نقلا عن "أوراسيا ريفيو"
يتم نشر الجيوش للرد على القضايا الأمنية غير التقليدية التي تهدد رفاهية الدول والمجتمعات، وبالرغم من توجيهات الأمم المتحدة أنه يجب استخدام الجيوش فقط كملاذ أخير، إلا أن الاستخدام المتزايد للجيوش في أجزاء كثيرة من العالم يعزى إلى اتساع الفجوة بين احتياجات السكان المتضررين من جهة وقدرة الجهات الفاعلة المدنية على الاستجابة لحالات الطوارئ والكوارث بسرعة وعلى نطاق واسع من جهة أخرى.
ونلاحظ حالة مماثلة في الاستجابة العالمية للوباء اليوم. مع تزايد الضغوط على الرعاية الصحية وقوات إنفاذ القانون وأنظمة الخدمة الاجتماعية بسبب الآثار الواسعة النطاق للفيروس، يتم استدعاء الجيوش. وفي حين أن هناك مزايا من إشراك الجيوش في مكافحة الفيروس، هناك أيضًا قيود وعيوب محتملة للقيام بذلك.
العامل العسكري
يمكّن الهيكل التنظيمي للجيوش من توفير قدرات خاصة، مثل تعبئة موارد إضافية للتعامل مع المطالب غير العادية بسرعة لا يمكن لجهات أخرى في الحكومة القيام بها. وتتكون القوات العسكرية من أفراد مؤهلين جسديًا يتم تنظيمهم بشكل واضح في فرق ذات تسلسل قيادي محدد.
إلى جانب الوصول إلى الأصول الرئيسية مثل الجسور الجوية، والجسور العائمة، والمركبات الثقيلة، فضلاً عن الخبرة اللازمة لصيانة تلك المركبات وتشغيلها، تتمتع الجيوش بقدرات فريدة يمكن للحكومات استخدامها أثناء الأزمات والكوارث على المستوى الوطني.
يمكن للجيوش المساهمة بشكل فعال في الاستجابة للوباء في بلد ما. حتى الآن، نلاحظ ذلك في 6 مجالات رئيسية: (1) دعم إنفاذ القانون؛ (2) المساعدة الصحية والطبية؛ (3) الخدمات اللوجستية والهندسية؛ (4) المساعدة الإنسانية؛ (5) إدارة الأزمات؛ (6) الأبحاث.
ويخلق وجود الجيوش حالة من السيطرة والردع. وهذا مفيد بشكل خاص في الحفاظ على السلام والنظام في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان. ويمكن لتعبئة الجيوش أن تساعد في تقليل ومنع العصيان المدني والجرائم الانتهازية التي قد تعطل أو تقلل من فعالية الاستجابات للأوبئة.
لتسطيح منحنى انتشار الفيروس التاجي، تدعم القوات العسكرية مثل تلك الموجودة في فرنسا وإيطاليا وماليزيا وبنما والفلبين وبيرو وإسبانيا الشرطة في السيطرة على الحركة وفرض حظر التجول وفرض قيود السفر وإغلاق المؤسسات غير الضرورية.
ويجري تصميم العمليات العسكرية لتكون مكتفية ذاتيا. لذا فإن القوات العسكرية لديها القدرة على تقديم ليس فقط الأفراد والخدمات، ولكن أيضًا الأصول والبنية التحتية اللازمة دون عبء إضافي على المدنيين. وهذا مفيد عند تقديم المساعدة الصحية والطبية، وكذلك الخدمات اللوجستية والهندسية.
يقوم جنود من إسبانيا ببناء مستشفيات مؤقتة، بينما يقوم عسكريون في فرنسا بنقل المرضى. ومع ذلك، فإن معظم الجيوش تدعم تقديم المساعدات التقليدية والأنشطة المتعلقة بالإغاثة مثل تعبئة البضائع وحراسة الشحنات وتوصيل الإمدادات.
هناك أيضًا جيوش تقوم بأدوار غير تقليدية بما في ذلك الأدوار التي لا تعتمد بالضرورة على القوة الغاشمة. تم نشر أفراد من القيادة العسكرية الكورية الجنوبية لتطهير العديد من المناطق وتعقيم المرافق المصابة.
اعتمد الجيش البريطاني على علماء في وزارة الدفاع لمساعدة الصحة العامة في منع انتشار الفيروس. وبينما توظف سنغافورة جنودها ببراعة لتعزيز الدفاع النفسي للبلاد، تم نشر الجيش في بعض المستشفيات لإدارة عملية نقل الجثث في إسبانيا.
