(موقع العهد الإخباري)
لم يعُد عدّاد الإصابات اليومي لفيروس "كورونا" مفاجئاً. اعتدنا نحن اللبنانيون أن تتخطّى الأرقام الألف حالة يومياً. عندما يردنا جدول الإصابات بتنا نتطلّع تلقائياً إلى الرّقم التّالي للواحد. الوضع في لبنان بلغَ مراحل من الإنتشار الواسع، وللأسف لا يزال الإستهتار سيد الموقف، بل لا يزال "كورونا" في نظر كثيرين هو ذلك الفيروس المزحة. يُطلق البعض عبارات من حولنا تستدعي الأسف. الأسف على كافّة الجهود التي بُذلت لاحتواء الفيروس الذي وصل اليوم إلى مراحل بات فيها خارج السّيطرة. وما يستدعي القلق أكثر أنّ المستشفيات في وضع لا تُحسد عليه بعد أن بدأت أسرة العِناية الفائقة تنفد، ما يطرح السْؤال عن الواقع الذي يتّجه إليه لبنان على أبواب فصل الشّتاء والإنفلونزا القادمة مع ما يحمله هذا الأمر من تداعيات واسعة.
البزري: لبنان يعيش مرحلة خطِرة
عضو اللّجنة الطبيّة لمكافحة كورونا الدكتور عبد الرحمن البزري يستهلّ حديثه بالإشارة إلى أنّ لبنان يعيش مرحلة خطرة من انتشار فيروس "كورونا" لعدّة أسباب؛ أوّلاً غياب التّنسيق بين مختلف المؤسّسات والدّولة اللّبنانية، ثانياً عدم وجود انضباط اجتماعي حيال الفيروس وبالتّالي غياب أي ضوابط إجتماعية لتنظيم عودة الحياة إلى طبيعتها بشكل تدريجي وسليم. ثالثاً، الوصول إلى مرحلة دقيقة فالنِسب الموجودة لدينا تشير إلى الإنتقال المجتمعي حيث أصبح (covid 19) جزءاً من الإنتقال الدّاخلي اللْبناني ما يعني أنّه أصبح من الصّعب بمكان تحديد السّلسلة التي تنقل الكورونا، إذ لدينا ما يفوق الألف حالة يومياً ومن الصّعب على نظام الترصّد الوبائي تحديد مصدر العدوى وبالتّالي تصعب السّيطرة والإحتواء.
قد نشهد في الأيّام المُقبلة إرتفاعا في عدّاد الإصابات
وفق البزري، وصل لبنان إلى مرحلة حرجة بسبب انتشار الفيروس بسرعة، وإصابة القطاع الصّحي بنكبة كبيرة نتيجة انفجار المرفأ وتعطّل عدد من المستشفيات ولعدم تجاوب جزء من هذا القطاع الصّحي مع الإرشادات التي كانت تُرسل إشارات تدعو فيها إلى ضرورة أن يكون هناك أداء أفضل في مواجهة كورونا. بحسب البزري، بدأ لبنان مرحلة قد يشهد فيها وجود عدد كبير من الإصابات وسط الإمكانيات الإستشفائية المحدودة. بتقدير المتحدّث، من المرجّح جداً أن نشهد في الأيّام المُقبلة ارتفاعا في عدّاد الإصابات لأنّنا مُقبلون على فصل الشّتاء وهي الفترة التي تنتشر فيها الفيروسات التنفسيّة. بالنّسبة للبزري فإنّ تأثير انتشار هذه الفيروسات على الكورونا غير معروف بعد، وهناك عوامل في الشّتاء تُشجّع على انتشار فيروس "كورونا" وهي: تحوّل كافّة النشاطات إلى القاعات المغلقة، تراجع أشعّة الشّمس ما يقلّل من نسبة الفيتامين "د" الذي يُساعد على المناعة، كما أنّه من غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت هذه الفيروسات ستنافس الفيروس المستجد أم تُساعده الأمر الذي يمهّد الطريق أمام إصابات بالكورونا والفيروسات التنفسيّة معاً، ما يعني أنّنا أمام فصل دقيق وخطير، يختم البزري.
