نقلاً عن صحيفة الأخبار
لم تكد تنطلق الرحلات الجوية من بلاد الاغتراب إلى بيروت، حتى غارت آمال الكثير من الطلاب اللبنانيين الذين يتابعون دراستهم في الخارج. الكثيرون منهم لم يحظوا بـ«نعمة» العودة، إما لأن «الجداول» المعدّة بين شركة طيران الشرق الأوسط ووزارة الخارجية والمغتربين، عبر سفاراتها، لم تأخذهم في الحسبان، وإما بسبب أسعار تذاكر السفر التي لا يملك معظمهم فلساً واحداً منها
خسر معظم الطلاب اللبنانيين في بلدان الاغتراب رهاناتهم. آخر جرعة من الأمل خسروها مع انطلاق أولى الرحلات الأحد الماضي، التي عرّت الشروط التي فرضتها الدولة اللبنانية، أضف إلى ذلك أسعار تذاكر السفر التي فرضتها شركة طيران الشرق الأوسط، والتي لم تكن داخلة في حساباتهم. حتى «المغريات» التي تحدثت عنها «ميدل إيست» بشأن إعفاء الطلاب المحتاجين من 50% من سعر البطاقة، لا تعنيهم بشيء، ما داموا لا يملكون الخمسين الأخرى!
يغلب العتب على أحاديث معظم الطلاب، خصوصاً في ما يخصّ الآلية التي اتبعتها الحكومة لتسهيل عودتهم، إذ حالت الإجراءات المتبعة دون شمول الكل، من ناحية تحديد من لهم الحق في العودة، وهو ما انعكس سلباً على الجداول التي «كان بعض الأسماء فيها محدداً سلفاً»، كما يؤكد بعض من لم تشملهم الرحلات الأولى. أضف إلى ذلك عدم وضوح الآلية في ما يخص الطلاب الذين تشملهم «حسومات» تذاكر السفر، ما يفتح الباب على سؤال عالق من دون جواب: علام يستند التقييم لتحديد من هم بحاجة؟
ولئن كان السفراء اللبنانيون في عددٍ من الدول يبسّطون المعادلة، على قاعدة أن الحاجة المادية هي التي تحدّد من هم أولى بالعودة في هذه الظروف، إلا أن الطلاب يستهزئون بتلك الرواية، خصوصاً أن «الكل بحاجة».
بعد وصول أولى الطائرات، كان ما حدث دون التوقعات، على ما يقول الطلاب، إذ لم تشمل الرحلات طلاباً إلا في ما ندر. فعلى سبيل المثال، حملت طائرة أمس من فرنسا 121 راكباً كان الطلاب أقلية بينهم، بسبب الإجراءات التي أعطت الأولوية لكبار السن والعائلات التي تملك أطفالاً والأمهات الموجودات مع أطفالهن من دون المعيل والمرضى والسائحين ومن انتهت تأشيرة إقامتهم في البلاد التي قدموا منها. ثمة أسباب أخرى جعلت من الطلاب أقلية: أسعار البطاقات من جهة وبعد الكثيرين منهم عن المطارات الأساسية. يمكن الحديث في هذه الحالة عن أولئك الطلاب العالقين في إيطاليا، إذ إن معظمهم يدرسون في الشمال الإيطالي، فيما الطائرة التي حدّد موعدها نهار السبت المقبل ستحطّ في مطار روما، «وهي مسافة يستحيل على من يقطنون في الشمال قطعها للوصول إلى مطار العاصمة في ظل تعطّل الحياة»، يقول الدكتور محمد كمال، المتابع لملف الطلاب في إيطاليا. وكان هؤلاء قد طالبوا بطائرة تنطلق من مطار ميلانو الأقرب إليهم، إلا أن الأمور «شوي معقّدة»، تقول السفيرة اللبنانية في روما، ميرنا الضاهر.
لذلك، الطائرة الوحيدة التي تنطلق بعد أيام «مش رح يكون فيها عدد الطلاب كتير، لأنو غالبيتهم متركزين في الشمال»، والرحلة ستشمل «من هم في روما وضواحيها من دون الشمال والجنوب»، بحسب الضاهر. لكن، حتى الطلاب القريبون من روما يواجهون اليوم أزمة سعر البطاقة التي حددتها شركة «ميدل إيست» بـ926 دولاراً للدرجة الاقتصادية، وهي التي يجد الطلاب صعوبة في تحصيلها، ما يجعل الأمور إلى الآن غير واضحة.