الجانب السلبي
اعتمادًا على السياق، قد يُنظر إلى الرد العسكري على أن الحكومة تتخذ إجراءات من خلال إبراز القوة، أو قد يُنظر إليه على أنه عسكرة للاستجابة للوباء، وقد يسبب ذلك خوفا وذعرا غير مرغوب فيه، ولهذا يحتاج القادة المدنيون إلى إدارة تلك العملية بعناية.
تقدم ألمانيا مثالاً جيدًا على كيف يمكن للرسائل الصحيحة أن تزيد من قبول الناس للتدابير غير العادية. يمكن للجيوش، وخاصة تلك التي على اتصال مباشر بالمدنيين، القيام بدورها في تهدئة مخاوف الجمهور من خلال التخلص من الأسلحة والدروع كلما كان ذلك معقولاً.
إن الوظيفة الأساسية للجيوش هي ضمان الأمن القومي الذي ينطوي على الدفاع عن الدولة من الهجمات الداخلية والخارجية التي تهدد السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية. لذلك تركز الجيوش التي تساعد في الشؤون المدنية على القضايا التي تهدد الأمن القومي أكثر من اهتمامها بتقديم المساعدة الإنسانية.
يتم تكليف الجيوش بمهمة التمييز بوضوح بين "الأصدقاء" و"الأعداء". ولذلك إذا كان الجيش طرفًا في نزاع داخلي مع حركات انفصالية، أو جهات الجريمة المنظمة، فإن السكان المرتبطين بـ "الأعداء" أو الذين يتم تمييزهم بوصفهم "أعداء" سيفقدون إمكانية الوصول إلى المساعدة والإغاثة.
موازنة العلاقات المدنية العسكرية
لموازنة ذلك، تحتاج السلطات المدنية إلى تعيين منسق مدني عسكري وظيفته إشراك الجيوش بشكل استباقي في حوار لحماية وتعزيز المبادئ الإنسانية، وتجنب المنافسة، وتقليل التناقض، واتباع أهداف مشتركة.
تعتبر الجيوش قابلة للتكيف بشكل استثنائي. بالرغم من أنه ليس كل ما لديهم أوما يمكنهم فعله ينطبق على المشكلة المطروحة. تحتاج الجيوش لتوضيح الثغرات في قدراتها للنظراء المدنيين في وقت مبكر. على سبيل المثال، لاحظت وزارة الدفاع الأمريكية أن مواردها مصممة لعلاج الإصابات الجسدية، وليس للتعامل مع الأمراض المعدية.
على هذا النحو، لا تحتوي مستشفياتها الميدانية بالضرورة على أماكن منفصلة، ولا يمكن للمستشفيات العائمة علاج المرضى الذين يعانون من أمراض وإصابات معدية. وكما شهدنا في مدينة نيويورك، فإن فإن المستشفيات العئمة التابعة للبحرية الأمريكية أخلت المستشفيات المدنية من الحالات غير المعدية حتى تتمكن الأخيرة من التركيز على المرضى الذين يعانون من "كورونا".
وتواجه الاستجابات التي يقودها الجيش بعض القيود في التنفيذ. على سبيل المثال، يهيمن على المؤسسات العسكرية الذكور، مما يعني أنه يجب اتخاذ ترتيبات لجعلهم قادرين على رعاية النساء والأطفال وغيرهم من الفئات الضعيفة من السكان. في بعض الحالات، يجب نشر سيدات عسكريات على وجه التحديد لمساعدة السلطات المدنية.
سد الفجوة
يمكن للاستجابة من العسكريين أن تسد فجوة القدرات المدنية أو يمكنها توسيع الفجوة. إذا تم توظيف الجيوش بحكمة، يمكن أن تساهم في تحقيق نتيجة إيجابية.
ويمكن للجيوش أن تساعد بعدة طرق، لكنها لا تستطيع حل كل المشاكل التي تحتاج استجابة من الحكومة.
في الواقع، تخلق الأزمات والكوارث فرصا لأنها تكشف نقاط القوة والخلل في المجتمعات التي تضربها.
ومع أن الجيوش لديها خبرة في الاستجابة لحالات الكوارث، فإن "كورونا" هو وباء استثنائي ومختلف. وليس من الواضح كيف ستخرج الجيوش من هذه الأزمة بالذات.