(جريدة الأخبار اللبنانية)
ما عجزت الدولة عن فعله منذ انتشار الوباء في شباط الماضي لاحتواء جائحة «كورونا»، لا تفاؤل كبيراً بأن تحقّقه في الأسبوعين المقبلين قبل أن يفلت حبل الفيروس على غاربه. مع انفلات عدّاد الإصابات (نحو 2000 أمس)، يبدو لبنان سائراً بخطى سريعة نحو الانزلاق في السيناريو الإيطالي... وربما ما هو أسوأ
هل تستطيع الدولة أن تفعل في أسبوعين من الإقفال ما عجزت عنه في تسعة أشهرٍ كاملة؟ يكاد هذا السؤال يكون على كل شفة بعد اتخاذ قرار الإقفال التام لأسبوعين، خصوصاً من «أهل البيت» قبل الناس العاديين؛ إذ يرى هؤلاء أن ما لم ينجز في الأشهر التسعة الماضية قد لا تكون هناك إمكانية لتطبيقه الآن، مع تفلّت الناس من الإجراءات الوقائية والارتفاع الجنوني في أعداد الإصابات والوفيات، والتي سجلت أمس 1922 إصابة و14 وفاة. أما عداد حالات الاستشفاء، فقد سجل أمس 826 حالة، منها 300 حالة في العناية المركزة و140 حالة موصولة إلى أجهزة التنفس.
انطلاقاً من هنا، لم يكن هناك متفائلون كثر. وإلى حين يثبت الإقفال العكس، يستند هؤلاء إلى جردة الأرقام اليومية للعدّاد لبلورة ماهية السيناريو الذي يقبل عليه لبنان، والذي اعتبره رئيس قسم جراحة الأعصاب والدماغ في الجامعة الأميركية، غسان سكاف، «مأساوياً»، لناحية «اتجاهه نحو ما هو أخطر من السيناريو الإيطالي». بنى سكاف توقعاته على الجداول اليومية للإصابات، انطلاقاً من العدد الإجمالي التراكمي، مروراً بحالات الشفاء المخبرية وأعداد الوفيات والإصابات في القطاع الصحي، وصولاً إلى نسب الفحوص المحلية الإيجابية وعدد المصابين في المستشفيات. تلك المؤشرات، يرى سكاف أن لا توازن بينها، فأعداد الإصابات لامست الـ100 ألف، فيما أعداد حالات الشفاء تستقر عند 50 ألفاً. أضف إلى ذلك أن سرعة انتشار الفيروس وصلت إلى الحدّ الذي باتت معه نسبة الفحوص الإيجابية بين المقيمين تتخطى الـ20 من أصل 100، «وهذا مؤشر خطر، يوازي الخطر الذي ينشره عداد الوفيات مع تخطيه معدل العشر إصابات يومياً». ولئن كان يعدّ ارتفاع معدل الوفيات طبيعياً مقارنة بأعداد الإصابات وأعداد حالات الاستشفاء ومن يقبعون في العنايات الفائقة، إلا أن ما لا يبشّر بالخير هو عدد الموصولين على أجهزة التنفس الذين يفقدون حياتهم، والتي تخطت الـ60%.
ولأن تلك المؤشرات لا تزال إلى الآن على حالها، يذهب سكاف في توقعاته إلى حد القول إن «أعداد الإصابات بالفيروس ستلامس الـ200 ألف حتى نهاية العام الجاري وما يقارب الـ2000 وفاة». وبحسبة بسيطة، هذا يعني أن «عدد الإصابات سيصل حدود ثلاثة آلاف إصابة يومياً». وتفادياً لذلك السيناريو، يشدّد سكاف على ضرورة «وضع خطة طوارئ عبر فتح قنوات التمويل العربية والدولية وإجراء مسح شاملٍ للمناطق، وتوفير فحوص الـPCR مجاناً لجميع المواطنين». كما يتطلب الواقع الراهن «إنشاء مراكز للحجر الصحي وتطبيق قانون الكمامة والتباعد الاجتماعي ومنع تدخين النرجيلة في الأماكن العامة». من دون ذلك، لا شيء يغيّر التوقعات. وفي هذا الإطار، عقد رئيس الحكومة المستقيلة، حسان دياب، أمس، اجتماعاً موسعاً مع المعنيين بمتابعة ملف كورونا تناول البحث في كيفية تطبيق قرار الإقفال وتشديد الإجراءات ومراقبة تنفيذها. وتداعى المجتمعون لتقديم اقتراح قانون ينص على تشديد العقوبة على غير الملتزمين بوضع الكمامة، واعتبارها جنحة تدوّن في السجل العدلي.
بنهاية السنة أعداد الإصابات ستلامس الـ200 ألف والوفيات نحو 2000
لكن، بعيداً عن تلك النقاشات التي لا تزال حبراً على ورق، كان اللافت لائحة «الاستثناءات» التي ترافق أسبوعي الإقفال. لائحة «طويلة عريضة» بالكاد نفذت منها مؤسسة، وهو ما وضع قرار الإقفال موضع النقد، وبات البحث اليوم يتركز على «شو سكرنا»، خصوصاً أن التجارب السابقة أثبتت أن الإقفالات السابقة كانت مجرد «بريستيج». وفي هذا الإطار، يعرب رئيس لجنة الصحة النيابية، الدكتور عاصم عراجي، عن قلقه من أن يكون القرار تكراراً لما سبق، مشيراً إلى أنه «في الإقفالات السابقة للقرى، كان الناس يهربون من المناطق المقفلة إلى مناطق أخرى، ولم تكن ثمة متابعة جدية لهذا الأمر». لا يعرف عراجي كيف صيغ القرار واستثناءاته، ولا يجد تعليقاً أفضل من أغنية السيدة فيروز «تعا ولا تجي». أو، بتعبير أدق، «سكّرنا وما سكّرنا».