نقلا عن صحيفة الأخبار - زينب حمود
لم تتقبّل برج البراجنة بعد أنّها منطقة موبوءة يجب إقفالها التزاماً بقرار الإقفال العام الذي صدر منذ أسبوع. أصحاب المحال يصرّون على أن يلعبوا لعبة القطّ والفأر مع رجال الشّرطة والبلديّة، فيما لا يجد كثيرون من سكّان المنطقة ومخيمها داعياً «لتعظيم» كورونا، «وكأنّ الواحد إذا شمّ رائحة كورونا يموت. أنا إذا شعرت بالعوارض لن أخبر أحداً. ولن أجري فحص الـ pcr، بل سأكتفي بشرب كوب من الحامض»، يقول أحدهم!
محل الألبسة الرّجاليّة الواقع أسفل بناء متداع «نصف مقفل» أو «نصف ملتزم بالإقفال». عليك أن تطأطئ رأسك لتدخل. فجأة، يغلق الرّجل الواقف أمام الباب «الجرّار» الحديدي بعدما وردته «تعليمة» بأن شرطة البلديّة تقترب. تجد نفسك، مع الموظّفة، «سجينين» ريثما تنتهي «الكبسة». يمكنك أن تسمع بوضوح أصوات أبواب المحال المجاورة وهي تُغلق معاً بسرعة خياليّة. «هيدا غلط لازم يسكروا ليصير في شفاء، بسّ أنا موظّفة شو بعمل». بهذه الكلمات تُبرّئ الموظّفة العالقة في الدّاخل نفسها.
سوق «عين السكة» ليس بالصخب الذي يكون عليه عادة. الناس والسيارات والدراجات النارية أقلّ مما هي عليه قبل الإقفال. المحال التجارية «المقفلة» يتحايل أصحابها بشتى الطرق على قرار الإقفال. على بعضها أُلصقت أوراق تحمل أرقاماً هاتفية للاتصال للحصول على الطلب «ديلفري». بمجرد الاتصال سيفتح لك صاحب المحلّ المختبئ في الدّاخل الباب ويدعوك للدخول سريعاً! البعض لم يستخدم الطُّرق الملتوية، وكتب - بصراحة - «نحن موجودون في الدّاخل».
يجد رجال البلدية صعوبة في تطبيق قرار الإقفال على ناس همّهم لقمة العيش. «أنا محروج منكم»، يقول شرطي البلدية لصاحب أحد المحال وهو يطالبه بالإقفال. البلدية نفسها لا تخفي تعاطفها، رغم تسييرها للدوريات وتسطيرها ثلاثين محضر ضبط بحق المخالفين في اليومين السابقين. فـ «العالم جاعت. صرلنا سنة على هالحالة. كيف بدها تتحمل الناس؟»، يقول مفوّض بلديّة برج البراجنة محمد حمّود. التعاطف ينعكس في بعض «التطنيش» عن المخالفات نهاراً، لكن لا تهاون مع المخالفين ليلاً. لذا «نسبة الالتزام بالإقفال بعد الساعة الخامسة مساء تفوق الـ 90%».
محالّ بيع المواد الغذائيّة مستثناة من القرار، لكنّ بشروط لا تُطبّق هنا، سواء لجهة ضرورة وجود المسافة الآمنة بين الزبائن، أو لجهة التعقيم. الأوراق الملصقة التي تطلب من «الزبائن الكرام» الالتزام بوضع الكمامة لا تفعل شيئاً لفرض ذلك. «لا يمكنك أن تفرض الكمامة على الناس»، يبرّر أحد التّجار الذي لا يرتدي كمامة لأنه «لا يمكن أن أتحملها من الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساءً»!
محلّ لبيع الدّجاج يُظهر التزاماً مميّزاً بتخصيص موظّف لقياس حرارة الزبائن عند الدّخول. يدخل شابان لا يقيس حرارتهما، ويبرّر ذلك بأنهما «زبونان دائمان، كانا هنا صباحاً وقمت بقياس حرارتهما»!
سكّان برج البراجنة لم يتخلّوا عن عادتهم بالنّزول اليومي إلى السّوق لشراء حاجاتهم أو حتّى «للتّفرّج على الأسعار» كما برّرت إحدى السّيّدات تجوّلها خلال أسبوع الإقفال. «أحتاج إلى أن أشتري جوارب لأطفالي ليلبسوها إذا ذهبوا إلى المدرسة»، تبرّر نزولها إلى السّوق من دون وضع الكمّامة بهذا «السبب الملحّ»! الأمانة تقتضي القول إن عدد من يرتدون الكمّامات أكثر من السابق، لكن كيفما اتفق: على الذقن، على الرقبة، على الفم من دون الأنف، أو حتى مجرد كمامة معلقة على إحدى الأذنين!
عدد الإصابات التّراكميّ في برج البراجنة بلغ 2533 حالة حتّى الخميس الماضي. وأقفل مجموع الحالات النّشطة في اليوم نفسه على 135، فيما بلغت الحالات الجديدة الّتي سُجّلت الأسبوع الماضي 200، وعدد الوفيات منذ بدء الأزمة 13، بحسب حمّود. مع ذلك، لا يزال أهالي برج البراجنة مستخفّين بخطورة كورونا التي «لا تؤدي إلى الوفاة ما دامت الأعمار بيد الله».
ما ينطبق على برج البراجنة ينطبق على المخيم الفلسطيني الذي تحتضنه. المخيم لا يخاف من كورونا، وكأنّ أذرع أخطبوط الفيروس لم تصل إلى هنا بعد. الحياة في المخيّم طبيعيّة. لا شيء يُعكر صفو الزيارات العائلية وجمعات النرجيلة و«الصُّبحيّات». أما ثقافة الكمّامة والتعقيم فلم تنتشر بعد، والتّباعد الاجتماعيّ يبدو «قلّة عقل». المحال، هنا، أضيق من أن توفّر مسافة آمنة بين البائع والزّبون، والزّواريب بالكاد تسمح بعبور شخص واحد. سكان المخيّم لا يأخذون خطورة كورونا على محمل الجد، ليس استخفافاً، وإنما لأنهم أدمنوا الحياة الى جانب الموت. «من يعشْ في المخيم يسلّم أمره لربّه. ولا يخاف من كورونا لأنّه إذا لم يقتله شريط كهرباء، يقع سقف بيته عليه ويرديه، أو يموت برصاصة طائشة. نحن في الأساس شعب ميّت فممَّ سنخاف؟». تقول ولاء عسيلي.