(من الصحافة العبرية)
هذه هي صورة الوضع. بعد أسبوعين على فرض إغلاق كورونا الثاني: الارتفاع الحاد في الإصابة في أوساط الأصوليين (حوالي 70 في المئة من المصابين الجدد)، مستمر؛ في الوسط العربي يظهر منحى لصد معين للإصابات، ولكن هذا يتعلق بانخفاض استعدادهم للإصابة، أما في أوساط اليهود غير المتدينين فيظهر استقرار، وربما انخفاض بسيط في عدد المصابين المشخصين في كل يوم.
العامل الأكثر تأثيراً على هذا الارتفاع الكبير في عدد الإصابات هو القطاع الأصولي. تبدأ الظاهرة بمصابين شباب، الذين لا تظهر عليهم أعراض في معظمهم. سجلت القفزة الكبيرة الأولى بداية آب عند استئناف التعليم في المدارس الدينية. وفي الأسبوعين الأخيرين تم تسريع الارتفاع، الذي يتوقع أن يزداد أكثر نتيجة الاندماج بين الصلاة المكتظة في الأعياد في عدد من الكنس والخروج الجماعي لطلاب المدارس الدينية إلى العطلة في البيوت عشية يوم الغفران، خلافاً لما اتفق عليه مع الدولة وبدون أن تجرى فحوصات كورونا للعائدين إلى بيوتهم.
كل ذلك لم يزعج مدير عام وزارة الصحة، حيزي ليفي، في الإعلان بأن سيتم فحص استئناف التعليم في المدارس الدينية رغم الاعتراف بأن النموذج الذي اتبع فيها “لم ينجح كثيراً”.
في هذه الأثناء دعا أول أمس، حاخامات كبار الجمهور الى اتخاذ مقاربة حذرة، لكن صيغ البيان بصورة غامضة بدرجة ما ولم يشمل منع صريح للاكتظاظ داخل الكنس. أحداث عيد العرش ونزول التوراة في نهايتها قد تتطور إلى دفيئة إصابة أخرى بفضاءات مغلقة ومكتظة. في آخر سلاسل الإصابة هذه يوجد مسنون وأصحاب أمراض مزمنة، واحتمالات إصابتهم بكورونا مرتفعة جداً.
وسجلت هذا الأسبوع أرقام قياسية في عدد المصابين المشخصين اليومي. فأول أمس، اقترب العدد من تسعة آلاف، وقد يتجاوز العشرة آلاف قبل بدء الهبوط. في الوقت نفسه تستمر الزيادة في عدد الوفيات اليومي، وحتى الآن لا يوجد تجاوز كبير في نسبة الوفيات من بين مجمل المرضى (نحو 0.6 في المئة من المصابين المشخصين). تعتبر إسرائيل الآن في مقدمة دول العالم من حيث عدد الإصابات الجديدة لكل مليون شخص، بل تقترب من أن تكون على رأس القائمة في عدد الوفيات (الجدد) لكل مليون شخص.
مع ذلك، يجب التوضيح بأن عدد الوفيات في العالم منخفض نسبياً، ولا يقترب من الأرقام العالية التي سجلت في الدول الأوروبية في بداية الوباء، في شهري آذار ونيسان. ونسبة الفحوصات هنا هي من الأعلى في العالم بصورة تؤدي إلى تشخيص مصابين كثر في كل يوم.
يطرح جهاز الصحة للمرة الأولى تقديراً بأن عدد من الوفيات في الفترة الأخيرة تلقوا علاجاً غير جيد في ظل العبء المتزايد في المستشفيات. في الأسابيع الأخيرة يظهر انخفاض في متوسط عمر المصابين الذين يصلون إلى وضع صعب. وهناك معطى آخر يتعلق بـ “مستوى قصور المستشفيات” الذي حُدد بـ 800 مريض في حالة صعبة. تم تجاوز هذه النسبة في بداية الأسبوع. وأعلن رئيس الحكومة نتنياهو بأنه أعطى تعليماته برفع النسبة إلى 1500، وهذا يحتاج الى تأهيل مستعجل لكثير من الطواقم لعلاج هؤلاء المرضى. لم يعط نتنياهو تفصيلات عما ينوي فعله كي يحدث هذا.