الأبيض: التجاوب مع جهود احتواء عدوى كورونا لم يكن بالمستوى المطلوب
لا يُنكر مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي الدكتور فراس الأبيض أنّ هناك جهوداً تُبذل في سياق احتواء العدوى، منها جهود العزل الجزئي ووضع الكمّامات وما شابه، ولكن للأسف بيّنت التجربة أنّ التجاوب مع هذه الجهود لم تكن بالمستوى المطلوب، وكلّنا يرى صور المقاهي والمطاعم والأماكن التي يسود فيها الإختلاط المجتمعي وسط عدم التزام بالكمّامات كما يجب، وهذا الأمر دفع بالعدوى نحو الإنتشار.
الخط البياني يسير نحو التصاعد
ومن النّاحية الإستشفائية، يؤكّد الأبيض أنّ القدرة الإستيعابية القصوى للمستشفيات كادت أن تُشرف على الإنتهاء لولا الجهود التي بُذلت والتي زادت حيالها بعض المستشفيات قدرتها الإستيعابية. هذه الزيادة اشترت لنا القليل من الوقت ولكن من الواضح جداً أنّ الخطّ البياني يسير نحو التّصاعد وإذا استمرّينا على هذا الحال فإنّ الأُسرة الإضافية التي تأمّنت ستمتلئ وسنقع في المُشكلة ذاتها المتمثّلة بعدم وجود أسرة للمرضى.
للتجاوب وإلّا...
لذلك، ما المطلوب؟ يسأل الأبيض ويجيب على سؤاله بالإشارة إلى أنّنا وبعد تأمين أسرة إضافيّة تقينا شرّ موت المرضى في الطّوارئ، لا بدّ من استغلال الوقت الثّمين جدّاً عبر التّجاوب من قبل الجميع وإلّا نحن مقبلون على وضع أصعب. لا ينكر الأبيض أنّ الحسنة الموجودة لدينا حتّى السّاعة تتمثّل في أنّ نسبة الوفيّات لا تزال 1 بالمئة، أمّا السيناريو الإيطالي والفرنسي وغيرهما وصلت فيهم نسبة الوفيّات إلى ما يفوق الـ15 بالمئة، ولكن في المقابل لا بدّ من الإنتباه إذ لا يجوز استسهال حياة النّاس حتّى ولو كانوا كباراً في السّن.
حميّة: الإصابات ستظلّ على المنوال نفسه حتّى نهاية العام
نائب رئيس لجنة علماء لبنان لمكافحة الكورونا (lscc) والمتخصّص في علوم الجزيئيّات الذريّة والنانوتكنولوجيا الدكتور محمد حمية يُشير في حديث لموقع "العهد" الإخباري إلى أنّ الإصابات في لبنان ستظلّ على المنوال نفسه الذي تشهده اليوم حتى نهاية العام، وستتراوح من 800 حتى 1600 إصابة يومياً. تبيان حقيقة الإصابات وانتشار العدوى بشكلٍ كامل يحتاج ما لا يقلّ عن شهرين لتظهير الصورة أكثر. وفق حمية، كلمّا زادت الكثافة السكانيّة للمجتمع كلّما احتجنا وقتاً أطول لتبيان المرحلة الجديدة من الفيروس. حجم المجتمع اللّبناني والمتمثّل بـ 6 مليون و700 ألف نسمة يحتاج حوالي 3 أشهر لمعرفة ما إذا كانت الأرقام ستتّجه صعوداً أو نزولاً.
2021 عام صراع مع الفيروس
حمية الذي يُعدُّ دراسة جديدة حول فيروس كورونا في لبنان، يلفت إلى أنّ عام 2021 سيشهد المزيد من الإصابات طالما أنّ اللّقاحات التي ستتواجد في السّوق مع بَداية عام 2021 لن تكون فعّالة لأسباب عدّة منها أنّ المُتعافي من كورونا يُصاب مرّة أُخرى بعد تعديل الفيروس نفسه بنفسه جينياً، وهذا الأمر سيجعل من 2021 عام صراع مع الفيروس. وفق الدّراسة، فإنّ الإصابات في العام القادم ستبقى موجودة، ومن المُحتمل أن تتراكم أكثر وسط ظروف الأنفلونزا العاديّة. وهنا يشدّد حمية على أنّ عام 2021 لن يكون عام ثبات علمي بعد دخولنا في مرحلة الإنتشار، إذ ستتزايد الأرقام في العالم بأكمله وليس في لبنان فقط. ويُرجّح حمية أن تكون نسبة أرقام الإصابات في العام المُقبل أكثر من العام الحالي. هذه الفرضيّة تفوق الـ60 بالمئة، مع الإشارة إلى أنّه وفي خضم الإنتشار الهائل الذي سنشهده عام 2021 ستكون هيكليّة الفيروس أقلّ خطورة من الوقت الحالي إذ ستكون نسبة الوفيات أقل مما هي عليه اليوم.
