نقلا عن موقع العهد الاخباري - فاطمة سلامة
أوائل الشهر المقبل، تستعد إيطاليا -البلد الذي خاض تحدياً كبيراً في ملف كورونا- لفتح أبواب مدارسها. إلا أنّ ما قبل الأزمة مختلف كلياً عما بعدها. تحضيرات بالجملة أنجزها هذا البلد لتأمين تباعد اجتماعي حقيقي بين طلاب المدارس. الأخيرة تعد مركزاً لانتقال العدوى بأعداد هائلة انطلاقاً من أنها المكان الأكثر تعرض للاختلاط. وانطلاقاً أيضاً من أنّ الكثير من التلامذة لا سيما الصغار قد لا يمتلكون الوعي الكافي لتطبيق إجراءات الوقاية. في لبنان، تتفاقم أعداد الإصابات بفيروس "كورونا" بشكل غير مسبوق. زيادة تُهدّد بحجمها القدرة الاستيعابية للقطاع الاستشفائي، ما يضع لبنان أمام خيارات محدودة جداً. وقد كان لافتاً الأربعاء كلام وزير التربية والتعليم العالي الدكتور طارق المجذوب عن بدء العام الدراسي بدءاً من الأسبوع الأخير من أيلول استناداً الى التعليم المدمج. الأمر الذي أثار الكثير من الأسئلة حول جهوزية المدارس في لبنان لاستئناف "التعلم عن قرب"، كما أثار التساؤلات عن ضمان تطبيق الإجراءات الوقائية للحد من انتشار الفيروس داخل المدارس. هذا الانتشار وإن حصل -لا سمح الله- فيعني أننا أمام كارثة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.
فهل اتخذ القرار النهائي باستئناف العام الدراسي استناداً الى التعليم المدمج أي الحضور الجزئي في المدارس والتعلم عن بعد؟ ما الإجراءات المتخذة لضمان عدم انتقال العدوى بين التلاميذ؟ وهل من استراتيجية للوزارة لتفعيل منهج التعلم عن بعد؟
ما تم تداوله لا يتعدى التوصية والقرار ليس نهائياً
هذه الأسئلة وغيرها تجيب عنها مديرة الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية والتعليم العالي الأستاذة هيلدا الخوري في حديث لموقع "العهد" الإخباري، حيث تؤكّد أنّ إعلان الوزير جرى تفسير بعض نقاطه بطريقة خاطئة فما قاله أمس خلال اجتماعات قام بها كان من ضمن تبنيه للتوصية التي صدرت عن لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس "كورونا" في مجلس الوزراء ولم يصدر عن الوزير بعد القرار النهائي المفصّل الذي سيشرح فيه كيفية العودة بتفاصيلها. اللجنة أوصت بضرورة الجهوزية للتعليم المُدمج في أواخر شهر أيلول. وبحسب الخوري، فإنّ اللجنة ستعيد تقييم الوضع الصحي في البلد بعد ثلاثة أسابيع من آخر اجتماع عقدته أي قبل انطلاق العام الدراسي القادم، وبناء عليه إما نفتتح العام الدراسي بالتعليم المدمج في آخر أيلول، وإما نفتتحه عبر التعليم عن بعد. وليس كما تم التداول في وسائل التواصل أننا سنعتمد التعليم المدمج لمدة ٣ أسابيع ومن ثم نقيّم الوضع لأن صحة التلاميذ خط أحمر بالنسبة للوزارة.
التعليم المدمج أولوية ولكن..
وتؤكّد الخوري أنّ التعليم المدمج من الخيارات التي تفضلها الوزارة، اذا ما سمحت الظروف الصحية لأنّ التعليم المدمج يدمج بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد فهو أفضل من التعيلم الكلي عن بعد لأنه يؤمن جزئيا التفاعل من خلال التعليم الحضوري ليتكامل مع التعليم عن بعد الجزئي. ومن جهة أخرى، فإنّ التعليم المدمج -تقول الخوري- يحافظ على المسافة الآمنة وعلى تطبيق الإجراءات الوقائية لأنه وفي حال حضور ٥٠٪ من سعة الصفوف، تستطيع المؤسسة التعليمية تطبيق الإجراءات الوقائية بشكل أفضل لكنّ كل ذلك مرتبط بطبيعة الحال بالأوضاع الصحية. وفق حسابات الخوري، لا بد من الاستعداد للتعليم المدمج، اذ ليس من المنطقي أن نكون بلا جهوزية لناحية البروتوكول الصحي للتعليم الحضوري عندما تخف حدة "كورونا"، وعندما نكون جاهزين للتعليم المدمج سنكون جاهزين لمختلف الاحتمالات، خاصة أن المدارس تحتاج الى تجهيزات لوجستية وسط أزمة "كورونا". وبحسب الخوري، ستكون العودة -في حال اعتماد التعليم المدمج- بشكل تدريجي، اذ ليس من الصحيح بمكان أن يعود التلامذة دفعة واحدة الى المدرسة تفادياً للازدحام داخل الملاعب وأمام الباصات والمداخل ولأن بعض المراحل التعليمية تستطيع تطبيق الإجراءات الوقائية بشكل أفضل من غيرها نظراً لأعمار المتعلمين.
