(موقع العهد الإخباري)
قبل فترة، كان لبنان "مضرب مثل" لناحية الإجراءات المتّخذة لمواجهة "كورونا". كان عداد الإصابات حينها يُسجّل حالتين، ثلاثة، أو حتى أرقاماً لا تتعدى أصابع اليدين. وفي حال تعدّت ذلك، كان يتسلّل الرعب الى المواطنين. اليوم، اختلف حال لبنان رأساً على عقب. لم يعد وباء "كورونا" تحت السيطرة، لا بل يشهد تفشياً غير مسبوق في المجتمع. الحالات التي تُسجّل يومياً بالمئات، ورغم ذلك لا يزال الاستهتار سيد الموقف. انعدام المسؤولية الذي بدا واضحاً لدى البعض أوصل البلد الى ما هو عليه، فيما الآتي أعظم وفق ما يقول أصحاب الشأن والاختصاص. والجدير قوله إنّه ومهما اتخذت الدولة من إجراءات، فإنّ ذلك لن يكون كافياً طالما الاستهتار لا يزال موجوداً. المطلوب من كل مواطن أن يكون خفيراً يتعامل مع الآخرين على أنهم مصابون، ويعاملونه على أنه مصاب. هذه القاعدة كَلّ لسان الأخصائيين من تردادها ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي. كورونا لا يزال مزحة لدى البعض، وأبسط الأمور المتمثّلة بارتداء كمامة لا تزال غير موجودة في قاموس كثيرين، فيما النتيجة ارتفاع هائل بأعداد الإصابات، وأرقام صادمة. الواقع الذي يجعلنا أمام تحد حقيقي وفق ما يقول وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن اليوم الإثنين معلناً النفير العام. والمؤسف أنّ ما يزيد المشهد سوداوية هو امتلاء الأسرّة في المستشفيات في بيروت، ما يعني حكماً أننا أمام مرحلة جديدة قد لا يجد فيها المصابون لاحقاً موطئ قدم في المستشفيات.
فكيف يبدو المشهد اليوم؟ الى أين ذاهبون؟ وما المطلوب لتفادي الأسوأ؟.
عراجي: لامسنا الخط الأحمر
رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي يؤكّد في حديث لموقع العهد الاخباري أنّ الإصابات ستشهد المزيد من الارتفاع في الأيام القادمة. الخوف الأكبر -بنظره- من الإصابات الخطرة التي تتطلّب دخول العناية الفائقة والتي امتلأت أقسامها في بيروت ولم يعد باستطاعتها استقبال المزيد، كما أنّها على وشك الامتلاء بالمحافظات في الأيام القادمة. ماذا يعني ذلك؟ يعني حكماً أننا ذاهبون الى مكان صعب جداً بعد كل هذا الإهمال الذي شهدناه من قبل المواطنين من جهة، وعدم تطبيق الإجراءات التي اتخذتها الدولة من قبل وزارة الداخلية من جهة ثانية. وفق عراجي، على وزارة الداخلية التدخل فوراً لإلزام المواطنين بالكمامة وإلغاء الأعراس وكافة أشكال التجمعات والاختلاط.
وفيما يُشدّد عراجي على أنّ الواقع يتطلّب إقفال البلد على وجه السرعة، يستطرد بالإشارة الى أننا حتى ولو أقفلنا البلد ولم تلتزم الناس بالإجراءات، فإننا حكماً أمام مشكلة كبيرة. وفق قناعات المتحدّث، على المواطنين التعايش مع شيء يدعى "كورونا"، فالمسألة ليست مزحة، ونحن دخلنا في مرحلة خطرة جداً ولامسنا الخط الأحمر، بعدما وصلنا الى مرحلة الانتشار الواسع جداً مع ارتفاع عداد الإصابات بنسبة 10 بالمئة يومياً. الرقم كبير جداً، يصاحبه ارتفاع في عدد الحالات الخطرة والتي تتطلّب الدخول الى العناية الفائقة، فيما الوفيات تزداد والمستشفيات الحكومية امتلات بمعظمها، يضيف عراجي.