الإنتشار في العام المقبل سيطال الفئة العمرية الأصغر
بموازة عامل الإطمئنان الذي يُشير إليه والمتمثّل بانخفاض عداد الوفيّات، يُشير حمية إلى عامل قلق يستدعي الحذر، فالإنتشار في العام المقبل سيطال الفئة العمرية الأصغر بشكل أوسع. وبما أنّ الفيروس يعدّل نفسه بنفسه سيطال العام المُقبل جميع الفئات العمريّة، ما يُثير التّساؤلات حول هيكليّة اللّقاحات والفئة التي ستستهدفها وفعّاليتها لذوي الأمراض المُستعصية. بحسب حمية، لن تتوضّح صورة عامل اللّقاحات على الفئات العمريّة سوى بعد شهر أيّار من عام 2021.
للتكيّف مع الفيروس كأمر واقع
ويشدّد حمية على أنّ المطلوب حاليٍاً هو التكيّف مع الفيروس كأمر واقع، وتحمّل كل فرد منّا المسؤولية الكاملة. إقفال البلاد -بنظره- لم يعد ينفع سوى في حالة واحدة وهي الإقفال التّام كما حصل سابقاً عندما جرى إقفال المطارات، ولكن حينها سنعود إلى نقطة الصّفر، فصحيح أنّ الإقفال يؤثّر إيجابيّاً على تطور الفيروس لكنّنا سندفع الثّمن إقتصادياً، وهذا ما لا نقدر عليه. وهنا يلفت حمية إلى دور المؤسّسات التربويّة للحدّ من انتشار الفيروس إذ يتوجّب إقفال الصّفوف المتدنيّة من روضات وأوّل ابتدائي لأنّ هذه الصّفوف تشكّل بابا للإنتشار الواسع، وهذا العامل يُخلّصنا من 30 بالمئة من الإنتشار لأنّ ذوي السّن الصغير هم ناقلو للعدوى ولو لم تظهر عليهم العوارض.
لبنان يسير على السيناريو الفرنسي
وفي معرض حديثه عن السيناريوهات المتعدّدة لتطوّر الفيروس، يُشير حمية إلى أنّ جميع الدّول الأوروبية مرّت في السّيناريو ذاته؛ الصّعود، الثّبات، ثُمّ الصّعود من جديد. لبنان سار سابقاً وِفق النّموذج الصّيني وانتقل لاحقاً إلى النّموذج الغربي. وفي هذا النّموذج لدينا سيناريوهات عدّة منها: الإيطالي، الفرنسي، الإسباني والألماني. لبنان بعيد كلّ البُعد عن السيناريو الألماني لأنّ هذا السيناريو تمكّن من تقليص أعداد الإصابات. كما أنّه لا يُشبه السيناريو الإيطالي الذي بلغ ذروته في الإصابات ثمّ عمل على تقليصها. لبنان وفق حميّة يتراوح بين سيناريوهات متعدّدة وهو أقرب ما يكون إلى السيناريو الفرنسي نتيجة عاملين: أوّل يتعلّق بالفيروس بحدّ ذاته والذي جعل العالم كله يمرّ بسيناريوهات متعدّدة نتيجة تعديل نفسه بنفسه جينياً، وثان يتعلق بردّة فعل المجتمع على هذه العدوى.
مسار الفيروس في لبنان غير مطمئن
وفي الختام، يرى حمية أنّ مسار الفيروس في لبنان غير مطمئن وهو من الدول العشر الأول المتصدري لمؤشر انتقال العدوى في العالم والذي وصل الى 9.8 بالمئة ما يُثير القلق ويستدعي الحذر.