(جريدة الأنباء الكويتية)
شهدت الأيام الاولى من الحجر المنزلي المستعاد التزاما يشبه ذلك الذي حصل في بداية ازمة كورونا قبل ثمانية اشهر.
الساحل اللبناني مقفل بنسبة تخطت الـ90%، التزاما بقرار الحكومة اللبنانية إغلاق البلاد حتى نهاية نوفمبر الجاري، للحد من انتشار فيروس كورونا.
التزام طوعي من المواطنين وأصحاب المتاجر، خرقته صور بثت عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن حركة عادية في سوق صبرا الشعبي، المتاخم للمنطقة الفاصلة بين محافظتي بيروت وجبل لبنان، وكذلك في أسواق طرابلس الشعبية الممتدة بين ساحة التل ونهر أبو علي.
التزام كبير غير مسبوق، ليس خوفا من محاضر الضبط من رجال قوى الأمن الداخلي، بل لتحسس الناس واقع الخطر الذي تسبب به الوباء، وانعكاسه على القطاع الصحي في البلاد. وبات الحديث بين الناس عن مصابين، من المقربين ومن الاصدقاء وأبناء العائلة الواحدة. والسؤال الذي لا يخرج الى العلن: متى دورنا؟
في أي حال، طغى الالتزام بالاقفال، وان سجلت في عطلة نهاية الاسبوع خروقات بدافع تأمين لقمة العيش.
الملاحم ومحلات بيع الدجاج الجاهز أقفلت يوم الأحد، وكذلك المسامك الكبرى التي تؤمن تحضير الأسماك الجاهزة للأكل. فرن «ملك الرغيف» الذائع الصيت خلا أحد فروعه قبل جسر كازينو لبنان من الخبز العربي مساء السبت، بسبب الاقبال الكثيف من المتوجهين من بيروت الى جبيل والشمال على شراء الخبز. لكن اصنافا أخرى توافرت، وكذلك تأمن الخبز في البقالات التي فتحت أبوابها يوم الأحد، وان كان لافتا أيضا إقفال الأفران الذائعة الصيت في مدن وبلدات نائية كفرن السمراني في عمشيت.
الرحلة من عمشيت مرورا بجبيل وشوارعها الرئيسية من السوق التجاري نزولا الى الميناء ومنها الى بيروت وصولا الى منطقة برج البراجنة القريبة من مطار بيروت الدولي، لم تستغرق الا مسافة الطريق، اي نحو نصف ساعة. غابت حواجز قوى الأمن الداخلي، ثم ظهر واحد في طريق العودة عند مقر شركة غرغور وكيلة سيارات مرسيدس في منطقة الدورة بساحل المتن الشمالي. وقبله حاجز ليل السبت بعد نفق نهر الكلب على المسلك المؤدي الى كسروان وجبيل والشمال.
نقاط أخرى لضبط المخالفين انتشرت في أوقات مختلفة، والحصيلة تسجيل محاضر ضبط بلغ عددها 5865 بين فجر 14 نوفمبر والسابعة من مساء 15 منه.
الشوارع والطرق عكست حال الإغلاق، اما من كسر الحجر فكان عذره الذهاب الى عمل لا يصرف القيمون عليه الرواتب حتى لو أجازت الدولة الإقفال، وكذلك الباحث عن لقمة عيشه، من فئة الذين يأكلون خبزهم شرط القيام بعملهم يوميا، من سائق سيارة الأجرة، الى المياوم وغيرهما.
ويبقى السؤال: هل يلتزم الناس حتى نهاية الموعد الرسمي للإقفال؟ والأصح: هل يستطيعون الصمود معيشيا في ظل الضائقة الاقتصادية والمالية غير المسبوقتين في تاريخ البلاد؟
عمر نجار يعمل خارج دوام عمله، كشف لـ«الأنباء»: «تلقيت طلبات من الزبائن لتصليحات صغيرة، لكني تفاديت الانتقال بدراجتي النارية، وطلبت الى الراغبين اصطحابي. لا استطيع تضييع فرصة لتحصيل مبلغ يعينني على إعالة عائلتي المؤلفة من أربعة أفراد».
حكايات مماثلة بينها لسائقي سيارات الأجرة الذين خرجوا للعمل وهم يعولون على «صيد» زبائن في يوم الإقفال الكبير. وهذا ما بدا واضحا من انتظار اشخاص دقائق عدة على الطريق السريع، وفي داخل الشوارع الممتدة في العاصمة، وهم ينتظرون ان تطل سيارة الأجرة، خلافا لما كان الأمر عليه في الأيام العادية.
سائقون ارتضوا نيل محاضر ضبط، «ذلك ان قيمة المحضر المالية تقل كثيرا عما يمكن ان نجنيه من مال»، بحسب عباس السبعيني الذي امتهن قيادة سيارته للأجرة من اكثر من نصف قرن. يتحدث لـ«الأنباء» عما واجهه من مخاطر اثناء الحرب الأهلية، ويقول: «يا مرحبا بإجراءات الدولة العقابية، ذلك ان الغرامة المالية مقدور عليها».
حظر التجول بعد الساعة الخامسة عصرا في أيام الأسبوع ما عدا الأحد، يطبق في شكل أكثر من مقبول حتى كتابة هذه السطور. الا ان ساعات العمل في الأيام العادية ستشهد إقبالا على المصارف وإدارات الدولة التي ستعمل بطاقات أقل.
«دورة الحياة لا تتوقف»، بحسب ميشال حداد صاحب فرن للمعجنات في منطقة جديدة المتن. «والزبائن من أبناء المنطقة يستطيعون الوصول وأخذ طلباتهم التي يسجلونها بداية عبر تطبيق واتس أب».
الأمر يختلف مع ربيع العامل في التكنولوجيا وتأمين خدمات الانترنت: «المحلات التي تزودنا بالبضائع غير مأذون لها بفتح أبوابها، ونعول على تأمين ما نطلبه في شكل مستتر، ما ينعكس تأخيرا على تلبية طلبات الزبائن».
في المحصلة، يخشى اللبنانيون على أنفسهم من كورونا، بعد تسجيل أرقام قياسية في عدد المصابين وعدد المتوفين. لكنهم يخشون أيضا على لقمة عيشهم. لذا يخوضون صراع البقاء على جبهتين، وهم في وضع لا يحسدون عليه.