(جريدة القبس الكويتية)
في وقت يعاني العالم تزايد حالات الإصابة والوفيات جراء «كورونا»، الذي ضرب مختلف أنحاء العالم، وتتسابق الدول لبلوغ دواء ناجع، أعلنت روسيا، أمس، عن أول لقاح ضد الفيروس المستجد، الذي أطلق عليه اسم «سبوتنيك في».
وتمثّل روسيا رابع أعلى عدد إصابات بـ«كوفيد - 19» في العالم، بعدد يبلغ قرابة 900 ألف، بينما وصلت الوفيات إلى 15 ألفاً و131.
لكن عدم كشف موسكو تفاصيل تتعلق بمعايير السلامة والاختبارات المطلوبة، التي خضع لها اللقاح قبل استخدامه، يثير مخاوف حقيقية بشأن أمانه وفاعليته.
وفي ما يلي إضاءة على أبرز المعلومات المتعلقة باللقاح وإيجابياته ومخاطره والانتقادات الموجهة إليه.
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، خلال اتصال عبر الفيديو، مع وزراء حكومته، عن أول لقاح ضد الفيروس المستجد، أطلق عليه اسم «سبوتنيك في»، قائلاً: «هذا الصباح، ولأول مرة في العالم، تم تسجيل لقاح ضد فيروس كورونا المستجد» في روسيا، مضيفاً: «أعلم أنه فاعل بما فيه الكفاية، وأنه يعطي مناعة مستدامة»، لافتاً إلى ان اللقاح اجتاز كل الاختبارات. وأكد بوتين أن إحدى بناته حصلت على اللقاح. وتابع: «أعتقد أنها في مرحلة ما شاركت في التجارب»، مشيراً إلى أن حرارتها ارتفعت قليلاً «وكان هذا كل شيء».
ما تقنيته؟
تعمل بعض الفرق على لقاحات تقليدية باستخدام فيروس «ميت»، وهذه اللقاحات هي فئة اللقاحات «المعطلة». وهناك أيضا ما يسمى لقاحات «الوحيدات» التي تعتمد على البروتينات (المستضدات الفيروسية) التي تُحدث استجابة مناعية، من دون أن تحتوي على الحمض النووي الفيروسي.
وهناك لقاحات أخرى تُعرف باسم لقاحات «ناقلات الفيروس» وهي أكثر ابتكاراً، إذ تستخدم فيروساً حميداً، كناقل يتم تحويله وتكييفه لمكافحة «كوفيد-19».
هذه هي التقنية التي اختارها الروس، وكذلك جامعة أكسفورد، وهي تستخدم فيروسات غدية من الشمبانزي، وهي عائلة فيروسية شائعة جداً.
وأخيراً، تعتمد المشاريع الأخرى على لقاحات تحتوي على الحمض النووي (دنا) أو مرسال الحمض النووي (رنا) وهي منتجات تجريبية تستخدم قِطعاً من المادة الوراثية المعدلة.
ما تقييمه؟
اللقاح الروسي الذي طوره مركز «نيكولاي غاماليا» لعلم الأوبئة والأحياء الدقيقة بالتعاون مع وزارة الدفاع مُدرج في المرحلة الأولى في قاعدة بيانات منظمة الصحة العالمية.
ومع ذلك، يؤكد صندوق الثروة السيادي الروسي المشارك في تطويره أن المرحلة الثالثة من التجارب الإكلينيكية ستبدأ اليوم. وتقول السلطات الطبية الروسية إن المعلمين والطاقم الطبي سيبدؤون بتلقي اللقاح ابتداء من الشهر الجاري، قبل طرحه للتداول في 1 يناير 2021 بين السكان.
ما نتائجه؟
تؤكد وزارة الصحة الروسية أن لقاحها يسمح «بتكوين مناعة طويلة» الأمد، مقدرةً أن تستمر الاستجابة المناعية مدة عامين. لكن المشكلة تكمن في أنه لم يتم نشر البيانات التي تستند إليها هذه الادعاءات.
وتقول عالمة الفيروسات الفرنسية ماري بول كيني النائبة السابقة للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية إن «هذا الإعلان سابق لأوانه لأننا لا نعرف بعد ما إذا كان هذا اللقاح (أو أي لقاح آخر) سيقي من كوفيد-19» ولا «ما ستكون عليه مدة الاستجابة المناعية»، معتبرة أنها لا تكون في الواقع «لدى الإنسان لأكثر من بضعة أشهر أو أسابيع» بعد الجرعات الأولى.
بشكل عام، لم تنشر سوى نتائج أولية للتجارب الجارية، أي للمرحلتين الأولى والثانية، وآخرها للقاح الذي تعمل عليه جامعة أكسفورد وشركة «كانسينو» الصينية، وقد نُشرت في 20 يوليو، وبينت أن المرضى يتحملونه جيداً، وأنه يُحدث «استجابة مناعية قوية».
