نقلاً عن "هآرتس"
يكاد كل شيء يكون سياسياً، حتى في ذروة أزمة كورونا العالمية فإن عدداً غير قليل من القرارات التي تتخذها الحكومة يتأثر باعتبارات داخلية، التي يبدو جزء منها اعتبارات ضيقة. المثال البارز على ذلك يتعلق بالتجربة الفخمة التي اجتازتها السياسة في اليوم الأخير حول اقتراح فرض الإغلاق على البلدات والأحياء الأصولية التي حدث فيها تفش واسع للفيروس.
“بني براك” التي تتصدر قائمة البلدات التي أصيبت صرخت طالبة المساعدة. وبالفعل، تلقت معالجة واسعة – إغلاقاً محدداً، الذي كان هناك إلى جانبه تجند مؤثر للجيش الإسرائيلي لتوفير احتياجات السكان. ولكن بحساب متوسط المرضى لكل ألف نسمة نجد في رأس القائمة بلدات متدينة أخرى مثل “إلعاد” و”موديعين عيليت” إلى جانب تركيزات عالية من المصابين في الأحياء المتدينة في القدس و”بيت شيمش”.
غيلي كوهين قالت في هيئة البث “كان” بأن الهدف الأصلي لرئيس الحكومة نتنياهو هو فرض الإغلاق على ثماني بلدات متدينة أخرى. وزيران متدينان هما يعقوب ليتسمان وآريه درعي عارضا، وبالتالي تم تخفيف مشروع القرار. وقد تقرر فرض إغلاق مخفف يسمح للسكان الذين يعملون خارج البلدات بالخروج إلى العمل صباحاً.
ولكن هذا الاقتراح سقط وأجلت جلسة الحكومة الافتراضية مرة أخرى. الآن سيتم تشديد الإغلاق إلى درجة منع الخروج من المدن خلال فترة العيد، وهكذا سيتركز على الموضوع الذي يشغل نتنياهو منذ أسبوع: منع اللقاءات العائلية الواسعة عشية عيد الفصح. هذا بالفعل هو نقطة عدوى محتملة، لكن الانشغال فيها لا يمكنه أن يحل محل تركيز جهود مساعدة البلدات الأصولية. فنتنياهو ليس الوحيد الذي غير التوجه، بل إن وزارة الصحة الخاضعة لليتسمان عادت إلى التركيز على ليلة العيد. لسبب ما لم تدفع الوزارة أمس بتطبيق الموقف المهني الذي يقول إن فرض الإغلاق على بؤر الإصابة العالية أمر ضروري لمحاربة المرض.
معركة طويلة
في عدد من الدول الأوروبية التي أصيبت بصورة شديدة بالفيروس ظهرت مؤخراً بداية انخفاض في العدد اليومي من المصابين الجدد وحتى في نسبة الوفيات اليومية. يبدو أن خطوات الابتعاد الاجتماعي التي تأتي ذروتها في إغلاق شامل في دول مثل إيطاليا وإسبانيا، بدأت تعطي نتائج حقيقية على مدى ثلاثة أسابيع وأكثر من الموعد الذي اتخذت فيه.
ضربة كورونا في إسرائيل كانت أخف، ونسبة الإصابة والوفاة كانت منخفضة مقارنة مع تلك الدول. وما زال من الصعب أن نشخص ميلاً واضحاً باستثناء أن عدد من هم في حالة خطيرة ويربطون بالتنفس الاصطناعي ما زال يرتفع بنسبة معتدلة نسبياً ولا يخرج عن السيطرة.
طاقم من العلماء من معهد “وايزمن” قدر أن استمرار الإغلاق سيؤدي إلى انخفاض كبير في نسبة المصابين الجدد والوفيات بعد أسبوع تقريباً، وستكون نقطة التغيير في وضع يضاف في الدولة 10 – 20 مصاباً جديداً يومياً. وحسب تقدير الطاقم، فإنه إذا ما استمرت السياسة الحالية ودون تفش موضعي جديد فإن الأمر قد يحدث قبيل نهاية الشهر الحالي. بهذا سيكون من الممكن فتح تدريجي للاقتصاد من خلال استمرار التركيز على البلدات التي توجد فيها إصابة عالية.
هذا يسمع كتقدير متفائل. ورفع الإغلاق قد يؤدي أيضاً إلى عدوى جديدة واسعة وسريعة. يجب أن نضيف إلى ذلك تحذير الدكتور انطوني باوتشي، وهو الطبيب الأول الذي يقف على رأس المعركة الأمريكية ضد الفيروس، حسب قوله.. إذا لم يكن النضال ضد كورونا نضالاً عالمياً ومنسقاً، وإذا تبين أن الفيروس يتأثر حقاً بفصول السنة (أي أن انتشاره يكون أقل في الطقس الحار) فعلينا الاستعداد لعودته قبل الخريف والشتاء في نصف الكرة الشمالي. هذه ستكون معركة طويلة قد تنتهي فقط بعد تطوير لقاح ضد الفيروس.
