرة الطويلة اللازمة للقيام بذلك. ولكن -كما قلت - فإن الأمر بحاجة الى رئيس آخر.