نقلاً عن موقع "180 درجة"
سرعة انتشار كورونا المستجد لا تقتصر على فئة معينة من الناس، فالفيروس ولعوامل بيولوجية بحتة لا يفرق بين شخص وأخر حسب الجنسية أو الطبقة، أو بين حاكم و محكوم، ولهذا فإنّ انتشاره، ومنذ اليوم الأول، كان دوماً مقروناً بأسماء لمسؤولين لم تقيهم ألقابهم من أضرار الوباء الذي في ما يبدو أنه ينشط عبر وسائل انتشار في الأوساط التي تعتاد أن تتردد عليها وتستخدمها قلة قليلة من الناس مثل المطارات وحركة الطيران والفنادق ومراكز الترفيه.
هذه البديهية قد تتعاظم أهميتها عندما يكون الحديث عن السعودية، ليس لأنّ نظامها ملكي فردي دون أطر تشاركية خارج نخبة العائلة الحاكمة، التي يشكل أفرادها الهيكل المركزي لمختلف المناصب والمواقع الإدارية والتنفيذية المهمة في المملكة، ولكن أيضاً لكون حالة الطوارئ التي سببها وباء كورونا تأتي بالتوازي مع مناخ من التجاذبات والصراعات بين أجنحة العائلة الحاكمة في السنوات الأخيرة.
من هنا تبرز أهمية ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن إصابة ما يقدر بـ150 شخص من أعضاء الأسرة الحاكمة في السعودية، ليصبح الموضوع الأبرز والأخطر مقارنة بإصابة مختلف المسؤولين والحكام ف دول العالم بفيروس كوفيد 19، ليس فقط كونه الرقم الأكبر بين إصابات النخب الحاكمة سواء ملكية أو جمهورية حول العالم، ولكنه وحسب ما تدعيه الصحيفة أنه الدافع الأهم في الإسراع والتشديد بإجراءات العزل والإغلاق في السعودية، التي قررت حتى إغلاق الحرمين المكي والمدني في سابقة هي الأولى من نوعها، لما للمسجدين قدسية وخصوصية دينية لدى ملايين المسلمين، علاوة على فرض إغلاق شامل لمكة والمدينة المنورة، وكذلك العاصمة الرياض ومدينة جدة.
التقرير الذي عنونته الصحيفة الأميركية بـ”كورونا يغزو قدس الأقداس السعودي” في إشارة إلى أهمية ومركزية العائلة الملكية في منظومة الحكم في السعودية، أشار إلى عدم تركز الإصابات في منطقة واحدة بل تحدث عن “استعداد لاستقبال حالات من كافة أنحاء البلاد”، وذلك حسبما ذُكر في رسالة داخلية من إدارة مستشفى الملك فيصل للعاملين بها بوجوب رفع حالة الاستعداد والتأهب، وإخلاء المرضى لتوفير نحو 500 سرير مجهز لاستقبال الحالات المصابة من كبار الشخصيات.
وذكر تقرير “نيويورك تايمز” أن حالات الإصابة بالفيروس في الأوساط الحاكمة في مختلف الدول كبريطانيا وإيران وأخيراً السعودية تأتي كدليل على حالة المساواة التي يفرضها وباء كورونا، كونه أصاب أغنى الأمراء وأفقر العاملين من المهاجرين على حد سواء، مع فارق سرعة اكتشاف التفشي وتوفير العلاج لكل من الفئتين.
ونقل التقرير عن البروفسير في جامعة “رايس” الأميركية، كريستيان كاوتس أوليركيسن، والمتخصص في الشأن السعودي قوله: “تفشي الوباء في العائلة المالكة هو ما جعله حالة طارئة”، مشيراً في الوققت ذاته إلى تجمعات العمال والمغتربين وأماكن اقاماتهم العشوائية ذات المستوى المعيشي المتدني على هامش مختلف المدن السعودية، والذين لا تكفلهم المظلة الصحية والإعاشة التي فرضتها خطة الطوارئ التي أعلنتها الرياض خلال الأسابيع الأخيرة، كون أن معظمهم مهدد بالترحيل إذا ما أقدموا على طلب العلاج في المستشفيات السعودية.
وأشار تقرير الصحيفة إلى أن هناك حالة من التباعد قد تعززت بين رموز الحكم في السعودية وعلى رأسها الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي بحسب “نيويورك تايمز” يعزل نفسه في أحد قصوره في الجزر المتاخمة لساحل مدينة جدة، بينما ينعزل ولي عهده، محمد بن سلمان مع عدد قليل من مستشاريه والمقربين منه في منطقة معزولة على سواحل البحر الأحمر الشمالية قرب موقع مدينة نيوم المزمع بناءها.
وكانت مصادر إعلامية مختلفة أشارت في وقت سابق إلى أن حالات الإصابة بين كبار المسؤولين في المملكة يتم عزلها اختياراً في منازلهم دون الحاجة لنقلهم للمستشفيات، حيث أن بيوتهم مجهزه في الغالب بالوسائل الطبية التي تمكنهم من تجنب الانتقال للمستشفيات إلا في حالات المرض الحرجة، والتي عادة ما تكون مستشفيات في أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية.