الجيش محدود
صحيفة “إسرائيل اليوم” نشرت أمس رسالة أرسلها رئيس الأركان افيف كوخافي لرئيس الحكومة ووزير الدفاع نفتالي بينيت، وطلب أن تنقل إلى الجيش الإسرائيلي مسؤولية معالجة 8 مسائل رئيسية مرتبطة بمحاربة كورونا، منها تركيز الفحوصات وتركيز المعلومات عن الفيروس. وأضاف كوخافي بأن الجيش مستعد أن يأخذ على عاتقه وبصورة فورية العلاج المنهجي لمكافحة الفيروس.
هذا لن يحدث، كما يبدو، طالما أن بينيت يجلس في وزارة الدفاع. ربما ستتغير الأمور بعد تشكيل حكومة جديدة وتعيين وزير دفاع جديد. إن تدخل الجيش الإسرائيلي في هذه الأثناء بقي محدوداً، ورسالة رئيس الأركان ستحفظ في الأماكن المطلوبة، من أجل لجنة التحقيق المستقبلية (هناك من يقولون بأن هذا كان هدفه من البداية).
في “بني براك” يقوم الجنود بعمل ضروري. كان من الممتع أمس الاستماع إلى توجيه ضابط كبير ينشغل جنوده بنقل طرود الغذاء والمعدات إلى العائلات في المدينة. وإلى جانب نقاش حذر حول الفلفل الأحمر والجزر والبطاطا برز مستوى عال من الالتزام في المهمة والوعي الموجود هنا وليس في ساحة المعركة، وكان هناك اختبار حقيقي للجيش في هذه الأيام.
عندما سئل الضابط عن أفضليات الجيش في تولي معالجة الأمور في “بني براك”، بدت إجابته تتعلق أيضاً بالساحة الوطنية كلها. هذه تنعكس في ثلاثة أمور، قال. “لدينا قدرة إدارة وسيطرة تمكن من جمع معطيات وفهم، ولدينا جهاز لوجستي واسع؛ والجيش هو جهاز لانهائي، وسنكون هنا بقدر ما يقتضي الأمر”. هذه أفضليات الجيش في مكافحة الفيروس. في المقابل، هناك شك في قدرة الجيش على أن يكون بديلاً عن جهات مهنية تعالج المجموعة السكانية المحتاجة أو يرسمون سياسات بخصوص عدد الطواقم الطبية المطلوبة لمعالجة تشغيل أجهزة التنفس.
النشاط الذي في “بني براك” الآن، وكذلك في بلدات أصولية أخرى وفي القليل من دور المسنين، نشاط مناسب وناجع. ولكن لا يستطيع الجيش أن يشكل مثالاً ونموذجاً لجدية التعامل مع كورونا داخل البيت. محادثات مع آباء الجنود تظهر اضطراباً شديداً فيما يتعلق بالسياسات والتوجيهات المتغيرة من حين إلى آخر، وبالتأكيد بخصوص تطبيقها.
الجيش الإسرائيلي ينوي في البداية أن يفصل الجنود عن المجتمع المدني، وفق فرضية أن كورونا يتفشى بالأساس “في الخارج”، أما حجز الجنود في القواعد بكونهم شباباً، فسيؤدي إلى إصابة بسيطة، وتقريباً لن يتم الشعور بها. عملياً، يصعب الحفاظ على جيش محصن تماماً من الفيروس.
لقد أُرسل عدد كبير من الجنود إلى بيوتهم مؤخراً في إجازة طويلة بعد إنهاء دورات أو لأسباب مختلفة قبل عيد الفصح. هؤلاء الجنود يستطيعون أن يخلقوا سلسلة عدوى جديدة، في العائلة أو العكس، داخل الوحدة عند عودتهم إلى القاعدة. ورغم الحرص على الحفاظ على المسافة في المناطق العامة، إلا أن تطبيقها لا يتم بدرجة كافية في الفضاء المغلق – في غرف السكن والصفوف. في بداية الأزمة، خطط الجيش “كبسولات” محمية ستساعد على منع الإصابة الجماعية بالعدوى في الوحدات. هذه الطريقة تعمل، في أفضل الحالات، في وحدات الاستخبارات والأسراب الجوية وربما في السفن البحرية. في هذه الأثناء، يبدو أنه لا يوجد أي طريقة حقيقية لتطبيقها في الوحدات القتالية أو في جهاز التدريب.