نقلًا عن موقع العهد الاخباري
مع إعلان منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا وباءً، ظهر إلى العلن خلاف حاد بين شركات التأمين والمستشفيات الخاصة في لبنان. الخلاف تمثل في طلب الأولى من المشافي الخاصة عبر وزارة الاقتصاد خفض تعرفة علاج زبائنها من مرضى كورونا لتُقارب التعرفة المخصصة لصندوق الضمان الاجتماعي، لكن الأخيرة رفضت لكون فيروس كورونا وباء مستجدا يتطلب علاجه تغييرات على صعيد تجهيز المستشفيات الخاصة، وبالتالي ارتفاعا في التكاليف، رفض نقيب المستشفيات أن تتحملها وحدها.
تشهد الأزمة بين الطرفين شد حبال وتراشقا للمسؤوليات، في حين لا تزال الحكومة ووزارة الاقتصاد تبحث عن حلٍ يرضي الطرفين. وبين هذا وذاك، من المسؤول عن دفع تكاليف علاج مرضى كورونا من غير المشمولين في خدمات الضمان الاجتماعي؟ وهل يُترك هؤلاء لمواجهة مصيرهم؟
شركات التأمين تفاوض: تعرفة قريبة من تعرفة الضمان أو لا دفع لتكاليف مرضى كورونا
في الأصل تتضمن بوالص التأمين بندا يفيد بعدم دفع شركات التأمين تكاليف علاج مرضى الأوبئة، وهو بند تعتمده كل شركات التأمين حول العالم. بحسب ما يقول رئيس جمعية شركات التأمين في لبنان إيلي طربيه لموقع "العهد" الإخباري، فإن مسؤولية دفع تكاليف الزبائن جراء العلاج من الأوبئة هو من واجب الدولة وليش الشركات. لكن نزولًا عند تمني وزير الاقتصاد، وافقت شركات التأمين على تحمل هذه التكاليف شريطة مساواة المشافي بينها وبين صندوق الضمان الاجتماعي من حيث التعرفة أو على الأقل تقارب التعرفات من حيث الأسعار، الأمر الذي رفضه نقيب المستشفيات سليمان هارون.
يبرر طربيه موقف شركات التأمين بالقول إن الوباء يعني عدم معرفة عدد الإصابات والوفيات وكذلك عدم معرفة توقيت انتهاء الأزمة وإيجاد علاج، ما يستوجب على الشركات دفع تكاليف علاج لعدد مجهول وكبير من المرضى قد يوصلها في نهاية المطاف إلى الانهيار.
يرد طربيه على قول هارون أن لا تعرفة في الضمان خاصة بوباء كورونا بالسؤال: "كيف يدخل مرضى الضمان الاجتماعي من المصابين بالفيروس لتلقي العلاج في المشافي الخاصة نفسها، وتتم محاسبتهم على أساس تعرفة الضمان الاجتماعي دون عوائق؟ ولماذا يجب على شركات التأمين دفع تكاليف استشفاء زبائنها من مرضى كورونا أضعاف ما يدفعه الضمان الاجتماعي للمستشفيات الخاصة؟
لم تُرضِ التعرفة الجديدة المقدمة من قبل المستشفيات الخاصة لوزارة الاقتصاد شركات التأمين. طربيه اعتبر أنها أقرب إلى أسعار دخول المستشفى في الدرجة الأولى، تصل إلى 300% بالنسبة لتعرفة الضمان، وقال:" نحن نتحمل التكاليف بمبادرة إنسانية منا لكن هذا لا يعني طلب ما يفوق قدراتنا المالية".
يتحدث طربيه لـ"العهد" عن مخاطر دفع الشركات تكاليف علاج مرضى كورونا وفق تعرفة المشافي الخاصة، موضحًا أن هذا الحل قد ينهي أزمة مرضى كورونا، لكنه يخلق أزمة مستدامة لدى الشركات قد تصل بها إلى العجز عن دفع تكاليف الاستشفاء لغير مرضى كورونا، والإيفاء ببوالص تأمين العمال الأجانب الذين يعالجون من كورنا وغيره وفق تعرفة الضمان، أو بوالص التأمين غير الصحية لزبائنها.
كلفة دخول إصابة حرجة جدا بكورونا إلى المشافي الخاصة ليوم واحد تبلغ 2.5 مليون ليرة
يشرح طربيه لموقعنا عن حجم التكاليف الملقاة على عاتق الشركات قائلاً: "هناك ثلاثة أنواع من الأكلاف، الكلفة العادية لمريض كورونا في الغرف العادية، والكلفة المتوسطة لمريض كورونا المحتاج لدخول غرفة العناية الخاصة، والأكلاف المرتفعة لمرضى كورونا من المحتاجين لجهاز تنفس اصطناعي في غرف العناية الفائقة كل الوقت، وكما هو واضح، فإن فترة مكوث المصابين حتى الشفاء تطول، وإذا افترضنا أن معدل بقائهم حتى التعافي يبلغ 30 يوما، مع طلب المشافي الخاص منا للحالات الحرجة جدا مليونين ونصف المليون على اليوم الواحد، يكون المبلغ لمريض واحد على مدى شهر 75 مليون ليرة، وهو فوق طاقتنا بكثير".
