(موقع العهد الإخباري)
في شباط/فبراير الماضي، باغت فيروس "كورونا" الجسم الطبي والتمريضي في لبنان. أول إصابة بفيروس "كورونا" سُجّلت لتسجّل معها تحديات جمة طرأت على الساحة الطبية. تحديات لا يخفى على أحد أنها "ثقيلة" في بلد لا يمتلك خطة طوارئ صحية، وفي بلد منهك اقتصاديا ومالياً. والحق يقال، إن الطريقة التي أديرت فيها العملية الصحية لمواجهة "كورونا" لم تقف على أطلال التقصير بل صنعت من الضعف قوّة وانطلقت لمواجهة ومجابهة الفيروس المستجد بجهد جبار. والدليل أنّ لبنان بات "مضرب مثل" وفي مصافي الدول المتقدّمة في محاربة الفيروس المستجد، قبل أن يفعل الاستهتار المجتمعي فعله ويضرب بكل الاجراءات والجهود الجبارة عرض الحائط ليصبح الانتشار الواسع مصير هذا البلد.
طاقمنا الطبي يضاهي الأطقم العالمية
ولا شك أنّ الطاقم الطبي في لبنان والذي يمثّل خط الدفاع الأول في مواجهة "كورونا"، واجه تحديات جمّة بإمكانيات ضئيلة. ورغم ذلك، قدّم صورة تُضاهي المستويات العالمية. مستشار وزير الصحة الدكتور محمد حيدر يُشدّد على هذه الحقيقة. بكل فخر وبرأس مرفوع نقول ذلك فالطاقات الطبية الموجودة لدينا تضاهي الأطقم الطبية في العالم. الأطباء والممرضون خاطروا بحياتهم عندما لم يتمكّن آخرون من التعامل مع الوباء، والتزموا بالتدابير الطبية كما يجب رغم الإصابات التي طرأت على الجسم الطبي والتمريضي والتي أتت من المجتمع وليس من ميدان العمل.
وزارة الصحة وضعت خطة عامة رغم ضآلة الموارد المالية
وقبل أن ينطلق حيدر للحديث عن الكادر الطبي والتحديات المختلفة التي واجهته منذ أشهر حتى اليوم، يتطرّق الى المستشفيات الحكومية البنية الأساسية للقطاع الاستشفائي، والتي واجهت تحديات عدة لعلّ أبرزها التعامل مع فيروس مستجد لا معلومات عنه في المرحلة الأولى، فيما المستشفيات الحكومية غير مجهّزة لهكذا حالات وللعدد الكبير من المرضى.
وعليه، تمثل التحدي الأكبر –يقول حيدر- بدعم القطاع الصحي والمستشفيات الحكومية لتجهيزها لاستقبال المرضى سواء في غرف العناية الفائقة أو العزل. وسريعاً، تم وضع الخطة العامة المتمثلة بتجهيز المستشفيات الحكومية رغم ضآلة الموارد حيث اعتمد وزير الصحة الدكتور حمد حسن على المساعدات تارة وتحويل الأموال المخصصة لأمور أخرى لدعم المستشفيات الحكومية وتأهيلها تارةً أخرى.
في المراحل الأولى جهزت مستشفى رفيق الحريري الجامعي بغرف العناية الفائقة، ومن ثم بدأ تطبيق الخطة على صعيد الوطن لناحية زيادة عدد الأسرة في المستشفيات الحكومية. ويوضح حيدر أنه وفي المرحلة الثانية ونتيجة زيادة أعداد الإصابات بشكل كبير وعدم قدرة القطاع الصحي الحكومي على تلبية الحاجات الوطنية بمفرده، تم دعم المستشفيات الخاصة وسط علمنا بالضغوطات الاقتصادية التي تمر بها هذه المستشفيات.
تدريب وتأهيل الكادر الطبي والتمريضي مستمر
ويتحدّث حيدر عن جهود واسعة بذلتها وزارة الصحة بالتعاون مع عدة جهات لتجهيز الكادر الطبي الذي يضم أطباء وممرضين وعاملين في القطاع الصحي، حيث تم في المرحلة الأولى تأليف لجان لتدريب الأطباء وتأمين البروتوكولات الخاصة بعلاج "كورونا". وفق حيدر، تألفت اللجنة من أطباء جامعيين مشهود لهم بطاقاتهم العلمية، ومن الجمعية اللبنانية لأطباء الأمراض الجرثومية وأطباء العناية الفائقة. وفي المقابل جرى العمل على تدريب الممرضات للتعامل مع هذا الوباء لحماية أنفسهن. طبعاً، يتطلب هذا الأمر تأمين وسائل للحماية لتخفيف الإصابات وعدم إصابة القطاع الصحي بالفيروس. وهنا برز ضغط اقتصاي على وزارة الصحة لتأمين وسائل الحماية –يقول حيدر- الذي يلفت الى أن الضغط لا يزال قائما حتى اليوم فأسعار وسائل الحماية غالية جدا، لذلك تجهد الوزارة لتأمين هذه الضرورات للقطاع الصحي.