القرار النهائي المفصّل الأسبوع المقبل قبل أن يعاد التقييم بعد ثلاثة أسابيع
وتكرّر الخوري إشارتها الى أنّ ما صدر حتى الآن ليس سوى خطوط عريضة بعد توصية اللجنة، وعليه فإنّ القرار الرسمي النهائي المفصّل سيصدر الأسبوع المقبل عن وزارة التربية. فقط ما صدر هو توصية عن لجنة الكورونا وهي توصية علمية منطقية -بحسب الخوري- التي تؤكّد أنّ وزير التربية سيصدر قراراً الأسبوع القادم فيما يخص العودة لناحية تفاصيل العام الدراسي القادم.
وتُشدّد المتحدّثة على أنه وفي حال ساءت الأوضاع الصحية لن نذهب الى التعليم المدمج، فوزير التربية حريص على صحة التلامذة وهو لم يخاطر بهم لا في أول الأزمة ولا الآن. وعليه، بعد إجراء التقييم للأوضاع الصحية عقب ثلاثة أسابيع إما أن يُعدّل الوزير قراره قبل بدء العام الدراسي أو يبقيه كما هو.
السيناريوهات المتوقّعة
وحول السيناريوهات المتوقّعة في حال جرى اعتماد التعليم المدمج، تشير الخوري الى أن لدى وزارة التربية عدّة سيناريوهات لا تزال قيد الدرس. هذه السيناريوهات مقتبسة من نماذج تُطبق في دول العالم، منها:
-اعتماد فترات قبل الظهر وبعده مع تبديل الدوامات. هذا النموذج طبعاً للمراحل التعليمية المتقدّمة. وهنا تشير خوري الى أن هذا التبديل لا يعني أن الأساتذة سيعطون حصصاً إضافية عن دوامهم المعتاد، بالنسبة للوزارة المعلمون خط أحمر.
- اعتماد نموذج ثلاثة أيام حضور، ويومين تعلم عن بعد أو العكس
- اعتماد نموذج أسبوع تعلم في المدرسة وأسبوع "أونلاين"
-اعتماد نموذج الـ"semester" فيما يخص الجامعات
وتوضح الخوري أننا في الوزارة نعقد العديد من الاجتماعات لاتخاذ القرار بشأن أي سيناريو سنتّخذ وما إذا كان سيتوحّد السيناريو لكل مرحلة تعليمية، أو سيتم وضع ضوابط عامة للجميع وبناء عليه سيتم اتخاذ القرار. هذه النقطة تتم مناقشتها حالياً وستندرج داخل القرار الذي سيتخذه الوزير الأسبوع المقبل.
ماذا عن الحلقات الأولى؟
هل سيشمل التعلم المدمج في حال اتخذ القرار باعتماده الحلقات الأولى خاصة أن تلامذة هذه الحلقات ليس لديهم الوعي الكافي لاتباع التدابير الوقائية؟ تجيب الخوري عن هذا السؤال بالإشارة الى أنّه وبطبيعة الحال سيلحظ القرار حال كل فئة عمرية، اذ إن الحلقات الأولى تجد صعوبة عادة في تطبيق التدابير الوقائية كما يجب. إلا أن الخوري تلفت في المقابل الى أهمية التعليم المدمج لهذه الفئة الصغيرة خاصة أنها تعاني من التعلم عن بعد، لذلك فإن تواجدهم -برأي الخوري- لبضع ساعات في المدرسة اذا سمحت الظروف الصحية سيساعدهم على التعلم بطريقة أفضل، لافتةً الى أن كل هذه الأمور يجري دراستها بشكل دائم.