من أجل مواجهة العبء، تغلق المستشفيات أقساماً داخلية وتحولها إلى أقسام لكورونا، التي تلزم الطواقم بالعمل في ظل استخدام وسائل حماية شديدة. ولكن هذا هو الجزء الأقل إشكالية في سلسلة الإخفاقات التي تجد الدولة صعوبة في وقفها: نظام التحقيقات الوبائية، الذي ينشغل الجيش في توسيعه حتى الآن، لم يعد ذا صلة في الوقت الذي ينشغلون فيه بعدد كبير جداً من المصابين. وقال مرضى كثيرون بأنهم لم يتصلوا بهم قط، أو أنهم لم يتلقوا من الشاباك أي إعلان بشأن الإصابة عبر المحمول. في المتوسط، يعثر النظام الآن على حوالي 3.6 اتصال أجراه أشخاص مع مريض. هذه نسبة منخفضة جداً تدل على تقارير ناقصة؛ حوالي 30 في المئة من المحقق معهم يرفضون التعاون؛ وسياسة العزل لا تعمل. في القطاع الأصولي والعربي بشكل خاص يتم التعامل بتجاهل كاسح.
تم التخلي عن خطة البروفيسور روني غمزو “الإشارة الضوئية” فعلياً. يقول الإجماع في كابنت كورونا وقيادة جهاز الصحة، إن بقي حجم الإصابة المشخصة على المستوى القطري مرتفعاً جداً فلا توجد إمكانية لتطبيق تعامل تفضيلي مع المدن المختلفة، حتى لو كانت هناك فجوات كبيرة بينها في عدد المرضى. غمزو نفسه أصبح من الواضح أنه في طريقه الى الخارج، فهو يؤكد نيته في إنهاء خدمته الاحتياطية، حسب تعبيره، في 1 تشرين الثاني، والعودة إلى إدارة مستشفى ايخيلوف. العلاقة بينه وبين نتنياهو متوترة.
يسعى رئيس الحكومة وراء المتهمين العاديين، ومن بينهم موشيه بار سيمنطوف والبروفيسور غابي بربش. ويبدو أنهما ذكيان بما فيه الكفاية كي لا يقعا في هذا الشرك. سيتقمص نتنياهو المرة القادمة شخصية المحقق السيئ والمتشدد. أما نموذج المحقق الطيب الذي أصر غمزو على اتباعه، بشجاعة كبيرة، فلم ينجح في جعل الجمهور يتبعه.
“الإشارة الضوئية” وانكسارها
لم تتجاوز جلسة الحكومة الفوضى الدارجة في الفترة الأخيرة، إزاء الزيادة في عدد الإصابات، وأراد نتنياهو تشديد المحظورات في إطار الإغلاق. رئيس الحكومة البديل، غانتس، عارض ذلك، وأشار وبحقإالى أن الخطوات تم تشديدها دون مرور ما يكفي من الوقت لفحص تأثيرها على الخطوات القادمة. انتقلنا خلال عدة أسابيع من أسلوب “الإشارة الضوئية” إلى إغلاق شامل مع استثناءات لأماكن العمل وتقليل العمل في القطاع الخاص والعام وفي النهاية قيود مشددة على الحركة. وسرعان ما انزلقت الأمور إلى تبادل الصراخ بين نتنياهو وغانتس.
جزء كبير من الإحباط العام الذي يتبدى في تصريحات الوزراء في “أزرق أبيض” ينبع من تناقض بين غياب إنفاذ القانون في البلدات الأصولية رغم الإصابات هناك، وبين التشديد على الجمهور بشكل عام. هذه الأحكام تهبط على المواطنين رغم أنه ليس من الواضح جدوى هذه المحظورات في مكافحة كورونا. هكذا تم فرض قيود صارمة على السفر الجوي إلى الخارج. وقد شرحت موظفة كبيرة في وزارة الصحة أمس بأن القرار اتخذ “لأسباب مساواتية”.
