نقلاً عن الجزيرة نت - حسن المصري
مع قدوم فصل الشتاء، لا صوت يعلو في مصر فوق الخوف من تفشي الموجة الثانية من فيروس كورونا، خاصة بين الفرق الطبية التي تقف أمام الوباء في الخطوط الأمامية، وهو ما يعيد إلى الأذهان ما تعرضوا له خلال بداية الموجة الأولى لانتشار الفيروس.
وحذرت الحكومة المصرية مؤخرا من تضاعف أعداد الإصابات بالفيروس، وقالت وزيرة الصحة هالة زايد في تصريحات تلفزيونية إن "إصابات ووفيات كورونا ستتضاعف من دون الكمامة، الأمر الذي قد يتفاقم في شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني" المقبلين.
وقبل يومين نعت نقابة الأطباء في مصر الدكتور كمال الدرس الذي توفي بمستشفى عزل العجمي بمدينة الإسكندرية نتيجة الإصابة بمرض كوفيد-19، ليرتفع عدد ضحايا الأطباء جراء فيروس كورونا إلى 201 طبيب، فضلا عن غيرهم من باقي أفراد الفرق الطبية.
التقدير المادي والمعنوي
تعمل الطبيبة أسماء بأحد مستشفيات العزل بالقاهرة قادمة من قريتها بمحافظة الغربية شمالا كل أسبوعين لتأدية عملها في الرعاية الصحية للمرضى والحالات الحرجة، وتقول إنها وزملاءها ينتظرون "التقدير المادي والمعنوي".
وفي حديثها للجزيرة نت، تؤكد أسماء أنه رغم التصريحات الحكومية المتكررة للتضامن مع الأطباء خاصة في ظل تفشي الوباء مجددا، فإن ذلك لم يتم تنفيذه بعد بالصورة المأمولة.
وأوضحت أنه كان هناك قرار بزيادة حوافز الفرق الطبية وفق قانون زيادة بدل المهن الطبية وصندوق مخاطر المهنة بمبلغ 525 جنيها (الدولار يساوي نحو 16 جنيها)، لكن يتم خصم صافي الزيادة والتأمينات ليكون المبلغ نحو 400 جنيه، مضيفة "وهو مبلغ ضئيل مقارنة بالضغوط التي يتعرضون لها بمستشفيات العزل".
وحذرت الطبيبة من التهاون في تطبيق الإجراءات الوقائية داخل المستشفيات في ظل خطورة الموجة الثانية من الفيروس، مشيرة إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالجلطات الناتجة عن نشاط الفيروس بالجسم، وهو الأمر الملحوظ بين ضحايا كورونا من الأطباء مؤخرا.
وأعلنت وزارة الصحة المصرية الثلاثاء تسجيل 275 حالة جديدة ثبتت إيجابية تحاليلها معمليا للفيروس، ليرتفع عدد المصابين إلى 111 ألفا و284، كما أعلنت وفاة 16 حالة جديدة، ليرتفع عدد الوفيات إلى 6481 وفاة.
ضغوط عدة
ورغم الضغوط التي عانى منها الأطباء خلال المرحلة الأولى من التفشي الوبائي، فما زالت مواعيد العمل للأطباء تمثل تحديا آخر، حيث تصل ساعات العمل إلى 12 ساعة يوميا، وهو "أمر غير إنساني وغير مطابق لقوانين العمل الدولية"، بحسب الطبيب محمد علي استشاري الكبد والجهاز الهضمي والمستشار الطبي لإحدى المنظمات الدوائية الأهلية بمصر.
ولفت الطبيب المصري إلى أن ملابس العزل الطبي الثقيلة التي يرتديها الأطباء تضيف ضغوطا صحية إلى الضغوط النفسية للأطباء، وهو ما يؤثر على الجهاز المناعي الذي يحتاج للراحة للعمل جيدا، مشيرا إلى أن العدد المناسب لساعات العمل يجب ألا يتجاوز 6 إلى 8 ساعات يوميا.
بدوره وصف الطبيب حسام، وهو جراح العظام بأحد المستشفيات الحكومية، النظام الطبي في مصر بأنه "سمك لبن تمر هندي"، مشيرا إلى أنه كان من المفترض زيادة الحوافز المقدمة للأطباء وتقدير دورهم مثل باقي الدول، ولكن النظام يسير بصورة سيئة تجبر الأطباء على السفر خارج البلاد للبحث عن فرص وظيفية أفضل.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح حسام أن عمله ينطوي على قدر من الخطورة في ظل تفشي الوباء، خاصة مع العمل لمدة 36 ساعة خلال يومين بسبب وجود قائمة من العمليات ومناوبة عمل متتالية، وفي المقابل لا يحصل على الامتيازات التي يجب أن يحصل عليها الأطباء في مثل هذه الظروف الصعبة.
