نقلاً عن موقع "العهد" - فاطمة سلامة
خطفت أخبار السياسة في لبنان الضوء قليلاً عن الواقع "الكوروني" المتأزم. بات الحديث عن إصابات تتخطى عتبة الخمسمئة يومياً أمرا طبيعيا، بينما يشير الغوص في دلالة الأرقام الى أزمة جوهرية يُقبل عليها لبنان اذا ما استمرّ الاستهتار سيد الموقف. الإصابات تخطّت حتى اليوم الـ18 ألف والوفيات تقارب الـ180. ثمّة مخاوف حقيقية تُثار على أبواب الخريف. لهذا الفصل خصوصية مع انخفاض المناعة وبدء حالات الانفلونزا والرشح ما يُثير المخاوف من الحال الذي ستكون عليه المستشفيات، ويطرح أسئلة عدة عن الواقع المحتمل لفيروس "كورونا" في فصل الخريف، وعن المطلوب للتخفيف من حدّة الموجة القادمة حتماً.
عراجي: الوضع سيزداد خطورة في الخريف
رئيس لجنة الصحة النيابية النائب الدكتور عاصم عراجي يوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ الوضع حيال فيروس "كورونا" اليوم خطير وسيزداد خطورة عند بدء فصل الخريف. لماذا؟ يلفت عراجي الى أننا لا نزال اليوم في خضم الموجة الأولى ومع بداية فصل الخريف سندخل في خضم موجة ثانية من "كورونا". وهنا يشرح عراجي أنه ومع بداية فصل الخريف ستترافق موجات الانفلونزا القادمة هذا العام مع فيروس "كورونا" ما سيحدث إرباكاً خصوصاً للجسم الطبي، فنسبة الإصابات تزداد عادة في فصل الخريف بكل أنواع الفيروسات بسبب تغير الطقس والمناخ. وفق عراجي، فإنّ هناك مخاوف من أن يصاب الأشخاص بالانفلونزا والكورونا معاً ما يُخفّف من المناعة ويزيد نسبة الخطورة. فمن المعلوم أن "كورونا" هو فيروس جديد لا معلومات كافية حوله -يقول عراجي- وعليه فنحن نتعلّم عنه يوماً بعد آخر لنكتشف أنه قابل للتحرك والانتشار بسرعة خاصة في أوقات معينة بحيث يغير اتجاهاته وتركيبته.
لا شيء يمنع من وصول الإصابات الى عتبة الألف يومياً في فصل الخريف
وبالنسبة لعراجي، نحن أمام "ميكروب" خبيث ما يستدعي الحذر في فصل الخريف وسط مخاوف من أن تزداد نسبة الإصابات بشكل أكبر مما هي عليه اليوم. هل من الممكن أن تصل الإصابات لعتبة الألف يومياً؟ برأي عراجي، هذا احتمال وكل شيء وارد. إطلالة سريعة على المنحى الوبائي كيف كان في البداية والى أين وصلنا اليوم تبيّن لنا الاطراد السريع بالإصابات. ومن هذا المنطلق -يقول عراجي- نحن نحذّر المواطنين ونشدّد عليهم على ضرورة تطبيق الإجراءات الثلاثة البسيطة "ارتداء الكمامة، التباعد الاجتماعي، وتعقيم اليدين".
اذا لم تستجب المستشفيات الخاصة سنكون أمام مشكلة خطيرة جداً
ويتوقّف عراجي عند الحِمل الكبير الملقى على عاتق القطاع الاستشفائي الحكومي والأزمة التي يمر بها. ومن هنا تُثار المخاوف -يقول عراجي- من ازدياد الإصابات الخطرة في شهر أيلول ما يستلزم دخولها الى أقسام العناية، وكلنا نعلم أنّ القطاع الحكومي أخذ المهمة بأكملها على عاتقه وسط وعد من المستشفيات الخاصة بمساعدته. لكن للأسف فإنّ عدد المستشفيات الخاصة التي ساهمت في المهمة لا يتجاوز أصابع اليد وذلك لذرائع مختلفة. وهنا يلفت عراجي الى أنه وفي حال أصبح لدينا -لا سمح الله- إصابات خطرة تستلزم الدخول الى المستشفى وامتلأت أقسام الكورونا في القطاع الحكومي، عندها سنكون أمام مشكلة خطيرة جداً، مشيراً الى أن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن طلب الأسبوع الماضي من المستشفيات الخاصة تجهيز أوضاعها لاستقبال مرضى كورونا، وسط مخاوف من الذهاب الى مكان آخر في حال لم تستجب.
