(فورين أفيرز)
أخطأت الصين عام 2020، في استجابتها الأولية لوباء "كورونا". ونتيجة لذلك، انتشر المرض في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى شل الاقتصادات، ووفاة أكثر من 1.2 مليون شخص، وإلحاق أضرار بالغة بصورة بكين التي تخطط للتعويض عام 2021، عن طريق حقن شريحة كبيرة من سكان العالم باللقاح.
وبالرغم من أنها تواجه منافسة شديدة من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى في السباق لتطوير اللقاح الأول، فإن بكين مستعدة للسيطرة على توزيع اللقاحات على العالم النامي، وجني الفوائد الاستراتيجية من القيام بذلك.
عالميا، تخضع 11 تجربة للقاح "كورونا" حاليًا للمرحلة الثالثة من التجارب، وهي المرحلة الأخيرة قبل الموافقة التنظيمية، وتمتلك الصين 4 من هذه اللقاحات. وتم بالفعل اختبار أهم هذه المنتجات الذي طورته شركة "سينوفارم" ومقرها ووهان، للعاملين في الخطوط الأمامية في الإمارات. وفقًا لما ذكره "وو جويزن"، كبير خبراء السلامة الحيوية في المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، فإن لقاح "سينوفارم" في طريقه للحصول على الموافقة الكاملة هذا الشهر أو الشهر المقبل.
ويمكن الموافقة على نموذجي اللقاحين الأمريكيين الرائدين من "موديرنا" و"فايزر" في جدول زمني مماثل. لكن إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ليس لديها خطة للتنافس مع الصين لتوزيع اللقاحات على أكثر من نصف البشر الذين يعيشون في العالم النامي. وقد رفضت الولايات المتحدة المشاركة في مبادرة منظمة الصحة العالمية لتقديم ملياري جرعة لقاح إلى السكان المعرضين للخطر في البلدان النامية، ولم تمدد واشنطن التمويل أو توقع صفقات توزيع لقاحات مع هذه البلدان، مثل الصين.
وكان نهج الولايات المتحدة في تطوير اللقاح وتوزيعه، كما هو الحال مع الكثير خلال هذه الإدارة، هو "أمريكا أولاً". ومن خلال التنازل عن مجال الصحة العامة للصين، ستسمح الولايات المتحدة لبكين بإعادة صياغة نفسها ليس فقط كقائدة عالمية في تطوير اللقاحات وتوزيعها ولكن باعتبارها المنقذ للعالم النامي.
حتى لو فازت الصين بسباق تطوير اللقاح، فمن غير المرجح أن يتمكن المنتجون الصينيون من المنافسة في أسواق الولايات المتحدة أو أوروبا أو اليابان. لقد كافح صانعو اللقاحات الصينيون بالفعل لإزالة العقبات التنظيمية المطلوبة للبيع للأسواق الغربية المتقدمة. ووقعت معظم الدول الغربية بالفعل على صفقات شراء ضخمة مع كبرى شركات تصنيع اللقاحات الغربية مثل "موديرنا" و"فايزر" و"أسترازيناكا".
بالنسبة لبلد مرتفع الدخل، فإن سعر اللقاح لكل مواطن ضئيل مقارنة بتكلفة إغلاق آخر بسبب الوباء. (تقدر شركة "موديرنا" أن لقاحها سيكلف ما بين 64 دولارًا و 74 دولارًا للشخص الواحد). ولكن في الأسواق الناشئة الشاسعة في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، حيث يعيش أكثر من نصف سكان العالم ولا تستطيع العديد من الحكومات تحمل تكاليف اللقاحات، فإن المنتجين الصينيين على وشك الهيمنة.
وتجدر الإشارة إلى أن اللقاحات الصينية في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية في 18 دولة، بما في ذلك الأرجنتين والبحرين وبنجلاديش والبرازيل ومصر وإندونيسيا والمغرب وباكستان وبيرو وروسيا والسعودية وتركيا والإمارات. وهذه سوق محتملة هائلة، حتى لو كانت بكين ستدعم في نهاية المطاف معظم عملية تمويل اللقاح.
