(جريدة الشرق الأوسط)
يعاني مرضى حالات «كوفيد - 19» الخطيرة من رد فعل مناعي مفرط، يعرف باسم «عاصفة السيتوكين»، والتي تعني حدوث زيادة كبيرة مفاجئة في بروتينات «السيتوكين» المناعية، بما يؤدي إلى تحفيز الالتهاب، التي يضرب الرئتين ويهاجم الأنسجة، وقد يسفر عن تلف الأجهزة العضوية بالجسم ووفاة المريض.
وخلال دراسة أجريت في 68 موقعاً في جميع أنحاء أميركا، ونشرت في 20 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، بدورية (JAMA)، وجد فريق بحثي يقوده باحثون من مستشفى بريغهام للنساء في بوسطن، أن العقار (توسيليزوماب) كان فعالا في تخفيض معدلات الوفيات لدى المرضى بنسبة 10 في المائة، عن طريق تثبيط مستقبل السيتوكين المؤيد للالتهابات (IL - 6)، وهو ما يميزه عن أدوية (الستيرويدات) المناعية التي تثبط جهاز المناعة على نطاق أوسع.
و(توسيليزوماب) يستخدم حاليا لعلاج التهاب المفاصل الروماتويدي والتهاب الشرايين ذات الخلايا العملاقة، وهي حالة التهابية تصيب الأوعية الدموية الكبيرة، ويتم إعطاؤه أيضاً لمرضى السرطان الذين تلقوا علاج مستقبلات المستضد الخيمري (CAR - T)، وهو علاج يمكن أن يحفز جهاز المناعة في الجسم لمهاجمة الخلايا السرطانية، ولكن يمكن أن يتسبب أيضاً في عاصفة السيتوكين، ويستخدم هذا العقار لتهدئتها.
ومنذ بداية الوباء، تم إجراء العديد من الدراسات على (التوسيليزوماب) في أوروبا والصين، لكن لم تكن هناك دراسات مثل دقة وحجم الدراسة الأميركية، والتي شملت قرابة الأربعة آلاف مريض في حالة حرجة مع «كوفيد -19»، تم قبولهم في وحدات العناية المركزة في 68 موقعاً في جميع أنحاء أميركا.
ومن بين 3924 مريضاً مشمولين في الدراسة، تلقى 433 مريضاً عقار (توسيليزوماب) في أول يومين من دخلوا وحدة العناية المركزة، وكان خطر الوفاة في 30 يوماً حوالي (27.5) بين المرضى المعالجين بـ(التوسيليزوماب)، في مقابل (37.1) بين المرضى غير المعالجين، وكان التأثير المفيد للدواء متسقاً مع فئات العمر والجنس وشدة المرض، ولوحظ أيضاً فائدته في المرضى الذين تلقوا أو لم يتلقوا الأدوية المناعية الأخرى.
ووجد الباحثون أيضا أن المرضى الذين يعانون من مسار المرض أسرع، والذي تم تعريفه على أنه ثلاثة أيام أو أقل من بداية ظهور الأعراض حتى دخول وحدة العناية المركزة، استفادوا من عقار (التوسيليزوماب) إلى حد أكبر من المرضى الذين يعانون من مسار المرض البطيء.
واعتمدت هذه الدراسة على التجارب السريرية العشوائية، التي تعتمد على الملاحظة، والتي تم تنسيقها بين الباحثين عبر مبادرة (ستوب كوفيد) بأميركا، والتي تضم الآن أكثر من 400 باحث في جميع أنحاء الولايات المتحدة يتعاونون بشأن أبحاث «كوفيد - 19».
ورغم وجود بيانات متضاربة من التجارب السريرية فيما يتعلق بفاعلية التوسيليزوماب، فإن الدكتور ديفيد ليف الباحث الرئيس بالدراسة يقول في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لمستشفى بريغهام للنساء بالتزامن مع نشر الدراسة، إن دراستهم تختلف عن الدراسات الأخرى لعده أسباب، منها أنها تركز بشكل خاص على المرضى ذوي الحالات الحرجة، كما أنها تركز على الاستخدام المبكر للعقار (يُعرف بأنه أول يومين من القبول بوحدة العناية المركزة)، هذا بالإضافة إلى تضمينها عددا أكبر من المرضى.
وخلال الدراسة قاموا أيضا، بالتحكم في قائمة شاملة من المتغيرات المشتركة، مثل العمر والجنس والعرق والأمراض المصاحبة وشدة المرض الحادة والعلاجات المتزامنة المتلقاة، واستبعدوا مثلا المرضى الذين يعانون من ارتفاع اختبارات وظائف الكبد.
يقول ليف: «آمل أن تساعد هذه النتائج في تصميم تجارب سريرية مستقبلية جيدة القوة لتقييم الاستخدام المبكر لـ(توسيليزوماب) في مرضى الحالات الخطيرة من (كوفيد -19) ومع ذلك، نظراً لتكلفة وتعقيد إجراء تجارب سريرية واسعة النطاق فقد تكون الدراسة الحالية أفضل دليل متاح لفاعلية العقار».
ورغم ما توصلت له الدراسة من نتائج إيجابية فإن الدكتور خالد عبد العاطي، أستاذ المناعة بجامعة الزقازيق المصرية، يرى أنه يجب إجراء دراسة أوسع ضمن تجارب التضامن التي تشرف عليها منظمة الصحة العالمية، والتي تشارك فيها أكثر من مستشفى حول العالم.
يقول عبد العاطي لـ«الشرق الأوسط»: «هذه التجارب تتيح تنوعاً أفضل في المشاركين، بما يجعل الحكم على الدواء موضوعيا، وخرجت هذه التجارب مؤخراً بنتيجة أن دواء (ريميدسفير) غير فعال، رغم وجود دراسات قالت العكس، لذلك يجب اعتماد هذه الآلية للحكم على الأدوية».