نقلاً عن "ناشيونال إنترست"
تجعل العزلة والتباعد الاجتماعي، والتغيرات الشديدة بسبب تفشي فيروس "كورونا"، الحياة اليومية صعبة الآن، لذا يجب الاستعداد لما قد يتحول إلى وباء اكتئاب واسع النطاق بسبب آثار جائحة "كوفيد-19".
وندرس نحن علماء علم النفس في مركز علوم الاتصال الاجتماعي بجامعة واشنطن العلاقات البشرية، وكيفية تحسينها، وكيفية مساعدة الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، مع التركيز على الأساليب التي تستند إلى دليل علمي.
ولا نريد أن نكون من المبشرين بالأخبار السيئة، لكن هذه الأزمة والاستجابة لها ستكون لها عواقب نفسية، ويحتاج الأفراد والأسر والمجتمعات إلى بذل قصارى جهدهم للتحضير لتفشي وباء الاكتئاب، ويحتاج صانعو السياسات إلى التفكير في استجابة واسعة النطاق لهذه الأزمة القادمة.
عاصفة مثالية من مخاطر الاكتئاب
ويعرف معظمنا المكونات العاطفية للاكتئاب، وهي الحزن والتهيج والفراغ والإرهاق، ونظرا لظروف معينة، تستحوذ هذه الأعراض على الجسم، وتقوض الدافع وتؤثر على النوم والشهية والاهتمام، ويبدد الاكتئاب قدرتنا على حل المشكلات وتحديد وتحقيق الأهداف والقيام بالوظائف بشكل فعال.
وتؤثر الجينات على احتمالات الوقوع في أسر الاكتئاب، ولكنه بالنسبة للبعض يكون مدفوعا بالضغوط في البيئة المحيطة.
وتشير الضغوط الهائلة الناجمة عن أزمة "كوفيد-19" إلى أن نسبة كبيرة من الناس قد يصابون بالاكتئاب، ومن المحتمل أن يتوزع هذا الألم بشكل غير عادل.
الإجهاد والخسارة
ومما قد يفاقم هذه الضغوط الخسائر الشخصية الكبيرة وردود الفعل الحزينة تجاه ذلك، ويضيف المسار المستمر وغير المتوقع لهذه الضغوط طبقة إضافية من المخاطر.
ومع تكشف هذه الأزمة، سيرتفع عدد الضحايا، وبالنسبة للبعض، خاصة أولئك الموجودين على الخطوط الأمامية، ستؤدي التجارب الحادة من الحزن والصدمة والإرهاق إلى تفاقم الضغط وتعريضهم لخطر أكبر.
عزلة شخصية
وتضيف العزلة الاجتماعية المطولة، وهي استراتيجيتنا الأساسية للحد من انتشار الفيروس، طبقة أخرى من المخاطر، ولا تعد أجسادنا مصممة للتعامل مع الحرمان الاجتماعي لفترة طويلة.
وتشير الدراسات السابقة إلى أن الأشخاص الذين تم إجبارهم على "الاحتماء في مكانهم" يعانون من المزيد من الاكتئاب، ويصبح أولئك الذين يعيشون بمفردهم، ويفتقرون إلى الفرص الاجتماعية، معرضون لخطر أكبر، فالوحدة تولد الاكتئاب.
وقد تواجه العائلات، التي تجد نفسها مضطرة للعيش في أوقات غير عادية معا في أماكن ضيقة، مزيدا من الصراع، ما يزيد أيضا من المخاطر.
وشهدت الصين زيادة في معدلات الطلاق بعد بدء فترة الحجر الصحي لمواجهة تفشي الفيروس، وينبئ الطلاق بوجود حالات اكتئاب، خاصة بالنسبة للنساء، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى زيادة الصعوبات الاقتصادية بمرور الوقت.
صعوبات مالية
وتعد أكبر الضغوط بالنسبة للكثيرين هي الضغوط المالية، وسوف تكون البطالة والخسائر الاقتصادية شديدة، وتشير الأبحاث التي تم إجراؤها على فترات الركود السابقة إلى أن ارتفاع معدلات البطالة وانعدام الأمن المالي يؤدي إلى زيادة معدلات الاكتئاب والانتحار.