خوري: الإصابات ترتفع ليس في لبنان فقط بل في العالم أجمع
مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية والاجتماعية النائب السابق الدكتور وليد خوري يوضح أنّ عدّاد الإصابات بفيروس "كورونا" يرتفع ليس في لبنان فقط بل في العالم أجمع، مع الإشارة الى أنّ أعداد الوفيات في العالم تنخفض وفي لبنان ترتفع. ويشير خوري الى مؤشّر إيجابي يبرز في خضم هذه الغيمة السوداء يتمثّل في الكلام عن تراجع خطورة الفيروس، فرغم أن التفشي يزداد لكنّ نتائجه على الأجسام يبدو أنها لم تعد كما كانت في السابق. ولدى سؤاله عن احتمال قدوم موجة جديدة، يوضح خوري أننا لا زلنا في الموجة الأولى، لكن فتح البلد في الأول من تموز وانفجار المرفأ في 4 آب أدى الى تفاقم هذه الموجة وازدياد الإصابات.
سألناه: ما السيناريوهات المطروحة من قبلكم كلجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا لمواجهة الموجة الثانية في الخريف؟ فأجاب خوري:"نحن نعاني من مشكلة تفشٍّ كبير للإصابات في لبنان ومن ارتفاع أعداد الوفيات، والأخطر من هذا كله الإصابات التي بدأت تغزو الجسم الطبي والتمريضي ما يقلّص أعداد الطاقم المخصّص لمكافحة الوباء، بالإضافة الى خروج 4 مستشفيات من الخدمة في بيروت جراء الانفجار، ما يقلّل قدرة الاستيعاب وهذا تحد كبير لنا ولوزارة الصحة". الأخيرة جهّزت المستشفيات الحكومية للمواجهة لكننا نجد نقصاً في الجهاز البشري الذي يدير العناية الفائقة والاستشفاء، ناهيك عن مشكلة أخرى تتعلّق بالوضع الاقتصادي الصعب والذي لم تتمكّن بموجبه وزارة الصحة من تمويل المستشفيات الخاصة والتي تشكل 80 بالمئة من الأسرة في لبنان، فضلاً عن وجود إشكالية عالقة مع وزارة الصحة تتعلّق بالتسعيرة التي ستتقاضاها المستشفيات الخاصة لعلاج المرضى خاصة في العناية الفائقة المكلفة جداً.
لإعطاء مساحة أكبر للتوعية في وسائل الإعلام
الى أين ذاهبون في ظل هذا الواقع؟ يشدّد خوري على أهمية أخذ كافة الاحتياطات المعروفة والبسيطة. تلك الأمور وعلى بساطتها للأسف لم يلتزم بها الجميع خاصة مع فتح كافة القطاعات. ويضيف: "نحن في هذا الصدد نشاهد خروقات كثيرة وهنا المشكلة الكبيرة وقد حاولنا تسطير محاضر ضبط تكون مكلفة على المواطن، الا أننا لم نتمكن من ذلك، فالقانون لا يجيز هذا الأمر الا على من لا يرتدي الكمامة وبخمسين ألف ليرة فقط". ويتابع خوري " الا أنّ هذا ليس المهم برأينا، ما يهمنا هو الالتزام"، معوّلاً على إنجاز برنامج إعلامي بالتعاون مع المؤسسات الإعلامية طرحت فكرته منذ حوالى أسبوع بانتظار أن تسهم الظروف في إنجازه ليكون لدينا مساحة أكبر للتوعية مع ما يتركه هذا الأمر من تأثيرات على المواطنين.
عبود: لبنان سجّل انتصاراً على الموجة الأولى ولكن..