وتعد مؤسسة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث أحد أرقى الهيئات الطبية والبحثية في السعودية وربما في الشرق الأوسط ككل، وهي تضم مستشفيات ومراكز طبية وبحثية ودراسية في مختلف المدن السعودية الكبرى كالرياض وجدة والمدينة، ولها هيكل تنظيمي ومجلس إدارة مستقل عن وزارة الصحة والهيئات الصحية والطبية الحكومة، وتمويلها قائم بالأساس على التبرعات المنتظمة والتي معظمها من أعضاء الأسرة الحاكمة. وتعد المؤسسة ركيزة أساسية في جهود مكافحة الوباء في المملكة وخاصة في ما يتعلق بالشق البحثي والتعليمي والتدريبي، والذي جعل هناك تخمينات في توجيهها مباشرة وفق أولويات تحدد من قبل ديوان ولي العهد والديوان الملكي، والتي باتت مؤخراً محصورة في إيلاء الاهتمام والرعاية لأعضاء العائلة الحاكمة الذين كانوا عادة يعالجون بالخارج.
وكانت تقارير متضاربة في وقت سابق قد أشارت إلى إصابة أمير منطقة الرياض وعضو هيئة البيعة، فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، بالفيروس، وهو ما تم نفيه أكثر من مرة عبر تغريدات حسابات تابعة لأمراء العائلة أوردت صوراً له في مختلف الحالات أخرها صورة له بمنزله أمس، ولكن دون تأكيد على أنها حديثة العهد، أو مرتبطة بإشرافه على الإجراءات الطارئة التي تشمل إغلاق وتعقيم الرياض. ولكن تقرير “نيويورك تايمز” أشار إلى أن فيصل هو الأسم الأبرز من بين أمراء العائلة الملكية الذين أصيبوا بالفيروس، وذلك ليس فقط لكونه من أمراء الصف الأول المحسوبين على بن سلمان، ولا بسبب تقلده العديد من المناصب والمسؤوليات الإدارية، وآخرها أمارة منطقة الرياض، ولكن لكونه ينوب عن والده في هيئة البيعة التي من اختصاصاتها تمرير قرارات تولي العرش وولاية العهد وولاية ولاية العهد.
قد يمثل وباء كورونا وحالته الاستثنائية عاملاً مغيراً لقواعد الصراع داخل العائلة الحاكمة في المستقبل القريب.
ويأتي تقرير “نيويورك تايمز” في توقيت شهدت فيه السعودية تصعيداً جديداً في الصراعات الدائرة داخل العائلة الحاكمة، خاصة بين فروعها الأكثر نفوذاً وشخصياتها البارزة؛ فبعد أقل من شهر على حادثة اعتقال ولي العهد السابق، محمد بن نايف، وعدد من الأمراء البارزين بدعوى الخيانة، فإن التخمينات وقتها أشارت إلى غضب في أوساط آل سعود تجاه قرارات ولي العهد الحالي الخاصة بإغلاق الحرمين الشريفين كإجراء وقائي للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، والذي لم يكن قد وصل حينها إلى مرحلة الوباء العالمي، وأن هذه الإجراءات وغيرها كانت بمثابة الذريعة التي جعلت المعارضين لبن سلمان من أمراء العائلة البارزين يجاهرون بالاعتراض على سياساته وقراراته التي تتحصن بصيغة الأوامر الملكية الصادرة عن والده الملك سلمان بن عبد العزيز، وتمهيداً لقرارات مستقبلية من شأنها تأمين وصول بن سلمان للعرش دون الرجوع لهيئة البيعة.
من جهة أخرى فإن حالة الطوارئ التي بدأت في السعودية منذ أوائل الشهر الماضي جعلت يد بن سلمان مطلقة في تحجيم آخر بؤر الاعتراض داخل الأسرة الحاكمة، سواء باعتقال رؤوسهم أو الحد من التواصل بين أمراء العائلة النافذين، وذلك بالإضافة إلى متغير أهم وهو تحديد تحركاتهم بشكل دائم بدعوى الحد من نشر الوباء داخل العائلة المالكة بكافة فروعها المهمة والأقل أهمية، وخاصة أن الإصابات في أوساط العائلة التي يقدر عددها بحوالي 10 ألاف شخص قد طالت أمراء وأميرات ما يجوز تسميته بـ”نخبة” العائلة ممن يتولون مناصب إدارية وعسكرية وأمنية أساسية، ويحسب بعض منهم وعلى رأسهم أمير الرياض على جناح بن سلمان، وهو ما يعيد الضوء من جديد إلى مناخ الصراع داخل العائلة والذي قد يمثل وباء كورونا وحالته الاستثنائية عاملاً مغيراً لقواعده في المستقبل القريب.