وفضلا عن الشركتين العالميتين للتأمين Signa وMet life Alico، رفضت باقي الشركات تغطية تكاليف الاستشفاء إلا بشرط أن تقارب التعرفة تعرفة الضمان الاجتماعي.
يؤكد طربيه أن المشافي الخاصة تعمل عكس مصلحتها الشخصية، إذ إنها ترفض استقبال مرضى كورونا من زبائن شركات التأمين وفق شروط الأخيرة، وفي الوقت نفسه فإن أسرتها شبه خالية من المرضى والعمليات الباردة بفعل انتشار فايروس كورونا والإجراءات المرتبطة به. ومع عدم ارتفاع الإصابات ووصول المشافي الحكومية إلى قدراتها الاستيعابية القصوى، يسأل طربيه "ماذا ستفعل المشافي الخاصة حينها؟".
كما يشير طربيه إلى استعداد الشركات الخاصة لدفع 5 ملايين من قيمة تكاليف العلاج لزبائنها في ما بعد، لافتا إلى أن ذلك لن يعود على المستشفيات الخاصة بالفائدة. ويختم بأن المطلوب تضحية من المستشفيات الخاصة لملاقاة شركات التأمين في منتصف الطريق، في حين أن الأخيرة في الأساس تقوم بمبادرة إنسانية ليست واجبا عليها بحسب ما تنص عليه بوالص التأمين.
المستشفيات الخاصة: لا قدرة لنا على استقبال مرضى كورونا بمبالغ دون الكلفة
للوقوف عند الرأي الآخر، تواصلنا في موقع "العهد" مع نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان د.سليمان هارون. في حديثه يرد هارون على مواقف رئيس جمعية شركات التأمين بالقول: "كورونا وباء مستجد، لذلك فإن متطلبات علاجه تفترض استحداث تغييرات هندسية في الغرف، واستيراد معدات طبية خاصة لا يلحظها الضمان الاجتماعي، على سبيل المثال فإن تجهيز الغرفة العادية في أي مستشفى خاص لتستقبل مريض كورونا يستوجب تكاليف بقيمة 30 ألف دولار، لتحسين نوعية التهوئة حرصًا على منع انتقال العدوى، فضلًا عن كلفة المستلزمات الطبية التي يتوجب على الكوادر الطبية والتمريضية الالتزام بها مع كل دخول لغرفة مريض كورونا، من اللباس الواقي الكامل وهذه غير ملحوظة في تعرفة الضمان الاجتماعي".
يتابع نقيب المستشفيات الخاصة: "فضلا عن ذلك فإن عدد الممرضين نسبة لعدد المرضى لا بد أن يكون مرتفعًا، لأن هذا الوباء يحتاج إلى طاقم تمريضي كامل، في حال كان 3 مرضى في العناية الفائقة، يحتاج كل مريض منهم لممرض يرافقه بشكل دائم، كلها أمور غير ملحوظة في تعرفة الضمان، وبالتالي فإن كلام شركات التأمين عن إعطائهم تعرفة مثل تعرفة الضمان لتغطية تكاليف استشفاء مرضى كورونا من زبائنهم هو كلام وهمي وغير منطقي".
وردا على اعتبار طربيه كلفة علاج مرضى كورونا في المشافي الخاصة مرتفعة، يؤكد هارون أن مبلغ المليونين ونصف المليون هو فقط للمرضى ذوي الحالات الحرجة جدا، ممن يتطلب علاجهم البقاء على أجهزة التنفس طوال الوقت في غرف العناية الفائقة، ويلفت إلى أن نسبة هؤلاء من مجمل مرضى كورونا لا تتعدى 5%، في حين أن التعرفة للمرضى العاديين المصابين بكورونا هي ملايين ليرة، أما المرضى المحتاجون لعناية فائقة دون أجهزة التنفس فالتعرفة لهؤلاء هي مليون و400 ألف ليرة، وهي أرقام مدروسة ومخفضة من قبلنا نزولا عند "مونة" وزير الاقتصاد علينا بتخفيف التعرفات.
يشرح هارون بالتفاصيل التكاليف المتوجبة على المشافي، ويقول: "في الحد الأدنى لدينا مستلزمات وقاية بقيمة 600 ألف ليرة مع دخول الممرض إلى غرفة مريض كورونا لمرة واحدة، كل دخول لممرض تكلف ما بين 25 و30$ أدوات وقاية يتم تلفها عندما يخرج من الغرفة، في حال دخول الممرض 10 مرات في اليوم فالمجموع هو 300 دولار ولا زلنا نتحدث فقط عن مصروف أدوات الوقاية، عدا عن الأمصال والأدوية وأجرة الغرفة وأتعاب الأطباء، وهذه كلها غير ملحوظة في تعرفة الضمان الاجتماعي".