هجرة واستقالات
وبالإضافة إلى مواعيد العمل والضغوط الناتجة عنها، يفاقم من الوضع أيضا ضعف أعداد الأطباء في ظل الهجرة للخارج والاستقالة من وزارة الصحة بسبب ضعف الرواتب وغياب الاهتمام بالفرق الطبية، وهو الأمر الذي توضحه نسبة 60% من خريجي كليات الطب الذين يعملون خارج البلاد، بحسب تصريحات سابقة لرئيس الحكومة مصطفي مدبولي.
تصريحات مدبولي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي دفعت النائب طارق متولي إلى تقديم طلب إحاطة إلى رئيس الحكومة ووزيري الصحة والتعليم العالي بشأن استمرار ظاهرة هروب الأطباء إلى الخارج.
وقال النائب في طلبه إنه بحسب تقرير إحصائي أصدرته نقابة الأطباء المصرية انخفض عدد الأطباء العاملين في وزارة الصحة بين عامي 2018 و2019 حتى بلغ نحو 1500 طبيب عام 2015، وإن حوالي 3 آلاف طبيب دون 35 عاما قدموا استقالاتهم خلال عامي 2018 و2019، وإن الذين أحيلوا إلى التقاعد بالإضافة إلى عدد المسجلين بوصفهم أطباء أحرارا أكثر من عدد الذين دخلوا الخدمة بنحو 1500 طبيب.
وأكد النائب أن من أهم العوامل التي تطرد الطبيب المصري تدني الأجور وعدم وجود حماية أثناء العمل وعدم وجود قانون ينظم المهنة لتدارك الأخطاء الطبية، كذلك سوء بيئة العمل من نقص المستلزمات وبعض الأدوية التي تؤدي إلى اعتداء المواطنين على الأطباء، مع عدم وجود حماية من الأجهزة المختصة، مضيفا "وفي المقابل نجد الدول الأجنبية تقدم جميع التسهيلات لجذب الأطباء المصريين، لأن مستواهم عال ومتميز".
كورونا واعتقالات
أزمة الأطباء مع كورونا لم تتوقف عند ضغوط العمل فقط، بل وصلت إلى ارتفاع نسبة الإصابة بينهم مقارنة بالنسب العالمية، حيث أوضحت وكيلة نقابة الأطباء السابقة منى مينا أن نسبة إصابة الأطباء بمصر تبلغ نحو 3% من إجمالي المصابين، في حين تبلغ في دولة مثل إنجلترا 0.5%.
مينا التي تشغل أيضا منصب المنسق العام لحركة أطباء بلا حقوق، أكدت أيضا أن ارتفاع ضحايا كورونا من الأطباء يتطلب الاهتمام من الدولة برعاية أسرهم، وتقديم معونات مادية لهم، ومعاملتهم بصورة لائقة أسوة بأسر ضحايا الجيش والشرطة.
وحول مناشدة المجتمع المدني للمشاركة في صندوق دعم أسر الشهداء في النقابة، قالت مينا عبر مواقع التواصل الاجتماعي "أنا أجدها غير لائقة إطلاقا فلا يصح أن نتحول من المطالبة بحقوق زملائنا إلى التسول، هل تتم مطالبة المجتمع المدني بالتبرع لشهداء الإرهاب أم تم عمل صندوق حكومي فرضت رسوم له ليغطي معاشات كريمة لهم؟".
ولا تتوقف التحديات التي يواجهها الفريق الطبي في مصر عند ذلك الحد، فهناك اعتقالات لأطباء انتقدوا إجراءات الحكومة في مواجهة الجائحة، حيث تم توجيه اتهامات لهم بزعم إشاعة أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
ورغم إعلان الحكومة في مارس/آذار الماضي تخصيص مبلغ 100 مليار جنيه لمواجهة فيروس كورونا، فإن مجلس نقابة الأطباء أصدر بيانا يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي يكشف النقص في المستلزمات الطبية، وهو ما اضطر النقابة لفتح حساب بنكي للتبرع من أجل دعم الفرق الطبية.
وكان وزير المالية محمد معيط قد أكد أن الدولة أنفقت 65 مليار جنيه من المبلغ بنهاية يونيو/حزيران الماضي، مشددا على أن الحكومة وجهت معظم المبالغ إلى المستلزمات الطبية والعمالة غير المنتظمة والسلع الواجب توفيرها وقطاع الأطباء والتمريض.