في افتتاحية صحيفة “نيويورك تايمز”، نبهت إلى ضرورة حماية الخصوصية حتى في زمن فيروس كورونا، وقالت إن الكثير من الأمريكيين باتوا يعتمدون على الأدوات الرقمية للعمل عن بعد من مكاتبهم وأعمالهم ويجب ألا تكون الخصوصية الشخصية هي الضحية.
وبسبب أزمة كورونا أصبح الملايين من الأمريكيين يعملون في بيوتهم وأصبحوا يعتمدون على أدوات رقمية مثل “زووم” و”غوغل هانغ أوتس” و”فيسبوك ماسنجر” من أجل العمل أو التواصل مع الأصدقاء والعائلة.
ولأنها مجانية وسهلة الاستخدام فقد جذبت هذه الأدوات الرقمية ملايين المستخدمين الجدد. وهناك مثل معروف في سيلكون فالي “إذا كان المنتج مجانا فأنت المنتج” (بفتح التاء). فالحياة لم تعد عادية، والأمريكيون الذين يترددون في الأيام العادية بالكشف عن هويتهم خلال الوباء الحالي قد يضطرون لعمل هذا من مدارسهم وعائلاتهم أو العمل.
وكما حولت الكثير من المصانع خطوط الإنتاج إلى إنتاج أجهزة التنفس والأقنعة الطبية الواقية أو توفير كميات كبيرة من الطعام، فإن الشركات التجارية الكبرى تتعامل مع كل مستخدم على أنه إضافة للبيانات كي تستغلها وتتربح من بيعها على الإنترنت. وبالنسبة للمحظوظين ممن لديهم خدمات أجهزة كمبيوتر شخصية وخدمات إنترنت قوية “برودباند” فلا يكفي منهم القيام بتعديل اتفاقيات المستهلك مع هذه الشركات بل وعليهم التأكد من عدم تحول المحادثات التي يجرونها عبر الفيديو إلى جزء من جمع بيانات الأحداث.
وأصبحت شركة زووم التي توفر اجتماعات عبر الفيديو علامة متميزة في زمن الوباء لأن عدد المستخدمين لها تضخم في آذار/ مارس إلى 200 مليون مستخدم في اليوم من 10 ملايين العام الماضي، مما جعلها واحدة من الشركات القليلة التي ازدهرت أسهمها وسط تراجع العديد من الشركات.
وبدأ مستشار ولاية نيويورك القانوني بالتحقيق في زووم وطالبها بالتحرك وتعزيز إجراءات حماية المستخدمين وليس ردا على تغطية إخبارية سلبية تحدثت عن وجود ثغرات في إجراءات الحماية. وحذر مكتب التحقيقات الفدرالي زووم من تعرضها للهجمات المعروفة باسم “زووم بومينغ” وذلك بعد حادث انضم فيه القراصنة إلى اجتماع وبدأوا بالتحرش بالمشاركين وأطلقوا السباب العنصري أو الإشارات الساخرة، مما يثير مخاوف من أن البيانات الشخصية هي عرضة للخطر أيضا.
ووجدت “نيويورك تايمز” أن زووم وضعت بعض المعلومات عن الأشخاص في “لينكد إن” بدون موافقة المستخدمين، وقالت الشركة إنها اعترفت بالمشكلة وأصلحتها. واعتذر مدير الشركة إريك يوان عن الممارسات الأمنية المتراخية بما فيها نقل معلومات المستهلكين بالجملة إلى فيسبوك كما كشف موقع “ماذربورد”. وقالت الشركة إنها أخرت إطلاق برامج جديدة لمدة 3 أشهر حتى تحل المشكلة الأمنية.
ولأن المدارس في مناطق بنيويورك وبيتسبرغ ولاس فيغاس وكلارك كاونتي في نيفادا تخشى من الكشف عن الخصوصية فإنها لم تسمح بنقل الدروس على الإنترنت عبر زووم مما أخر عملية التدريس عبر الإنترنت. وقال المسؤولون إن استخدام النظام يطرح الكثير من المخاوف الأمنية، وإن الآباء قد لا يكونوا على درجة كبيرة من المعرفة التكنولوجية للتخلص من المشاكل التي قد تؤدي إلى جمع البيانات عنهم. وقال جيف إريكسون، وهو والد تلميذين في بيتسبيرغ، إنه قبل على مضض بكل الشروط التي وضعتها شركة مايكروسوفت لاستخدام برمجية الفيديو في منطقته و”مثل أي شخص فتهمني خصوصية ولدي، ولكنني لا أريد أن تضيع عليهم أي محاضرة لمدرسهم، ولهذا فلا خيار أمامي”.