ولكن، يقول جوناثان بول أستاذ علم الفيروسات الجزيئية في جامعة نوتنغهام البريطانية: «لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت مستويات المناعة هذه يمكن أن تحمي من العدوى (...) ولا إذا كان هذا اللقاح يمكن أن يحمي الأكثر ضعفاً من الأشكال الخطرة من كوفيد-19».
بالإضافة إلى ذلك، تقترح دراسة بريطانية نُشرت منتصف يوليو أن المناعة التي تعتمد على الأجسام المضادة يمكن أن تختفي في غضون بضعة أشهر في حالة «كوفيد-19»، ما قد يعقّد تطوير لقاح فاعل على المدى الطويل.
ما مشكلات السلامة؟
بعد الإعلان الروسي، حذرت «الصحة العالمية» من أن ترخيص اللقاح يتطلب إجراءات «صارمة»، بما في ذلك مراجعة وتقييم جميع بيانات السلامة والفعالية المطلوبة التي تم جمعها في التجارب الإكلينيكية.
وحذرت وكالة الأدوية الأوروبية من قبل من أنه «للسماح بتسويق لقاح ضد كوفيد-19، ينبغي أن توفر التجارب الإكلينيكية مستوى عاليا من الأدلة على سلامته وفعاليته وجودته».
ولوحظت ظاهرة تفاقم المرض عند البشر أيضاً في ستينيات القرن الماضي مع بعض لقاحات الحصبة التي سُحبت من التداول، وضد التهاب القصيبات عند الأطفال، التي تم التخلي عنها.
كما يبدو الإعلان الروسي سابقاً لأوانه بالنسبة للعديد من العلماء. لا معلومات منشورة حول أي اختبار لهذا اللقاح، أو أنه وصل إلى المرحلة الأخيرة منه.
وتحتفظ «الصحة العالمية» بقائمة شاملة لتجارب اللقاحات في جميع أنحاء العالم، وفي أحدث نسخة من قائمة المنظمة، لا مرحلة روسية لهذا اللقاح.
وكانت المنظمة حذّرت، الأسبوع الماضي، من أن روسيا يجب ألا تبتعد عن الأساليب المعتادة لاختبار لقاح، من أجل السلامة والفعالية.
وترى صحيفة نيويورك تايمز أنه «تم تسريع اللقاح الروسي عبر التجارب المبكرة على القرود والبشر، وأثبت فاعليته، لكن المنظمة العلمية التي طورت اللقاح، وهي معهد نيكولاي غاماليا لعلم الأوبئة والأحياء المجهرية، لم تختبره بعد على نطاق واسع في تجارب عالية التحكم، وهي عملية يُنظر إليها على أنها الطريقة الوحيدة لضمان اللقاح وأنه آمن وفعال».
وذكر وزير التجارة الروسي دينيس مانتوروف أن 3 شركات طبية حيوية ستتمكن اعتباراً من سبتمبر، من إنتاج اللقاح بكميات كبيرة، مضيفاً أن بلاده تلقت طلبات من 20 دولة للحصول على مليار جرعة.
وأعلن الأردن رسمياً نيته شراء اللقاح الروسي، وقال كيريل دميترييف، رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي إن روسيا وافقت على إنتاج لقاحها في خمس دول، وتتيح السعة لدينا إنتاج 500 مليون جرعة سنوياً. وفي وقت سابق، أفاد الصندوق بأنه تجري مناقشة مع السعودية وكازاخستان والبرازيل والهند وكوبا لإنتاج اللقاح.
ما رأي فاوتشي؟
مطلع الشهر الجاري، شكَّك خبير الأمراض المعدية أنتوني فاوتشي، عضو خلية مكافحة «كورونا» في الولايات المتحدة، في سلامة اللقاحات التي يتم تطويرها حالياً في روسيا والصين.
وخلال جلسة استماع أمام الكونغرس، قال: «آمل حقاً في أن يختبر الصينيون والروس لقاحاتهم قبل استخدامها على أي فرد». وأضاف أن «الإعلان عن تطوير لقاح يمكن توزيعه حتى قبل اختباره يطرح في رأيي مشكلة لكي لا أقول أكثر من ذلك». وذكر أن الولايات المتحدة لن تضطر للاعتماد على اللقاحات التي تطورها دول أخرى، خصوصاً الصين وروسيا، حيث الأنظمة التنظيمية أكثر غموضاً بكثير مما هي عليه في الغرب.
سبب التسمية
أفاد رئيس الصندوق السيادي الروسي كيريل ديمترييف، رئيس الصندوق المشارك في عملية تطوير اللقاح، بأن تسمية اللقاح تشمل كلمة «سبوتنيك» تيمّناً باسم القمر الصناعي السوفياتي، وهو أول مركبة فضائية وضعت في المدار، وكلمة «سبوتنيك» تعني بالروسية «الرفيق»، هو مصطلح شيوعي شهير جداً. وتابع أن التسمية تضم «في» التي تمثل أول حرف من كلمة لقاح في لغات أجنبية عدة.