في فرنسا، الأمر سيان. الطلاب العائدون قلة، لسببين أساسيين يحددهما السفير اللبناني رامي عدوان؛ أولهما أسعار البطاقات «التي فقد إزاءها الطلاب الحماسة للنزول إلى لبنان»، وثانيهما توزع الطلاب في مناطق كثيرة في فرنسا المقفلة اليوم بسبب إجراءات الحجر. من هنا، من يحالفهم الحظ هم الأقرب إلى المطار في باريس ومن تشملهم «الشروط». يروي عدوان أنه مع بداية أزمة «كورونا»، أنشأت السفارة خلية أزمة لتلقي مراجعات اللبنانيين، إضافة إلى خطين ساخنين. بعد ثلاثة أسابيع ونصف أسبوع، تلقت السفارة 2600 مراجعة، 60% منها من الطلاب «ومعظمهم يريدون العودة، فيما جزء آخر يتحدث عن المشاكل التي يواجهها، ولا سيما المالية». وكما في فرنسا، كذلك في إسبانيا وبيلاروسيا وألمانيا وأوكرانيا التي بدأت صرخات الطلاب اللبنانيين تخرج منها بعد تسجيل 1500 إصابة بالكورونا.
الأكيد أن الرحلات لم تشمل الجميع. ثمة طلاب باقون هناك لأنهم لم يفلحوا في العودة، وآخرون لا يريدون العودة بسبب الخوف على سنتهم الدراسية أو إقاماتهم. وفي كلتا الحالتين، الوضع كارثي. تتعدد أزمات هؤلاء من الكورونا وأزمتها النفسية إلى أزمة التحويلات المصرفية وما تسبّبه من جوع. كأنه لم يكف الطلاب الحجر الصحي حيث هم، ليزيد الطين بلة «الحجر المادي»، بحسب تعبير عدوان. ويشير الأخير إلى أنه لهذا السبب وضعت السفارة في تصرف الطلاب استمارة للمراجعة في ما يخصّ الحوالات المالية، وقد بلغ عدد المراجعات في هذا الشأن إلى الآن «170 مراجعة لطلاب يعانون من حجر على حساباتهم، وقمنا بالتواصل مع جمعية المصارف التي أبدت تجاوبها». لكن، إلى الآن، لا شيء، ما دفع السفارة من خلال غرفة التجارة اللبنانية ـ الفرنسية الى إنشاء رقم حساب لمساعدة الطلاب من خلال جمع المساعدات من المتموّلين اللبنانيين. واليوم، «تسمح لنا هذه المبادرة بمساعدة ما بين 150 الى 200 طالب خلال هالشهرين».
بعيداً عن المبادرات. من يعفي الطلاب وأهاليهم من أزمة المصارف التي تحجرهم مادياً بعد الحجر الصحي؟ يعني «بضهر الموتة عصّة قبر»، يقول هؤلاء، خصوصاً أنه في الأشهر الأخيرة، حدد سقف السحوبات بـ200 دولار شهرياً. وهي «التي لا تكاد تكفي لسد إيجار البيت أو فاتورتي المياه والكهرباء»، تقول الطالبة يارا الحركة المقيمة في إسبانيا. فقدت يارا عملها مؤخراً بسبب الحجر ومرضها، ولم يعد ثمة ما يكفي من الـ»cash money» لسدّ تكاليف العيش أو العلاج وسقف السحوبات تقلص. أما والدتها إلهام مبارك فقد خسرت معركتها مع المصرف، فليس باستطاعتها سحب الأموال من حسابها ولا تملك القدرة على تحويل المال لابنتها. وهي، إذ قالت لهم إن مبرر الطلب هو إصابة ابنتها بفيروس كورونا، إلا أنها لم تفلح بعدما «طالبوني بتقرير طبي يثبت إصابة ابنتي»! كما هي حال يارا وإلهام، كذلك هي حال أنيس سليم مع ابنته في بلاروسيا وابنه في ألمانيا.
صحيح أن هذا الأخير فشل في تحويل المال لابنته، إلا أنه استطاع حل أزمة ابنه جزئياً من خلال الطلب من أحد أقاربه في ألمانيا تزويده بالمال إلى حين انتهاء الأزمة. وهو ما لجأت إليه أيضاً أمل دياب، بالطلب من عمة ابنها في أميركا تحويل ألف دولار أميركي له إلى سلوفاكيا مقابل تسديد دفعة للأخيرة في لبنان. «سلف ودين»، هكذا هي حال أهالي الطلاب المغتربين اليوم. ولئن كانت بعض السفارات يحاول على الأقل اليوم حلحلة حسابات تلامذة السنوات الأولى في الاغتراب، إلا أن الكارثة أن لا حل جذرياً إلى الآن، وما يجري «هو محاولة حل مشاكل كل حساب بحسابه»، تقول الضاهر، السفيرة في روما. والأمور مستمرة هكذا إلى حين تعفي المصارف الناس من قراراتها الارتجالية.
لقراءة لمقال من الصحيفة اضغط هنا