(موقع العهد الإخباري)
1296 هو عدد الإصابات بفيروس "كورونا" في القطاع الصحي اللبناني منذ شباط الماضي وحتى الأمس. الوباء الذي لم يوفر الكوادر الطبية والتمريضية في المشافي الحكومية والخاصة على حدٍ سواء، دفع بهؤلاء إلى العمل في ظروفٍ صعبة. كثيرون اضطروا للتغيُّب أيامًا عن عوائلهم خوفًا من انتقال العدوى، آخرون تعرضوا للتنمر في محيطهم نتيجة مخالطتهم اليومية للمصابين، وكثيرون تعرض للصرف التعسفي، أو العمل دون راتبٍ لأشهر، وأجبرتهم الحاجة على القبول بشروطٍ عملٍ ماليةٍ مجحفة.
د. وائل اسماعيل والممرضة زينب حيدر من الأبطال الذين دفعوا حياتهم ثمنًا في حرب "كورونا". خرج اسماهما وتجربتهما إلى الضوء، لكن الكثير من الكوادر الطبية والتمريضية لا زال مجهولًا يدفع يوميًا ثمن التفاني في العمل الإنساني.
عن الظروف الصعبة للكودار الطبية والتمريضية يتحدث كلٌ من نقيب الأطباء د. شرف بو شرف ونقيبة الممرضين والممرضات في لبنان د. ميرنا ضومط لموقع "العهد" الإخباري.
د. شرف بو شرف
"القطاع الصحي خسر حتى اليوم بفعل فيروس كورونا أربعة أطباء"، يقول بو شرف موضحًا أن "أبرزهم الشاب وائل اسماعيل، في حين دخل الكثير العناية الفائقة جراء الإصابة بالوباء الخبيث، بعضهم "وصل إلى الموت" على غرار الطبيب ريموند الصايغ، أما من حالفه الحظ، فقد أصيب بالعدوى مع عوارض "خفيفة"، اضطرته للحجر بعيدا عن زملائه وعائلته مدة من الزمن قبل مزاولة عمله الإنساني من جديد".
ما تقدّم هو غيضٌ من فيض التحديات الصحية التي تواجه الكوادر الطبية وفق بو شرف، أما التحديات الاقتصادية فيتحدّث عنها بو شرف "بلا حَرَج" ويقول: "300 طبيب من ذوي الكفاءات تركوا وظائفهم في المشافي بسبب الضائقة المالية، المشافي لم تعد تعطيهم بدل أتعابهم، ومع هبوط القدرة الشرائية للمواطنين وهبوط قيمة الليرة ما عاد بمقدور الكواد الطبية تحمّل تبعات العمل دون راتب، أو مع خصم جزء كبير منه في أحسن الأحوال".
يأسف بو شرف لكون "التعرفة المالية الرسمية للاستشفاء في لبنان متدنية، وإن حالف الحظ الأطباء وتقاضوا بدل أتعابهم من الجهات الضامنة فإن العملية تأخذ وقتًا يتعدى الأشهر، حتى أنهم لا يتلقون بدل أتعابهم مباشرةً بل تصل أولًا إلى اللجان الطبية".
وعن حاجات الكوادر الطبية يقول بو شرف: "نحن بحاجة ماسة لتجهيزات في المشافي الخاصة والحكومية، من أبسطها أي الكمامات إلى أجهزة التنفّس في العناية الفائقة والغرف المخصّصة للضغط السلبي".
ميرنا ضومط
حديث نقيبة الممرضين والممرضات ميرنا ضومط لموقعنا يتطابق تمامًا مع حديث د. شرف. تستغرب ضومط "التعسف في تعاطي المشافي مع الممرضين والممرضات لجهة الالتزامات المالية مقابل المهام المضنية والتضحية التي يبذلونها في مجال مكافحة فيروس كورونا، والحجة دائمًا لدى المشافي هي "الضائقة المالية"، متناسيةً أن رواتب هؤلاء يتقاضونها بالليرة اللبنانية، في حين أن ما تشتريه المشافي من معدات مستوردة هي بالدولار، وتجدها لا تجد صعوبة في تأمينها مقابل الخصم والتعسف في دفع رواتب الممرضين على تواضعها".
أما المطلب الأول لنقابة الممرضين والممرضات وفق ضومط فهو "وقف العمل بالمادة خمسين من قانون العمل، التي تتوسلها المشافي شماعة للتعسف وصرف الممرضين والممرضات، فضلًا عن تأمين الحماية والأمان الوظيفي لهؤلاء في عملهم".
وفي سياق تأمين حجر للمصابين من الممرضين والممرضات ممن لا يجد مكانًا مناسبًا لحجر نفسه، توضح ضومط عن ميزة لدى النقابة تتمثل بتأمين الحجر لهؤلاء من غير ذوي العوارض، في أوتيل استأجرته خصيصًا لهذا الهدف وبالمجان.
وفي ختام حديثها تتوجه ضومط للدولة بالقول: "حافظوا على الكادر الطبي والتمريضي لتحافظوا على قدرة القطاع الصحي في لبنان وإلا فنحن متجهون إلى كارثة"!
تجربة شخصية
رنا موظفة في المختبر المتخصّص لحالات "كورونا" في مستشفى الحريري الحكومي. قبل وصول فيروس كورونا إلى لبنان كانت حياتها طبيعية، لكن حياتها تغيرت كثيرًا منذ شباط الماضي. تقول لـ"العهد": "أنا اليوم أعمل بعدد ساعات غير محدد يصل إلى 18 ساعة متواصلة، وفي أحسن الأحوال أعمل 12 ساعة دون عطلة أسبوعية".
ورغم الخوف الذي اعترى زملاءها لدى إعلامهم بالعمل في قسم كورونا، إلا أن رنا لم تتوان للحظة عن التلبية، الدافع لديها إنساني بحت، ولذلك أخذت على عاتقها تحديًا يتمثل في محاولة عدم الإصابة بالفيروس رغم تعاطيها المباشر مع مرضى "كورونا".
وكما جميع الناس، لدى رنا أهلٌ وعائلة تخاف من أن تنقل إليهم العدوى، لكن ذلك لم يمنعها من مزاولة المهنة التي تحب، مع أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر. " أتعامل مع محيطي الشخصي كما لو أن الجميع مصاب بفيروس كورونا، ولعله ما حال دون إصابتي حتى اليوم".
وفي حين كانت رنا تخاف على محيطها الشخصي من عدوى تنقلها من مكان عملها، إلا أنها اليوم مع تفشي الوباء في مختلف المناطق اللبناني باتت تخشى نقل العدوى من محيطها إلى مكان عملها، وفي هذا السياق تقول لموقعنا:" التعامل اليوم مع مريض "كورونا" في المستشفى أسهل بكثير من التعامل مع المحيط الاجتماعي والشخصي، فالأول إصابته معروفة ولذلك أخذ الإجراءات الوقائية سهل، لكن الإصابات الخفية في المحيط الاجتماعي مجهولة، خاصة للذين لا يعانون من عوارض الإصابة بالفيروس".