ويلفت حيدر الى أنّ تدريب الطاقم الطبي والتمريضي كان يتم بشكل تام ويومي ولحظة بلحظة، وقد بدأ من المراحل الأولى لانتشار الوباء ولا يزال مستمراً حتى اليوم، خصوصاً أن إضافة أي سرير في غرف العناية الفائقة يتطلب –بموجب منظمة الصحة العالمية- إضافة ممرض يسهر على سلامته. كما أن كل سرير يضاف الى أماكن الحجر يجب أن يرفق بجهاز طبي وتمريضي، وعليه لم ينقطع التدريب. وهنا ينوّه حيدر بالجهد الجبار الذي بذله الطاقم الطبي، فلولا اندفاع الأطباء المختصين والكادر التمريضي الذي خاض المعركة كمهمة وطنية للدفاع عن الوطن لما وصلنا الى ما نحن عليه اليوم، رغم أن النظام الصحي في لبنان يواجه تحديا جديداً نتيجة الأزمة الاقتصادية يتمثل بخسارة أطباء وممرضين يهاجرون من الوطن. وفق حيدر، يجب أن نؤمن لهؤلاء التحفيزات اللازمة للبقاء في أرضهم.
وفي معرض حديثه، يلفت حيدر الى أنّ وزارة الصحة طلبت من منظمة الصحة العالمية تأمين موارد مالية لدعم العاملين في القطاع الصحي وخاصة التمريضي بحيث تتولى المنظمة تأمين رواتب للعاملين في أقسام الكورونا لتأمين مردود مالي لهؤلاء وتخفيف الضغط عن الدولة.
تأمين الأدوية تحد كبير خاضته وزارة الصحة
وبموازاة هذه التحديات، يشير مستشار وزير الصحة الى أنّ وزارة الصحة تواجه تحديا كبيرا آخر يتعلق بتأمين الأدوية، حيث تعمل على تأمين الأغلبية منها. "رمديسيفير" أحد تلك الأدوية ومن المعروف أن هذا الدواء غالي الثمن ولم يكن معترفا به في لبنان، وقد تم توفيره نتيجة هبات من مصر، ومن بعدها أجيز لأحد مستوردي الأدوية ادخاله الى لبنان. وهنا يضيء حيدر على تحد يواجهه الأطباء جراء الهجمة الحاصلة على الدواء من قبل الناس علما أن له شروطا خاصة ومحاذير كثيرة بحيث يجب أن يستخدم تحت اشراف طبي دقيق.
وخلال محاولته إجراء تقييم للواقع الصحي، يلفت حيدر الى أننا وقبل انفجار بيروت المشؤوم كان لدينا وفرة في عدد الأسرة المخصصة لاستقبال مرضى كورونا، أما اليوم وعقب الانفجار خرجت مستشفيات كبرى من الخدمة. تلك المستشفيات كانت قد جهزت لتشكل خط دفاع أول، لكن خروجها أربك الطاقم الاستشفائي حيث اضطررنا الى نقل المرضى الى مستشفيات أخرى، واضطررنا لاستخدام الأسرة المخصصة لعلاج "كورونا" لمرضى ومصابين آخرين. كما جرى تقليص المخزون من الأدوات الطبية ووسائل الحماية. وهنا يلفت حيدر الى أننا عملنا كوزارة على رفع عدد الأسرة بشكل سريع لتغطية التفشي السريع للوباء. يعود حيدر لينوّه بالجهد الكبير الذي بذل من قبل الجميع رغم ضآلة الموارد المالية والمشكلات الحاصلة بين حاكم مصرف لبنان والشركات المستوردة للأدوات الطبية. أهنئ كل القيمين على القطاع الصحي –يقول حيدر-بدءاً من وزير الصحة مروراً بمديري المستشفات وصولا الى العاملين فيها. لولا هؤلاء لم نتمكن من الوصول الى النتائج المرجوة.
ولا ينكر حيدر أنّ وزارة الصحة خاضت تحديا هو الأكبر من نوعه على صعيد العالم. الدول التي كانت تعتبر من الدول المسيطرة على الوباء كألمانيا ها هي اليوم تشهد انتشارا كبيرا للوباء.
وفي فرنسا هناك انتشار واسع جدا حيث خرج الوضع عن السيطرة. لبنان جزء من هذه المنظومة العالمية –يضيف حيدر- الذي يشدّد على أننا نواجه وباء سريعا يغير من سرعة انتشاره.
للاختيار بين الحرمان الآني والأبدي
وقبل أن يختم حيدر حديثه يصف الواقع الحالي بالقول:" بإمكان أي فرد منا أن يختار بين أن يحرم نفسه من رحلة أو حفلة أو تجمع معيّن، وهو حرمان آني، وبين أن يحرم نفسه من محبيه ويعرضهم للخطر ما يخسرهم حياتهم وهو حرمان أبدي". وفق حيدر، أن نحرم أنفسنا من أمور آنية وثانوية أفضل بكثير من أن نحرم أنفسنا ممن نحب وهو حرمان لا يعوض. القضية بيد الفرد، فصحيح أنّ واجب القطاع الصحي والدولة حماية المجتمع، ولكن جزءا من المسؤولية الفردية والمجتمعية تقع على كل فرد منا لحماية أنفسنا والآخرين.