(صحيفة واشنطن بوست)
لماذا انتصرت قومية اللقاح؟ تساءل أدم تايلور، مراسل صحيفة “واشنطن بوست” قائلا إن الدول حول العالم فشلت في الاتفاق والعمل معا لمكافحة كوفيد-19 ،ولا يظهر هذا الفشل أكثر من السباق العالمي المحموم حول تطوير عقار لمواجهة فيروس كورونا المستجد.
وبدلا من تقوية الجهود معا تقوم كل دولة بالعمل منفردة على أمل الحصول على سبق في هذا المجال. وأشار تايلور لانتصار جديد فيما أسماه “قومية اللقاح” عندما نقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن مسؤولين الأمريكيين أنهم لن ينضموا إلى مشروع “المؤسسة العالمية للقاحات كوفيد-19” أو كوفاكس، وهو جهد عالمي لتطوير وتوزيع لقاح ضد فيروس كورونا وتدعمه منظمة الصحة العالمية.
ويقول إن غياب الولايات المتحدة عن مشروع يحاول التغلب على اللامساواة في توفير المناعة من الفيروس يعد ضربة قوية. وتشارك في المشروع 170 دولة لتطوير كوفاكس منها ألمانيا واليابان والمفوضية الأوروبية التي تعتبر الجناح التنفيذي للاتحاد الأوروبي.
ولكن أمريكا ليست وحيدة في موقفها، وهناك دول أخرى قررت أن تسير بمفردها لتطوير لقاح للاستخدام أو شرائه من دول أخرى. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض يوم الثلاثاء جاد دير إن الولايات المتحدة “لن تحدد بمنظمات متعددة متأثرة بمنظمة الصحة العالمية الفاسدة والصين”. وبدلا من ذلك قررت إدارة ترامب مضاعفة العملية التي أطلقت عليها “عملية الإلتفاف السريع”، والتي تقوم على تطوير عقار وتجريبه للاستهلاك المحلي هذا الخريف.
ورفضت روسيا أيضا المشاركة في مشروع كوفاكس وبدلا من ذلك تواصل عملها على لقاح سبوتنيك في والذي قدمته على أنه “أول لقاح مسجل ضد كوفيد-19” وسيتم استخدامه على الأساتذة وعمال الصحة رغم التحذيرات بأنها قامت بالتعجيل في عملية فحصه.
وفي الصين حيث لعب جيش التحرير الشعبي دورا مركزيا في تطوير اللقاح، قال وزير الخارجية هاو تشونيينغ إن بيجين تدعم أهداف كوفاكس وستواصل التنسيق ولكنه لم يعط إشارة عن التزام بالمشروع.
ويقول داعمو كوفاكس إنهم متفائلون مشيرين لدعم الدول الغنية. ولكن تمديد مواعيد الإنتاج وتغيير الشروط تعني أن المشروع قد لا يكون حسبما ما أراده من يقومون عليه.
وتساءل الكاتب عن سبب انتصار المشاعر القومية في تطوير لقاح مضاد لكوفيد-19، فمن المعروف أن التعاون الدولي لا يتوصل إلى حل سريع، وربما قررت دول تلكأت عن دعم المشروع الإنضمام إليه حالة حصل فيه تقدم. ولو نجحت دولة في تطوير لقاح بنجاح واستطاعت شراء كل الحقن فسيكون بيده التحكم وحق الحصول عليه أولا. وبالنسبة للدول الغنية فالمنافع تتفوق على المشاكل الأخلاقية والمخاطر. وبحسب وزير الصحة والخدمات البشرية الأمريكي، أليكس أزار فقد استثمرت الولايات المتحدة 10 مليارات دولار من أجل تطوير اللقاح وهو رقم متواضع مقارنة مع التريليونات التي أنفقتها الحكومة الأمريكية في حزم إنقاذ الاقتصاد. وهو مهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ولو استطاع بلد تطوير لقاح فسيكون بيده احتكار توزيعه. وبالنسبة للصين التي بدأ منها انتشار فيروس كورونا فسيكون تطويره فرصة لكي تعيد موقفها العالمي. ونفس الأمر ينسحب على أمريكا وروسيا اللتين يحكمهما رجلان لا يتمتعان بشعبية عالمية.
وربما وجدت بعض الدول صعوبة في التحرك وسط التضاريس الجيوسياسية. فالمكسيك لم تدعم مشروع كوفاكس ولكنها اصطفت مع مشاريع تطوير صينية وفرنسية حسبما قالت نائبة وزير الخارجية مارثا ديلغادو. وكتب ماثيو لين في مجلة “سبكتاتور” أن التنافس بين الدول على تطوير اللقاح أمر صحي بل ومثالي وعادة ما تدفعه الرغبة للاختراع. وكان هذا واضحا في حرب الفضاء أثناء الحرب الباردة أو الإنجازات من الرادارات إلى الصواريخ في أثناء الحرب الباردة. لكن الذين يدرسون اللقاحات لا يوافقون لين على مقولته. فربما قادت حرب الفضاء لتقريب الإنسان إلى القمر ولكن قلة تنسى أن أول من خطا على القمر هو أمريكي. مما يعني أن الدول الفقيرة ستجد نفسها مستبعدة من لقاح كورونا حالة تطويره. وفي تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” يوم الثلاثاء قالت فيه إن عددا من الدول الغنية عقدت صفقات لشراء 4 مليارات حقنة من لقاح تحت التطوير، أي أنها استولت على كل قدرات العالم تاركة الدول الفقيرة بدون فرصة، رغم انتشار الفيروس في الدول النامية. وبدأت مشكلة إمدادات اللقاح بالظهور حيث كتب كل من الاقتصادي سكوت ديوك كومينرز وأليكس تاباروك الشهر الماضي في موقع “بلومبيرغ” “تحتوي شبكات إمداد اللقاح على روابط غير عادية بما في ذلك دم السلطعون وزيت كبد القرش وإنزيم يعد من أغلى المنتجات” بالإضافة “لروابط تعتمد على عمليات تصنيع جديدة لم تطبق على قاعدة واسعة”. وأدت برامج المناعة إلى نتائج متفاوتة، فقد تم القضاء على مرض الجدري من خلال لقاح ناجح. لكن مرض شلل الأطفال والحصبة لا يزالان رغم وجود لقاحات جيدة. وسيجد الباحثون صعوبة في القضاء على كوفيد-19 نظرا للقاعدة العالمية الواسعة لانتشاره ولطبيعته “المستجدة”. ومن هنا فالتعجل في طرح لقاحات أو استخدام أخرى ليست تامة قد تفعل العكس وتؤدي إلى تقوية الحركات المضادة للتطعيم. وبهذه المثابة يعتبر كوفاكس واحد من المشاريع المعول عليها ولكن لا يخلو من المشاكل. ويحتاج إلى دعم مالي ومشاركة الدول الثرية بـ 18 مليار دولار لشراء عدد من اللقاحات التجريبية بهدف توفيره للناس المحتاجين له. وبناء على الخطة يمكن للدول عقد اتفاقيات ثنائية لو أرادت. ولكن الولايات المتحدة ودول أخرى رفضت الخطة حيث عولت على عملية الإلتفاف السريع أو إجراءات قومية اخرى. وقال مدير غافي، الداعم لكوفاكس، سيث بيركلي في تصريحات لتقرير “أيافي” إنه قلق من عالم تهتم فيه الحكومات بتوفير اللقاحات لأبنائها فقط و”لو كان أمامك الفيروس ينتشر ويتكيف مع الإنسان ويتطور وبعد ذلك ينتشر فلن تكون قادرا أبدا على مواجهته”.