لقد هدد نتنياهو بـ “سحب الحقوق” من أشخاص حسنوا التعليمات دون أن يوضح عما يتحدث. الإغلاق الأصلي خطط لمدة أسبوعين – ثلاثة أسابيع، ثم تم تمديده حتى 14 تشرين الأول. ومن الواضح أنه سيستمر. أصبح رئيس الحكومة يتحدث عن خروج تدريجي، الذي سيستمر “نصف سنة وحتى سنة” (!) قبل عودة الاقتصاد إلى الحياة الروتينية.
وتساهم الشرطة بطريقتها في الاكتئاب العام، والعنف، والانقضاض على المحتجين على أمور تافهة، باستدعاء محتجين آخرين لتحقيقات تخويفية. سلوكها هذا يدل على خطورة الوضع الذي يتولى فيه القائم بأعمال المفتش العام للشرطة عمله لفترة طويلة جداً. ومستقبله مرهون بإرادة رئيس الحكومة. تقارير المظاهرات، وتقارير جلسات الحكومة الليلية، تخلقان معاً شعوراً خانقاً لأيام ظلامية. اقتحمت كورونا حياتنا كوباء عالمي، غير مسبوق في العصر الحديث، ولكن يجب الاعتراف بأن سلوك الدولة في الإدارة الفاشلة وفي العنف الذي رافقها لا يشبه أي شيء شهده الإسرائيليون في الماضي.
يقول رؤساء “أزرق أبيض” بأنهم هم الشاب الهولندي الذي تعلق إصبعه في شق السد وتمنع تدميراً شاملاً. فعلياً هم (وربما نحن جميعاً) نشبه الضفدع في الطنجرة الموضوعة على النار وفيها مياه تسخن درجة وراء درجة. معظم جهود نتنياهو مركزة على نضاله لاإهاء المظاهرات. ما بدأ في نشر التهم والأكاذيب ضد الاحتجاج يتحول إلى خطوات فعلية هدفها وقفها بشكل كامل.
نبع الانفجار الأخير مع غانتس من محاولة رئيس الحكومة تقصير المدى المسموح للخروج من البيت، من ألف متر إلى 200، في حين كان واضحاً للمشاركين في الجلسة أن الأمر مخطط له ليكون خطوة خانقة للمظاهرات. ادعاء مؤيديه، وكأن نتنياهو يعتقد أن المظاهرات تخدمه لأنها تعرض معارضيه في ضوء منفصل ومضحك، لا يتساوق مع الوقت والطاقة التي يكرسها لذلك. أحد ما في المقر في بلفور يريد وقفها.
ادعاء جديد
محاكمة نتنياهو تقف في الخلفية أيضاً. في الإغلاق الأول، عندما توقف العمل في معظم مجالات الاقتصاد، استثنت اللوائح النظام البنكي، وسوق المال، وصناعة الهايتيك، ومكاتب مدققي الحسابات، ومكاتب المحاماة. في الإغلاق الثاني أخرجت من اللائحة المقلصة مكاتب المحاماة باستثناء الحاجة إلى القيام بـ “عمل مستعجل لحماية المصلحة”. عطلة المحاكم التي تكون أصلاً في فترة الأعياد تم تمديدها في هذه الأثناء لعدة أيام.
هذا تجمع مهم للصدف. يتوقع عقد عدة جلسات في محاكمة نتنياهو في الأشهر القريبة، والتي أهمها ستكون في 15 تشرين الثاني، وستناقش ادعاءات محامي رئيس الحكومة ومحامي صاحب “بيزك” شاؤول الوفيتش، بأنه لم تحول إليهم أي مواد تحقيق. في كانون الثاني القادم ستبدأ المحاكمة نفسها.
ولكن وقف نشاطات مكاتب المحاماة سيمكن نتنياهو ومحاميه من طرح ادعاء جديد يقول إنه لم يكن لهم ما يكفي من الوقت لفحص المادة وتجهيز أنفسهم للنقاش، لأن المكاتب مغلقة. هذا وضع “ون ون”. وإذا استجابت المحكمة فقد يتأجل النقاش لبضعة أشهر حتى الذريعة القادمة. وإذا رفضت، فقد يواصل نتنياهو الادعاء القائل بأن الجهاز القضائي ينكل به ويمنعه من القيام بجهد دفاعي عادل.