يشير هارون إلى تواصله مع مدير عام صندوق الضمان الاجتماعي د.محمد كركي، طالبًا منه النظر بتعديل التعرفة للمضمونين فيه ممن تستقبلهم المشافي الخاصة للعلاج من فيروس كورونا، وجرى الاتفاق على تقديم المستشفيات الخاصة دراسة الأسبوع المقبل للبحث في تعديل تعرفة الضمان الاجتماعي، لتتناسب والتكاليف المرتفعة التي تتطلبها عملية استقبال وعلاج مرضى فيروس كورونا.
لا يرى هارون سببا لـ"مسايرة" شركات التأمين ويقول: "بصراحة، نحن في المستشفيات الخاصة نراعي المؤسسات الاجتماعية من الضمان الاجتماعي والقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي بتعرفة مدروسة وخاصة لا علاقة لشركات التأمين بها وهو أمر يسير هكذا على مر التاريخ، هي جهات رسمية ضامنة تقدم خدمة للمواطن لذلك فتعاطينا معها خاص، يختلف عن التعاطي مع شركات تجارية تحصد أرباحا هائلة".
هارون: "مش ماشي الحال"
يؤكد هارون أن خسارة المشافي الخاصة كبيرة في هذه الأزمة، لكنها لن تترك المرضى يموتون على أبوابها، ويضيف: "في حال الاستمرار باستقبال المرضى بهذه الوتيرة فإن الخسائر ستكون أكبر على القطاع، وكوننا لا نرضى بموت المرضى على أبواب المشافي الخاصة، لا يعني استغلال شركات التأمين هذه النقطة للضغط باتجاه خفض التعرفة".
يأخذ هارون على شركات التأمين مأخذا لكونها تتحدث عن الخسائر في الوقت الذي توفر فيه الكثير من المبالغ في ظل أزمة كورونا، مثل تكاليف حوادث السير لأن قرار التعبئة العامة فرض تقنينا لحركة السير إلى حد كبير، فضلا عن خلو المشافي من العمليات الباردة نظرا للظروف ما يعني وفرا كبيرًا في أموالها.
معضلة أخرى تعانيها المشافي الخاصة بحسب هارون هي السوق السوداء للأدوات الطبية، تجارها لا يوفرون فرصة لـ"سلخ" المشافي بأسعار مرتفعة ويستغلون النقص في هذه المعدات لاحتكارها وزيادة أرباحهم. كلها عوائل جعلت المشافي محرجة، من جهة ترفض ترك المرضى على أبوابها، وفي المقابل تتخوف من الخسائر الكبيرة في حال استمر الأمر على ما هو عليه. هم على استعداد - بحسب هارون - لإعادة النظر في التعرفات لشركات التأمين، لكن أولا لا بد للدولة من تأمين المعدات الطبية لهم بالسعر المعقول، والنظر في تعديل تعرفة صندوق الضمان الاجتماعي.
هل يُعدّل صندوق الضمان الاجتماعي تعرفة استقبال مرضى كورونا في المشافي الخاصة؟
ربطا بما طرحه نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون تواصلنا مع مدير صندوق الضمان الاجتماعي د.محمد كركي، الذي أكد لموقعنا أنه طلب من هارون كتابا رسميا للبحث في إمكانية رفع التعرفة، بحسب ما تقتضيه الضرورة.
وبين شركات التأمين والمشافي الخاصة، يميل كركي للمستشفيات، موضحا أن لا تعرفة ثابتة للضمان الاجتماعي في ما يخص كورونا، فـ"تعرفة مستشفى الجامعة الأميركية ليست كتعرفة مستشفى البترون وهي بدورها ليست بنفس المستوى مع مستشفى السان جورج، وكل قسم في كل مستشفى له تعرفة، فالعزل غير العناية الفائقة غير الغرفة العادية، وبالتالي كل حالة مرضية مصابة بفيروس كورونا تختلف عن الأخرى بحسب حراجتها".
ويختم حديثه لموقع "العهد" الاخباري: النقاش لا يزال جاريا بين نقابة المستشفيات وشركات التأمين بمتابعة من قبل وزارة الاقتصاد للتوصل إلى تعرفة مقبولة من الطرفين لتغطية تكاليف الاستشفاء، وكلنا أمل أن يصل الخلاف إلى الحل.
للإشارة، حاول موقع "العهد" التواصل مع رئيسة لجنة الرقابة على شركات الضمان أي "شركات التأمين" نادين حبال للوقوف على آخر المستجدات في هذه القضية لدى الجهات الحكومية، لكن تعذر الأمر لعدم اجابتها.
لقراءة المقال من الموقع اضعط هنا