على وزارة الداخلية تطبيق الإجراءات
وفيما يتعلّق بالمستشفيات الخاصة التي ترفض استقبال مرضى "كورونا"، يقول عراجي "على الدولة أن تتّخذ الاجراءات اللازمة في حال ترددت هذه المستشفيات في استقبال المصابين. على الجيش أن يستخدم سلطة الوصاية عليهم بما أننا في حالة طوارئ، خاصة أن عدد الحالات الخطرة يزداد ولا يمكن القول "لا نريد استقبال المرضى"". ويشير عراجي الى ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة اليوم قبل الغد، اذ من المفترض أن تطبّق وزارة الداخلية الاجراءات لناحية ارتداء الكمامة من قبل المواطنين. الأخيرة ضرورية جداً لحماية المجتمع، ولا يمكن البقاء على ما نحن عليه اليوم في ظل الفلتان غير المسبوق.
هل تتوقعون أن يتخطى عداد الإصابات الألف حالة يومياً؟ يجيب عراجي "كل شيء وارد لأنّ الإصابات ترتفع يومياً أكثر من 10 بالمئة". أما فيما يتعلق بازدياد نسبة الإصابات في أوساط الفئة الشابة، فيوضح عراجي أنّ هذا الأمر طبيعي طالما هذه الفئة من أكثر الفئات المخالطة.
لإقفال البلد
ويدعو عراجي لاتخاذ إجراءات صارمة وحازمة في أسرع وقت ممكن، ما دام الاستهتار من قبل المواطنين موجود. لا ينكر عراجي أننا نشعر بحراجة الوضع الاقتصادي وأن هناك أشخاصا يعملون بـ"اليومية" لتأمين قوت يومهم، ولكن هناك التزامات بسيطة كارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي علينا الالتزام بها. برأيه، تكمن المشكلة الأساسية في أن هناك أشخاصاً لا يعتبرون كورونا حتى الآن سوى مزحة وعليه يجب إقفال البلد ليلتقط القطاع الطبي أنفاسه بعد الحادث المأساوي الذي شهده المرفأ والذي أدى الى حدوث اختلاط كبير بالجهاز الطبي الذي اذا أصيب أفراده -لا سمح الله- سنصبح أمام كارثة.
مخباط: الأرقام غير المعروفة تساوي عدة أضعاف الأرقام المعلن عنها
عضو اللجنة العلمية في وزارة الصحة لمتابعة كورونا والمتخصّص بالأمراض الجرثومية البروفيسور جاك مخباط يلفت الى أنّ الأرقام التي تُسجّل يومياً بالمئات هي أرقام معروفة لدينا، ولكنّ المشكلة الكبرى تكمن في الأرقام غير المعروفة والتي تساوي عدة أضعاف الأرقام المعلن عنها. يوضح مخباط أن وزارة الصحة تجري يومياً حوالى 8 الى 9 آلاف فحص لأشخاص إما لديهم عوارض، سيخضعون لعمليات جراحية، سيسافرون أو قادمين من السفر، وإما مخالطين لحالات إيجابية، فيما هناك أعداد كبيرة من الناس لا تبادر لإجراء الفحوصات، وعليه، فإنّ الأعداد الحقيقية -بحسب مخباط- بالتأكيد أكثر بكثير وتتخطى الألف حالة يومياً خاصة اذا ما احتسبنا المصابين بلا أي عوارض. كم تبلغ نسبة المصابين بلا عوارض؟ بحسب مخباط تبلغ أكثر من 3 الى 4 مرات من الأعداد المعلنة، وهو رقم كبير جداً.
السيناريو الإيطالي بدأ في لبنان
وفي سياق حديثه عن الأسباب، يعتبر مخباط أن إعادة فتح البلد فاقمت الأزمة، يضاف الى ذلك الاستهتار وعدم الالتزام بالكمامة وتحويلها الى "ديكور" للوجه من قبل البعض، فضلاً عن إقامة الحفلات والسهرات. هذا الاستهتار بموازاة عدم تطبيق القوانين من قبل الدولة وإجبار الناس على تطبيق القانون أدخلنا في عمق الكارثة -يقول مخباط- الذي يوضح أنّ السيناريو الإيطالي بدأ في لبنان لناحية امتلاء المستشفيات.