ومن المرجح أن تعتمد استراتيجية بكين لتوزيع اللقاحات على الإعانات بشكل كبير. وقد ألمح الرئيس الصيني "شي جين بينج" إلى هذه الاستراتيجية في مايو/أيار، عندما وعد بأن أي لقاح صيني سيكون "منفعة عامة عالمية". ووفقًا لكلمته، وعد "شي" بتقديم قروض بقيمة مليار دولار لدول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي لدفع ثمن الحصول على اللقاحات الصينية.
في الشهر الماضي، وقعت المكسيك صفقة مع "كان سينو"، وهي شركة تصنع لقاحا صينيا آخر حاليا في المرحلة الثالثة من التجارب، لشراء 70 مليون جرعة بقرض صيني موعود. وتخطط الصين للبدء في تصدير هذه الجرعات حتى قبل أن تقوم بتلقيح جميع أفراد شعبها، وهي لفتة من المؤكد أنها ستولد حسن نية إضافية.
وستستخدم الصين صفقات اللقاحات هذه لتوطيد الشراكات مع الحكومات في المناطق التي تعتبرها ذات أهمية استراتيجية - مثل جنوب شرق آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. ومنذ عام 2013، استخدمت الصين سياسة مماثلة في مشاريع البنية التحتية الكبرى في إطار مبادرة الحزام والطريق. وستسعى الصين في عام 2021، من خلال إعادة تركيز انتباه العالم على "طريق الحرير الصحي"، إلى إعادة تسمية نفسها كقائد تقني وراعي للصحة العامة العالمية، متجنبة الاتهامات الأمريكية بأنها مقرض "متنمر" و"مفترس".
ومع ذلك حتى اللقاحات الصينية المدعومة سيكون لها ثمن. فبالرغم أنه من غير المرجح أن تطالب بكين بتنازلات سياسية محددة، إلا أنها تتوقع على الأقل من الدول المتلقية أن تتذلل وتُظهر امتنانها. وفي وقت مبكر من أزمة "كورونا"، قبّل الرئيس الصربي "ألكسندر فوسيتش" العلم الصيني بعد وصول طائرة محملة بالإمدادات من الصين. وبعد فترة وجيزة، ظهرت لوحة إعلانات ضخمة أمام مبنى الجمعية الوطنية في بلغراد. "شكرا لك، الأخ الأكبر شي!".
وفي 24 مارس/آذار، وهو الأسبوع الذي بلغت فيه الوفيات الناجمة عن "كورونا" ذروتها في إيطاليا، أرجع وزير الخارجية الإيطالي "لويجي دي مايو" الفضل إلى أجهزة التنفس والأقنعة الصينية في منع تدهور الوضع. وقال "مايو" "أولئك الذين سخروا من مشاركتنا في مبادرة الحزام والطريق عليهم الآن أن يعترفوا بأن الاستثمار في تلك الصداقة سمح لنا بإنقاذ الأرواح".
وعندما توزع الصين اللقاحات في جميع أنحاء العالم العام المقبل، لن تقتصر الإشادة بالصين علي الحكومات المحلية بل ستستمر المؤسسات الدولية في الثناء على الصين لتقديمها التزامات ضخمة، على أمل تشجيعها من خلال الإطراء. وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، "تيدروس أدهانوم جيبريسوس"، في خطاب ألقاه في بكين عام 2017: "إن اقتراح الرئيس الصيني لطريق الحرير الصحي، الذي يعزز ويجدد الروابط القديمة بين الثقافات والشعوب، مع وجود الصحة في جوهره، هو حقًا رؤية مستقبلية".
وبالرغم من أن الصين دفعت في البداية ثمنًا دبلوماسيًا لفشلها في السيطرة على فيروس "كورونا"، إلا أنها تستعد لتحسين سمعتها من خلال إعادة وضع نفسها كداعم للصحة العامة في العالم النامي. وإذا استمرت واشنطن في تجنب المنافسة، فلن تخاطر بخسارة سباق اللقاح فقط. بل ستسمح للصين بالفوز بثقة عدد كبير من الحلفاء والمطالبة المشروعة بالقيادة العالمية.