وأسفرت فترة الركود عام 2008 عن زيادة خطر الاكتئاب بنسبة 62% بين أولئك الذين تم الحكم عليهم بالحبس في منازلهم.
ويتم توزيع عبء آثار الركود الاقتصادي على الصحة النفسية بشكل غير عادل، وعندما انهار سوق الأوراق المالية في عام 2008، عانى الأغنياء من خسائر كبيرة في الثروة، لكن لم تزد بينهم معدلات الاكتئاب.
وفي المقابل، يكون أولئك الذين يعانون من البطالة والديون والحرمان المالي خلال فترات الركود معرضين بشكل كبير لخطر الاكتئاب بسبب زيادة الضغط وظروف الحياة الصعبة، وقد تكون الشركات الخاصة الصغيرة معرضة بشكل خاص لهذه الضغوط.
صعوبة الانتعاش
وبينما تزيد أزمة "كوفيد-19" من خطر الإصابة بالاكتئاب، فإن الاكتئاب سيجعل التعافي من الأزمة أصعب عبر مجموعة من الديناميكيات.
ونظرا لتأثير الاكتئاب على الدوافع وحل المشكلات، فعندما يتعافى الاقتصاد، فإن أولئك الذين يعانون من الاكتئاب سيجدون صعوبة في الانخراط في السعي وراء أهداف جديدة والعثور على عمل.
وعندما تنتهي فترة العزلة الاجتماعية الإلزامية، سيجد أولئك الذين يعانون من الاكتئاب صعوبة أكبر في إعادة الانخراط في نشاط اجتماعي هادف وممارسة الرياضة.
وعندما يتراجع خطر الإصابة بالفيروس التاجي، سيواجه المصابون بالاكتئاب خللا مناعيا متزايدا، ما يزيد من احتمالية إصابتهم بعدوى أخرى.
ويزيد الاكتئاب أعراض الأمراض المزمنة، وسوف يؤدي التوزيع غير العادل لعبء الأزمة إلى تفاقم الفجوة الطبقية في حق الحصول على رعاية صحية، بما في ذلك التفاوت في إمكانية الحصول على علاج للاكتئاب.
ماذا يجب أن نفعل؟
تقول تجربتنا إن تشجيع المكتئبين على تلقي المساعدة ليس كافيا، بل ومهينا في بعض الأحيان لأولئك الذين يكافحون حقا.
ونحن بحاجة إلى تحولات على مستوى أعلى في السياسة وإدارة الأزمات، وتعد تدابير الإغاثة الاقتصادية من الحكومات عاملا حاسما في مواجهة الركود الاقتصادي والاكتئاب النفسي.
وندعو إلى حملة للصحة العامة لزيادة الوعي بالاكتئاب وخيارات العلاج، وإدخال تحسينات على سياسات الإجازة المرضية المرتبطة بالصحة العقلية، وتقليل عوائق التأمين التي تحول دون الوصول إلى العلاج.
ويجب أن يتغير شكل حديثنا عن الاكتئاب، إن الضيق الذي نشعر به هو رد فعل إنساني طبيعي لأزمة حادة، ويمنع الاعتراف بهذه المشاعر من تحول هذا الضيق إلى اضطراب.
وعلى العكس، يزيد وصف الاكتئاب فقط كمرض دماغي من العجز وتعاطي المخدرات بين أولئك الذين يعانون من الاكتئاب، ويقلل من فرص طلبهم المساعدة.
وعلى النقيض من ذلك، فإن التأكيد على الدور السلبي للظروف المحيطة يشجع الأفراد المكتئبين عبر الأعراق والطبقات المختلفة إلى النظر في أسباب معاناتهم، ويقلل من وصمة العار المرتبطة بالمرض، ويزيد من طلب المساعدة.
وأخيرا، نوصي بإعطاء الأولوية لخيارات علاجية محددة، وتوجد خيارات علاج سهلة التدريب وقابلة للتطبيق عبر معظم الثقافات وأثبتت فعاليتها.
ونتمنى أن يتم تدريب جيش من الممارسين وإدماجهم في المجتمع ومراكز العلاج، وتجدر الإشارة إلى أن الاكتئاب يكلف الاقتصاد الأمريكي 210 مليارات دولار سنويا، هذا في ظل الظروف العادية، ما يعني أن وباء الاكتئاب يتطلب استجابة متعددة الأوجه والمستويات.