من جهته، يسترجع مستشار وزير الصحة الدكتور إدمون عبود في حديث لموقعنا المسار التاريخي لأزمة الفيروس في لبنان. عندما دخلت جائحة كورونا الى البلد في شباط 2020 كان لبنان من الدول السبّاقة للقيام بإجراءات صارمة للحد من الانتشار. وعليه، أغلقت المدارس في أول آذار وأعلنت التعبئة العام في 15 آذار وأغلقت المؤسسات الخاصة وجرى التخفيف من عمل المؤسسات الحكومية. وفي 18 آذار، أعلن عن إغلاق مطار بيروت الدولي ومعه الحدود. هذا الأمر ساهم -برأي عبود- في ضبط الموجة الأولى ما قلّص أعداد الحالات التي ارتفعت في شهري شباط وآذار لتُصبح في حزيران شبه معدومة. وبهذا السياق، يكون لبنان قد سجّل انتصاراً على الموجة الأولى -يقول عبود- الذي يشير الى أنّ فتح المطار في الأول من تموز بموازاة الإجراءات الجديدة التي فرضت تحت مطرقة الواقع الاقتصادي الصعب والتي مهّدت لعودة السياح والمغتربين والحياة الاجتماعية فضلاً عن إلغاء فكرة الحجر المنزلي لمدة 14 يوماً للقادمين -كما كان سابقاً- والاكتفاء بفحصي pcr، كل هذا الانفتاح الذي رافقه عدم التزام الناس بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات أدى الى انتشار أفقي للحالات بالمجتمع اللبناني، وهو ما دفع بوزارة الصحة العامة الى المطالبة بإغلاق البلد أسبوعين، ودفع الحكومة الى إعادة التعبئة العامة وتمديدها.
نحن في خضم موجة ثانية
ويوضح عبود أنّ لبنان حالياً يرزح تحت تداعيات الموجة الثانية، بعدما تمكّن في حزيران من السيطرة على الموجة الأولى، إنما في تموز ومع فتح البلد داخلياً وخارجياً بداعي تحريك عجلة الاقتصاد عاد الفيروس بموجة ثانية ما أدى الى ارتفاع عداد الإصابات بشكل كبير يتراوح بين الـ 500 الى 600 إصابة يومياً. هذا الرقم الكبير مرده -بحسب عبود- الى الازدياد بعدد الفحوصات اذ إن الوزارة تجري ما لا يقل عن 7000 فحص يومياً، وبالتالي فمن الطبيعي العثور على عدد أكبر من الحالات الإيجابية. أما بالنسبة للوفيات فيقول عبود: "اذا احتسبنا عدد الوفيات على عدد الحالات الإيجابية فإن النتيجة ستساوي 1 بالمئة وهي نسبة مقبولة". إنما الخطير -برأيه- هو زيادة الحالات التي تدخل أقسام العناية الفائقة ما يهدّد قدرة المستشفيات الاستيعابية، ففي منتصف آب امتلأ قسم العناية الفائقة (25 سريراً) في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، وكذلك الأمر في مستشفى النبطية.
ماذا ينتظرنا في تشرين الأول؟
وفي معرض حديثه، يلفت عبود الى الآمال التي علّقت سابقاً لجهة أن تخمد حدة فيروس كورونا في فصل الصيف لكن للأسف أقفلت أقسام العناية الفائقة في المستشفيات الحكومية في شهر آب ما يدفعنا الى التساؤل عما ينتظرنا في تشرين الأول عندما يأتينا طقس بارد وتزداد موجة "كورونا".
وفق عبود، سينتشر الفيروس في فصل الخريف بطريقة أسرع خصوصاً مع إغلاق النوافذ في المنازل وخصوصاً أنّ الجسم لا يقاوم ويتعرّض للرشح والمرض بطريقة أسرع. وهنا يلفت عبود الى أن احتمال انتقال الفيروس في فصل الخريف سيكون أكبر مع ازدياد حالات الرشح العادي والانفلونزا ما يسبب مشاكل للمستشفيات بحيث يكثر زائروها ويرتفع الضغط عليها.
وفي الختام، يشدّد عبود على أنّ المطلوب هو تخفيف حدة الأزمة عبر الالتزام بالتباعد الجسدي وتبديل العادات الاجتماعية وارتداء الكمامات وغسل اليدين باستمرار. بهذه الإجراءات البسيطة نستطيع أن نخفف من حدة الانتشار، وفي الوقت نفسه يعول عبود على إيجاد لقاح حتى نهاية العام.