وتعلق الصحيفة أن شركات التكنولوجيا وجدت فرصة في هذه الأزمة. وهناك قسم في غوغل يقوم بمشاركة معلومات المرضى للفحص من الفيروس مع متعهدي ووكالات الحكومة والأطراف الأخرى. وهناك مخاوف من قيام زووم ومايكروسوفت تيم باستخدام تكنولوجيا مسح البيانات على الأكثر حاجة، مثل المدارس والشركات التي تعتمد على هذه الخدمات ولا تعطيها أي خيار ولكن القبول بشروط الخدمة. وربما لا نلوم الآباء الذي يبحثون عن طرق لتخفيف العزلة عن أبنائهم لعدم قراءة شروط الخدمة قبل ربطهم بأجدادهم أو الترفيه عنهم بعدد من أفلام يوتيوب.
وعبرت إليزابيث جونسون، محامية الخصوصية في كاليفورنيا، عن أنها كانت في حالة من الحرج عندما أراد ابنيها وعمرهما 10 و12 عاما استخدام خدمات الفيديو لأنها تعرف أن الشركة ستحصل على بياناتهما. وقالت: “لم يكن لدي أية فكرة حول ما يجب علي عمله” و”البقاء في البيت أهم من مستقبل غير واضح حيث تتدخل الشركات بحياة أطفالي والمستهلكين على الإنترنت”.
ومرة بعد مرة أثبتت شركات التكنولوجيا أن البيانات التي تحصدها من المستهلكين وتبيعها لشركات الدعاية كي تخبرهم عن منتجاتها الجديدة أهم بكثير من الإحراج الذي تتعرض له. ففي دراسة لمجموعة من الباحثين في جامعة نورث إيسترن وكلية إمبريال بلندن وجدت أن المتحدثين الأذكياء من برامج غوغل وأبل وأمازون يمكنهم وبطريقة عرضية 19 مرة تقريبا وتسجيل نتفا من الأحاديث مدتها 40 ثانية وبدون معرفة المستخدمين.
ولم ترض هذه الشركات على وضع الأمريكيين الذين أجبروا على العمل من البيت بل وتحاول تغيير قوانين الحماية المتواضعة القائمة الآن.
وفي كانون الثاني/ يناير حصل ملايين الأمريكيين على فرصة طلب قراءة ملف مفصل عن البيانات التي جمعتها الشركات المتعددة الجنسيات وتجبر الأعمال التجارية على عدم جمع المعلومات عنهم، كل هذا بفضل قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا. وكانت النتيجة مدهشة حيث فضح القانون المدى الذي ذهبت إليه الشركات لجمع المعلومات بما في ذلك تسجيل لكل نقرة على قارئ كيندل وتفاصيل عن بطاقة الائتمان البنكية والعناوين الإلكترونية وقائمة شاملة بكل المشتريات وتدخل في ما يفضله المستهلك، مثل أي فيلم يرغبون بمشاهدته.
ومع كل ما يجري في أمريكا بسبب الوفاء إلا أن مجموعة من التجار وقعت عريضة إلى النائب العام في كاليفورنيا خافيير بيسيرا تطالبه بتأجيل تطبيق القانون حتى العام المقبل. وإن لم يقبل طلبهم فستجد الشركات فرصة للتخلص من طلب ينص عليه القانون وهو الكشف عن البيانات التي جمعتها عن سكان كاليفورنيا. بدلا من محاولة تعديل قوانين الخصوصية على الشركات تقديم ربط حيوي للناس وتحديد القدرات على جمع البيانات إلا ما كان منها ضروريا. ولكن الكثير من الشركات تجد صعوبة في التوقف عن جمع المعلومات حيث تقوم بتغيير شروط الاستخدام بشكل مستمر وتعدل الشروط التي يمكن من خلالها جمع البيانات. وبالنسبة للمستهلك فمتى بدأ باستخدام خدمة فمن الصعب عليه التوقف لأن معلوماته وصوته باتت مخزنة.
و”تعرف الشركات أننا كمستهلكين كسالى” كما يقول اليستر ماكتغرت الذي يقوم مجلس الخصوصية في كاليفورنيا و”لا نأخذ الحذر وتستطيع هذه الشركات استغلاله”. وفي النهاية خسر الأمريكيون الكثير بسبب فيروس كورونا ولكن عليهم الحفاظ على شيء واحد وهي الخصوصية.