وفي معرض حديثها، تشدّد الخوري على أنّ الصحة أولاً لكن في المقابل لن نحتمل إبقاء التعلم عن بعد بشكل كلي إلا إذا ذهب بنا كورونا -لا سمح الله- الى مكان سيئ جداً. وفق الخوري، فإن الأرجحية اليوم هي للتعلم المدمج، ولكن اذا ساء الوضع خلال الثلاثة أسابيع سيُتخذ القرار بالذهاب نحو التعلم عن بعد. وهنا تستطرد الخوري بالإشارة الى أنّه قد نفتتح العام الدراسي بالتعلم "أونلاين" ومن بعدها نذهب باتجاه المدمج عندما تهدأ الأوضاع الصحية على أن يكون هناك تقييم دوري للوضع الصحي.
البروتوكول الصحي
وفيما يتعلّق بجهوزية المدارس اللوجستية للوقاية من "كورونا"، تشير الخوري الى أن وزارة التربية ومن خلال وحدة التربية الصحية البيئية في جهاز الارشاد والتوجيه انتهت من إعداد "بروتوكول صحي" يقع في أكثر من 60 صفحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية واليونيسيف والصليب الأحمر، وقد أرسلت نسخة منه الى وزارة الصحة التي درسته بدورها ووضعت الملاحظات عليه على أن يتم إصداره الأسبوع القادم. ماذا يتضمّن هذا البروتوكول؟ توضح الخوري أنه يتضمن كافة الإيضاحات حول مهام الجميع والتدابير لناحية دخول التلامذة الى الصفوف وأوقات الاستراحة وانتظار الباصات والصعود اليها، بالإضافة الى كافة التدابير التي تتعلّق بالصفوف والمسافات الآمنة وآليات التعقيم وغيرها الكثير من النقاط. وهذا البروتوكول سنقوم بـ"تيويمه" عند الحاجة حسب المستجدات الصحية.
التعلم عن بعد والمشاكل اللوجستية
وحول المشاكل التي تغزو عملية التعلم عن بعد لناحية غياب المقومات الأساسية كعدم امتلاك البعض للأجهزة الالكترونية وضعف الكهرباء والانترنت، وما اذا كانت الوزارة تعمل على آلية لتفعيل هذا الأمر، توضح الخوري أنّ هذه المشاكل ليست من اختصاص وزراة التربية، رغم أن الوزير أرسل كتاباً رسمياً الى مجلس الوزراء بخصوص هذه المشاكل وعقد الكثير من الاجتماعات لكنّ القضية ليست "بيدنا" فالأزمة الاقتصادية الحادة لا تزال مسيطرة للأسف على البلد، مع الإشارة الى ضرورة حل هذه المشاكل الأساسية -تقول الخوري- التي تلفت الى أن المجذوب يسعى لتأمين الحواسيب الالكترونية للطلاب خاصة في المدارس الرسمية وهذا ما طلبه من الدول المانحة أمس الأربعاء وقد كان الاجتماع ايجابيا.
المدارس المتضررة
هل ستكون المدارس المتضررة من تفجير المرفأ جاهزة على الموعد في حال اعتمد التعليم المدمج؟ توضح الخوري أنّ الأعداد التي تضررت بشكل كلي قليلة جداً وهي تحتاج الى نحو ثلاثة أشهر او اكثر للترميم. ووفق الخوري سيتم تأمين البديل لهم. أما المدارس التي تضررت بشكل خفيف ومتوسط فمن المرجح أن يتم الانتهاء من ترميمها في غضون أسبوعين أو شهر على الاكثر.
الخلاصة
وفي الختام، توجز الخوري المشهد بالآتي: اذا تحسّن الوضع الصحي والتزم المواطنون بالإرشادات اللازمة نذهب الى التعلم المدمج الذي سيتضمّن السيناريو المناسب بحسب المرحلة التعليمة والمؤسسة التعليمية، أما اذا بقي الوضع الصحي كما نحن عليه الآن أو ساء أكثر، فلا حل أمامنا سوى افتتاح العام الدراسي بتقنية التعلم عن بعد، إثر ذلك يصار الى إجراء تقييم صحي دوري وبناء عليه يأتي القرار إما أن نذهب الى المدمج أو نستمر بالتعلم عن بعد، ولكن عندما ننتهي من فيروس كورونا كلياً وهذه فرضية ضعيفة حينها نذهب الى التعليم القائم على الحضور الكلي.
وتُشدد الخوري على أن وزارة التربية حريصة جداً على العام الدراسي وفي الوقت نفسه حريصة على صحة التلاميذ. وفق قناعاتها، فإن الأوضاع التي يمر بها لبنان هي أوضاع دقيقة جداً تركت تداعياتها على الواقع التربوي بأكمله، وعليه يجب أن نكون بأكملنا يداً واحدة حتى نتمكن من تجاوز هذه المرحلة الصعبة والتي سنتجاوزها بإذن الله.