نقلا عن صحيفة الأخبار- عمر موسى
غزة | يتفقّد السائق الشاب، محمد ظاهر، سيّارته المركونة قبالة بيته شمال قطاع غزة. يتفحّص حالة بطاريتها ومحرّكها. الساعة الآن تشير إلى الرابعة عصراً. كان من المفترض، في مثل هذا الوقت، أن يجوب الشارع ليلتقط رزقه. لكن «هيّاني قدّامك»، يقول ظاهر، «بظل أتفقدها حتى ما تتعطل مع الوقفة إلي شكلها مطولة كثير... وبرجع أندب هالحظ». ألقى الممسحة من يده، وأضاف مع تنهيدة مسموعة: «فوق العيشة الصعبة، كان ناقصنا كورونا! آه يا غزة شو مخبّى إلنا». منذ 15 يوماً لم يخرج ظاهر (29 عاماً) إلى عمله كغالبية عمال غزة، على إثر حظر التجول الشامل بعد تسجيل أكثر من ألف حالة مصابة بفيروس «كورونا». بضيق طافح، يضيف: «لديّ خمسة أولاد لا أستطيع توفير طعامهم منذ فرض الحظر»، متابعاً: «لا أحد ينظر إلينا».
سريعاً، تبدّت تبعات تفشي «كورونا» في القطاع المحاصَر منذ ما يزيد على 14 عاماً على حياة الناس. لكن الضرر المباشر، وبنسبة كبيرة، كان من نصيب عمال المياومة، وهم بالتحديد الباعة المتجوّلون وأصحاب البسطات وسائقو الأجرة وعمال رياض الأطفال والمحال التجارية والمصانع. وحال ظاهر تنسحب على هؤلاء الذين تَعطّلت أعمالهم تماماً. يقول رئيس نقابات العمال في غزة، سامي العمصي، لـ«الأخبار»، إن «160 ألفاً من عمال المياومة قد تضرّروا بصورة مباشرة أو غير مباشرة». وقُدّرت خسائر هؤلاء خلال الأيام العشرة الأولى من الإغلاق بنحو 27 ــ 29 مليون دولار. ويشير العمصي إلى أن 90% من عمال غزة هم تحت بند «اليومية»، وأنهم يحتاجون إلى دعم كبير من الجهات المختصة، مضيفاً: «قبل كورونا، كان هناك ما يزيد على 250 ألف متعطّل عن العمل، والآن يصل العدد مع استمرار الإغلاق إلى 300 ألف».
وفق العمصي، قَدّمت النقابة مقترحاً إلى وزارة العمل لإنشاء صندوق لإغاثة العمال، وتخصيص جزء ثابت من المعونات الخيرية والمنح لهم. لكن فرض الحظر «عرقل النقابة عن المتابعة... هناك وعود بخطوات ملموسة قريباً». أما «العمل»، فيقول وكيلها موسى السماك، إنها تضع عمال المياومة على رأس سلّم الاهتمامات، لافتاً إلى إضافة 70 ألف اسم من العمال المتضرّرين للاستفادة من منحة المئة دولار القطرية، إلى جانب الأسر الفقيرة. غير أن هناك تشكيكاً في جدوى هذه الخطوات، إذ مقارنة مع العدد الإجمالي لعدد الذين تَعطّلوا، وقيمة المساعدة نفسها (340 شيكل)، لا يبدو أنها تُعين العمال خلال أزمتهم. يقول بائع بسطة الملابس، محمد المدهون (32 عاماً): «شو بدها تعمل 100 دولار؟ بدها تطعمي عائلة؟ يدوب تكفي حاجات الأطفال».
على صعيد الوباء، تذكر وزارة الصحة في غزة أن مستوى الإصابات لا يزال ضمن النسب المتوقعة، وأنه «لم يتخطَّ حتى هذه اللحظة الخطط المسبقة للوزارة». وتلفت مصادر في «الصحة» إلى أن الأخيرة استفادت من تأخير وصول «كورونا» إلى القطاع لتدريب 11 ألف كادر من الوزارة والمؤسسات الطبية والأمنية، وكذلك في تعزيز جاهزية المستشفيات ومتابعة التجارب الدولية في التعامل مع الوباء. يقول المتحدث باسم الوزارة، أشرف القدرة، إنهم كانوا يتوقعون أن تُسجَّل يومياً 260 حالة، «ما يعني أننا لم نتجاوز مرحلة العمل على احتواء الوباء». ويضيف: «عدد المرضى الذين يحتاجون إلى التنفس الاصطناعي من مجمل الإصابات التي جرى تسجيلها أربعة أشخاص فقط، في حين أن ما بين 50 إلى 55 يتلقون العناية السريرية في مستشفى العزل... حالات الوفاة المسجلة كانت تعاني من أمراض مزمنة في حالة متقدمة».
على رغم هذا التفاؤل المحدود، يصف المدير العام للصيدلة في غزة، منير البرش، الواقع الدوائي بــ«الصعب جداً»، خاصة أن المستلزمات الخاصة بمواجهة «كورونا» لا تكفي غزة سوى أسبوعين أو شهر واحد على أقصى تقدير. ويبيّن البرش أن خدمة الرعاية الأولية الضرورية في مواجهة الجائحة تعاني من عجز بنسبة 60%، ومستودعات الأدوية في غزة تعاني من نقص 50% من الأصناف الضرورية والمطلوبة في هذه المرحلة خصوصاً للمرضى الذين هم بحاجة إلى الخدمات الأساسية كغسل الكلى والسرطان والهيموفيليا، كما أن 37% من المستلزمات الطبية الضرورية غير متوفّرة.
إلى ذلك، سُجّلت في غزة 195ح الة جديدة حتى ظهر أمس، ليرتفع إجمالي المصابين إلى 1551 بينها 1427 حالة نشطة (1422داخل القطاع، و5 في مراكز حجر المسافرين)، فيما بلغ عدد حالات الوفاة 10 (9 داخل المحافظات بينهم طفل رضيع، وحالة واحدة في مراكز الجحر).