(جريدة الأخبار اللبنانية)
إلى نهاية العام، قرر مجلس الوزراء تمديد حال التعبئة العامة في البلاد، سنداً لاقتراح المجلس الأعلى للدفاع. عملياً، لا يعني القرار الجديد - القديم شيئاً، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أمرين أساسيين، أولهما التجارب مع «التعبئات» السابقة والتي لم تولّد سوى مزيد من الانفجار في أعداد المصابين بفيروس كورونا، وثانيهما قرار عدد من المؤسسات (حضانات ومؤسسات سياحية) السير عكس استراتيجية الدولة في مواجهة الفيروس، إذ بدأت هذه المؤسسات منذ فترة الضغط لإعادة فتح أبوابها، لتصعّد أمس مع توجّه عدد من أصحاب هذه المؤسسات، خصوصاً المطاعم، لفرض أمرٍ واقعٍ من خلال فتح أبوابها عنوة. وإلى هؤلاء أيضاً، علت صرخة أصحاب دور الحضانات، داعين إلى الاعتصام اليوم أمام وزارة الداخلية والبلديات للمطالبة بفتح الحضانات قبل نهاية الأسبوع، «والتعويض عن الإقفال القسري الذي استمرّ ثلاثة أشهر»، على ما يقول بيان النقابة.
مع هذا الواقع المستجد، استحال قرار التعبئة «لزوم ما لا يلزم»، على ما تقول المصادر. صحيح أن القرار يأتي من ضمن استراتيجية «دفاعية» تقوم بها الدولة في مواجهة الفيروس، إلا أنها لا تؤتي ثمارها على الأرض، في «غياب آلية واضحة لتنفيذ القرارات المتخذة»، انطلاقاً من تقاعس المعنيين في وزارات الداخلية والمالية والعدل. ففي وقت تأخذ فيه الدولة على عاتقها قرار الإقفال، لا يبدو أن ثمة من يواكبها في المراقبة، بحيث يترجم الإقفال فوضى. وما الأرقام التي يسجّلها عداد فيروس كورونا سوى دليل واضح على ما يجري. هذه الأرقام التي تعيد التأكيد في كل يوم أن لا مجال للتعويل على ضمير المواطنين، مقيمين ووافدين.
بالعودة إلى الأرقام، سجّل عدّاد أمس 561 إصابة جديدة من أصل 7327 فحصاً أجريت خلال الساعات الأربع والعشرين السابقة (557 مقيماً و4 وافدين)، ليصبح عدد الإصابات الفعلية 10 آلاف و293 إصابة، في مقابل تسجيل 3955 حالة شفاء. هكذا، دخل لبنان رسمياً في مرحلة جديدة، حيث لم يعد فيروس كورونا محصوراً في مدينة دون أخرى، إذ بات في كل بيت. ولئن سُجّلت أمس وفاة واحدة، إلا أن ذلك ليس سوى «حسن طالع». فالواقع اليوم يشير أن الأمور «ذاهبة نحو الأسوأ»، على ما يقول رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي. وهو ما قاله أصلاً رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، مشيراً إلى أنه «إذا ما استمر الوضع على الشكل الحالي، فسنصل إلى وقت نخسر فيه قدرتنا على مواجهة كورونا». ما يعنيه ذلك أن «الأحمر بلّش يضوّي في المستشفيات»، على ما تقول مصادر وزارة الصحة، إذ إن استمرار وتيرة الإصابات على تلك الشاكلة يعني أنه خلال «فترة أسبوعين»، سيدخل القطاع الصحي غرفة العناية الفائقة. وقبل الوصول إلى هنا، من المفترض أن يعقد وزير الصحة حمد حسن اجتماعاً موسّعاً مع أعضاء مجالس إدارات المستشفيات الخاصة اليوم لـ«وضع النقاط على الحروف». خمسة أيامٍ فقط سيمهل حسن المستشفيات لفتح أجنحتها الخاصة بعلاج المصابين من فيروس كورونا، قبل اتخاذ «الإجراء المناسب.
بعض المستشفيات يفرض على المرضى إجراء الفحص السريع مقابل 600 ألف ليرة
وعلى خط موازٍ، تطرق بعض المصادر إلى فوضى فحوص فيروس كورونا، حيث استعادت ظاهرة «فحوص الدليفري» زخمها، مع تسجيل عدد من المخالفات لمختبرات تزور البيوت لإجراء الفحوص. أضف إلى ذلك استغلال بعض المستشفيات والمختبرات الخاصة قرار وزارة الصحة القاضي بإجراء الفحوص لمن تظهر عليه العوارض، حيث يلجأ هؤلاء إلى تدفيع المواطنين ـ من يشكون ومن لا يشكون من عوارض ـ مبالغ كبيرة تتخطى تسعيرة الوزارة. وفي هذا الإطار، يؤكد أطباء أن «بعض المستشفيات يفرض على المرضى إجراء الفحص السريع مقابل 600 ألف ليرة». هذه الشكاوى تعيد التذكير بفشل آلية تنفيذ ومراقبة استراتيجية الدولة، بحيث «بات المطلوب تعديلها لتلائم الواقع على قاعدة تنظيم الحياة بطريقة مختلفة». حل وسطي؛ لا الإقفال ولا الفوضى.