ويلفت المتحدّث الى أنّ قرار إقفال البلد -في حال اتخذ- يكون قد أتى متأخراً مع الإشارة الى ضرورة تطبيقه وإلا يصبح "بلا طعمة". وفي المقابل، لا يرى مخباط من ضرورة لزيادة أعداد الفحوصات اليومية، لكنّ المهم برأيه أن يتم الالتزام بشكل كامل بقرارات الإقفال. وفق مخباط، فإن الدولة غير قادرة على فعل شيء، بينما الاتكال الوحيد هو على المسؤولية الشخصية لكل مواطن. كل فرد منا يجب أن يكون مسؤولاً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى. عليه أن يحمي نفسه ليحمي غيره لأننا لسنا أمام لعبة، ولا أحد بإمكانه أن يحمينا. المطلوب ليس معجزة، بل ارتداء الكمامة، غسل اليدين، والالتزام بالتباعد الاجتماعي.
حمية: معرفة الأرقام لم تعد مفيدة
وفيما يتعلّق بالأرقام ونسب ارتفاع الإصابات والوفيات، يوضح نائب رئيس لجنة علماء لبنان لمكافحة الكورونا (lscc) والمتخصّص في علوم الجزيئيّات الذرية والنانوتكنولوجيا الدكتور محمد حمية أنّ معرفة الأرقام لم تعد الحل في المرحلة التي دخلنا اليها اليوم. علينا -برأيه- أن نتوقّع السيناريو الأسوأ بعدما فقدنا السيطرة الكلية التي لم تعد معها معرفة الأرقام مفيدة بل وحده الالتزام بالاجراءات يُشكّل الضابطة. ويوضح حمية أنّ تسجيل الأرقام بالنسب التي شاهدنا في الأيام الأخيرة بات مؤشراً لانتقال لبنان الى المرحلة التي شهدتها بعض الدول كالبرازيل مثلاً. وفق حمية، فإنّ تسجيل 500 إصابة في لبنان -وعلى هيكلية سكانه القليلة- يعادل 6000 إصابة في البرازيل. ولم يعد من دواعي الأمور -برأيه- النظر الى الأرقام بعدما خرجت الأوضاع عن السيطرة وبتنا نتجه لأن تتزايد الإصابات أكثر في الأيام المقبلة.
ووفق دراسة أجراها حمية، قد نصل الى ما يقارب الـ15 ألف حالة حتى نهاية العام القادم. ولكن هذا لا يعني أننا سنقف عند هذا الحد مع تسجيل أرقام هائلة يومياً. بحسب المتحدّث، علينا أن نعتاد على أرقام الإصابات بالمئات يومياً، وقد نشهد في بعض الفترات ما يقارب الـ750 حالة يومياً، مع استبعاده تسجيل 1000 حالة لأن الهيكلية في لبنان لا تسمح بانتشار العدوى الى هذا الحد.
وفيما يلفت حمية الى أن نسبة الإصابات تبلغ حالياً 5.2 بالمئة، يوضح أن بمقدور لبنان -اذا استمرت العدوى على نفس الوتيرة لعامين قادمين- بمقدوره أن يحتمل عدوى بنسبة 7 بالمئة أي 70 ألف إصابة كأقصى رقم يتحمّله المجتمع اللبناني إن لم يتم العثور على لقاح في وقت قريب. هذا الرقم يتحمله لبنان شرط الاعتماد على "الشفاء" المناعي. ويؤكّد حمية أنّ الإصابات التي نشهدها اليوم كبيرة جداً مقارنة بالمجتمع اللبناني، فنسبة 7 بالمئة بلبنان تعني 40 بالمئة في الصين، مع الإشارة الى أننا نشهد حالات شفاء مرتفعة جداً.
لا حل سوى بالتأقلم
وفي ختام حديثه، يُشدّد حمية على أنّ لبنان دخل مرحلة الانتشار الواسع ولن يعود بمقدوره تثبيت الإصابات أو العودة الى الوراء. انتقلنا الى مرحلة تبدو فيها نسب الإصابات مرتفعة جداً. وفيما يخص أعداد الوفيات، يرى حمية أنها ستكمل بهذه الطريقة حيث أصبحت نسبتها 1.6 بالمئة بعدما كانت 1 بالمئة مع توقع ارتفاعها في القادم من الأيام. يُكرّر حمية، لم يعد بمقدورنا العودة الى الوراء ولا حل سوى بالالتزام بالإجراءات والتأقلم مع كورونا التي أصبحت جزءاً من حياتنا وأمرا واقعا.